ووفق المعلومات، فإن الألوية الجنوبية التي تقاتل في جبهة الساحل الغربي، والتي أوكلت إليها القوات الإماراتية مهمة الدخول إلى الحديدة، وقعت في كمائن متعددة للجيش و«اللجان الشعبية» على الطريق الواصل بين المخا والخوخة، مع الإشارة إلى أن الطريق العام بين المدينتين صار بحكم المسيطر عليه كلياً بيد جيش صنعاء، فوقعت الإمدادات القادمة من المخا تحت نيران الجيش و«اللجان»، ودمر 14 طقماًَ عسكرياً وسبع دبابات في كمين واحد، بالإضافة إلى محاصرة اللواء التهامي وكتائب جنوبية أخرى داخل مدينة الخوخة، فيما اقتصرت مشاركة القوات الإماراتية على القصف الجوي.
في غضون ذلك، أصدر الحاكمُ العسكري الإماراتي تعميماً على منظومة الحكم المحلي في الجنوب، التي تدين بالولاء لأبو ظبي، بالتعتيم على تداول أخبار الخسائر في عدن وبقية المحافظات، وعمّم أيضاً على المستشفيات التي ينقل إليها القتلى منع إصدار أي إحصاءات بالعدد الحقيقي للقتلى. لكن نائب مسؤول الأمن في عدن، علي الذيب، المعروف بأبو مشعل الكازمي، وهو المحسوب على الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، خرج عن صمته ليصدر منشوراً قوياً قال فيه: «اذهبوا إلى ثلاجة الموتى في مستشفى الجمهورية في عدن، تجدوا شباب الجنوب الذين تم الزج بهم في معركة خاسرة خارج الحدود الجنوبية بالمئات». وانتقد الكازمي «الإعلام المأجور المحلي والخليجي والعربي» الذي يتجاهل ذكرهم وينسب انتصاراتهم إلى الغير، قائلاً إن «التاريخ سيلعن من يتاجر بدماء الشباب الجنوبي».
في معارك الخوخة
الأخيرة وحدها أحصي
نحو 240 قتيلاً جنوبياً
توالت بعد منشور الكازمي المواقف والتصريحات والتعليقات المطالبة بضرورة سحب الشبان الجنوبيين من معركة يصفها الناشطون عادة بأنه «لا ناقة للجنوب فيها ولا جمل»، قائلين إن دول التحالف (الإمارات والسعودية) تتعامل مع الجنوبيين كمرتزقة لخدمة أجندات الخليج، وتعمد إلى شطب مطالب قضيتهم، وحتى أنهم لم يعودوا رقماً في الحسابات السياسية والعسكرية.
فالجنوب الذي تشارك فصائله إلى جانب قوات «التحالف» في مواجهة حركة «أنصار الله»، تستخدمه السعودية والإمارات كخزان بشري يلبّي حاجتهما في قتال الجيش و«اللجان». أما السياسيون بمعظمهم، الصف الثاني والثالث، فهم من صنيعة دول الخليج، وقد انخرطوا مع «التحالف» من دون أي اتفاق سياسي أو شراكة فعلية تلبّي على الأقل الحد الأدنى من المطالب الوطنية أو قضية الجنوب العادلة، بل حتى المسائل الطبيعية التي هي واجب على كل دولة تحتل وطناًَ آخر، مثل الخدمات الأساسية للحياة البشرية (كهرباء، ماء، صحة، تعليم...) غير موجودة، رغم أنها مطالب عادية كفلتها القوانين الدولية زمن الاحتلال أو الوصاية وفق معاهدة جنيف، وكذلك شرعة حقوق الإنسان في زمن الحرب، في ظرف شبيه بالذي يرزح تحته جنوب اليمن حالياً. مع ذلك، كلها غير متوافرة، والسبب الرئيسي في غيابها عائد إلى صراع الأجنحة بين الفصائل المؤيدة لكل من أبو ظبي والرياض، مع تحمّل الأولى المسؤولية المباشرة، بصفتها دولة احتلال، عن إيقاف مطار الريان في حضرموت وتعطيل ميناء عدن.
لم تكتف قوى «التحالف» بإنتاج طبقة سياسية تابعة بالكامل لسياسة الرياض وأبو ظبي، وتتهم بأنها تعمل وفق المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية الضيقة، فأنتجت إلى جانبها طبقة من «النخبة الجنوبية» لا عمل لها سوى كيل الثناء والمديح على مدار الساعة لقادة وأفعال وأنشطة دول الخليج المنضوية في الحرب على اليمن، والمزايدة حتى على نخبة تلك الدول بالتعظيم والتفخيم، حتى يكاد المطّلع والمراقب يشمّ من أفواه تلك النخب رائحة النفط الممزوجة بالدماء والبارود.
وفي كل مرة يقع أبناء الجنوب البسطاء والفقراء فريسة سهلة لجشع القادة والنخب، التابعين للعدوان، والهدف الأول والأساسي من الحملات الإعلامية المموّلة هم فئة الشباب، لدفعهم باتجاه القتال على الجبهات الشمالية كافة، ابتداءً من جبهة الحدود السعودية مع اليمن، ولا سيما «جبهة صعدة» بقيادة القائد السلفي بسام المحضار، مروراً بجبهة ميدي إلى جانب المرتزقة السودانيين، وانتهاءً بجبهة الساحل التي تشكل الفصائل الجنوبية عمودها الفقري ويقودها قاسم هيثم، وهو وزير دفاع سابق يسكن في الإمارات منذ عشرين سنة.
في السنتين الماضيتين، ركزت حملة «النشطاء والنخبة والقادة»، المموّلة خليجياً، على الدفاع عن القضية الجنوبية وحماية الحدود من العدو الشمالي، إضافة إلى السمفونية المعروفة (فارسي، مجوسي، رافضي وفق توصيفهم)، وما يعني ذلك من إراقة دماء كثيرة تحت هذا الشعار.
لكن في الشهور الماضية استنفد هذا الشعار، وظهر أنه لم يعد مستساغاً عند فئة كبيرة من أبناء الجنوب، ولم يعد كذلك النظام السعودي قادراً على تسويق الخلاف المذهبي، ولا سيما بعد تحسّن علاقة الرياض وبغداد، إضافة إلى سقوط تلك الشعارات في العديد من البلدان التي لحقتها اللوثة السعودية (سوريا والعراق ولبنان). فما كان من الجوقة الإعلامية والقيادية التي تعمل وفق تعميم واحد بمسميات متعددة إلا أن غيّرت الشعار المذهبي بآخر عربي قومي، والحجة هذه المرة هي أن الدفاع عن دول الخليج هو دفاع عن عدن وصنعاء وعن بقية الدول العربية.
سوف تمتص دولة الاحتلال الإماراتي الغضبة الجنوبية حتى وقت قصير. والخطة البديلة أصبحت من الآن جاهزة على طاولة الناشطين والقادة المموّلين، وهي رفع منسوب التهديد من «أنصار الله»، وإلزام المتناقضات الجنوبية بالتوافق القسري، وإيجاد شريك شمالي، وإن كان منبوذاً لدى الجنوبيين الذين عليهم الموافقة والتنفيذ من دون اعتراض، تمهيداًَ لسوق شبانهم إلى معركة أخرى تختارها الرياض وأبو ظبي.