لا تهدأ أبداً مساعي التحالف السعودي ــ الإماراتي في البحث عن الخيارات التي تخولهما الدخول إلى صنعاء، خصوصاً بعد تأكدهما أنه لا يمكن حسم المعركة من دون الدخول إلى العاصمة اليمنية.وفي هذا السياق تأتي التعيينات التي أصدرها الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي وانسجام للتوافق التي رعته السعودية بين الإمارات وحزب الاصلاح «الإخواني»، في إطار الجهود المتواصلة لرأب الصدع المحلي ورسم خريطة سياسية تتماشى وصعوبة ظرف التحالف. تجدر الإشارة إلى أنّ تعيينات هادي الأخيرة تعمّد فيها مراعاة «الإصلاح»، بالمقابل فهمت أنها جاءت رداً على تشكيل الجمعية العمومية (البرلمان الجنوبي) المنبثقة من المجلس الانتقالي الجنوبي.

إلى ذلك، تستمر الجهود الحثيثة لتجميع قيادات الصف «الأول والثاني» لحزب المؤتمر الشعبي العام تحت مظلة التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أن تلك الجهود لم تصل إلى النتائج المرجوّة بسبب رفض القيادات «المؤتمرية» داخل اليمن الانتقال إلى صف العدوان على بلدهم. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الماكينة الإعلامية الخليجية انتقلت من أساليب الاستيعاب والاستعطاف لقادة المؤتمر في صنعاء إلى التشكيك وأحياناً التخوين بهذه القيادات. وتخشى السعودية من أن تتحول القيادات المؤتمرية في خارج اليمن إلى زيادة العبء والتكلفة عليها جراء استضافتهم في فنادق العاصمة السعودية.
في غضون ذلك، تستمر رحلة البحث عن طريق يوصل «التحالف» إلى العاصمة اليمنية، إذ لا قيمة لأية إنجازات (إن حصلت) ما دامت لا تصل إلى صنعاء. إصرار قيادة التحالف على البحث عن فجوة لاختراق صنعاء يلاقيه إصرار من قبل «أنصار الله» في الدفاع عن العاصمة المحاطة بالجبال من كل الاتجاهات. ورغم التباين السياسي في صنعاء بين فئاتها القبلية والاجتماعية والفكرية، فإنها اتخذت قراراً مشتركاً، هو الدفاع عنها ومنع سقوطها مهما كانت الضغوطات المعيشية أو الإغراءات المالية من الأطراف المعادية، التي تعمل ليلاً ونهاراً على الاستقطاب وسلخ بعض الفئات المترددة إلى جانب العدوان. وهذا ما أكدته الأحداث بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إذ نجحت «أنصار الله» والعديد من رجال القبائل، ولا سيما «المؤتمريون»، باحتواء الموقف واستيعاب عدد لا بأس من القبائل التي كانت تميل إلى الرئيس الراحل صالح.
وقد بدأت نتائج اللقاء الذي جمع بين قيادة التجمع اليمني للإصلاح «الإخوان المسلمين» وولي عهد الإمارات محمد بن زايد برعاية محمد بن سلمان في الأسبوع الماضي، إلا أنها لا تزال من دون طموح أبو ظبي، بعد افتعال اضطرابات محدودة في العديد من المحافظات التي يوجد فيها أنصار «الإصلاح»، ولا سيما في إبّ.
إذ إن حكومة صنعاء كانت متيقظة لحدوث أعمال مخلّة بالأمن، فسارعت إلى معالجتها وأنهتها من جذورها. كذلك تبيّن أن من نتائج لقاء الرياض بين الإصلاح والقيادة الإماراتية، الاستيعاب المشترك للقيادات وكوادر المؤتمر الشعبي العام والعمل على الاستفادة منهم، وتحريضهم على الخروج بوجه «أنصار الله»، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، وهذا ما عبّر عنه أول من أمس، الأمين العام لحزب الإصلاح عبد الوهاب الانسي لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلاً: «نحن ببساطة نواجه صعوبة بالغة في الوصول إليهم»، واصفاً الحال بالأوقات المربكة. واعترف في الوقت نفسه بأن التحالف (السعودي والإماراتي) طلب من حزب الإصلاح «التواصل مع قيادة المؤتمر الشعبي العام في صنعاء لبحث رؤية موحدة في العمل ضد الحوثيين».
غير أن المعلومات المستقاة من جهات موثوقة ومتعددة، فإن «الإصلاح» ليس على قلب رجل واحد في العلاقة مع الإمارات، وأن ليس بمقدروه في وقت بسيط محو آثار الكراهية والبغض من قلوب قيادييه ومحازبيه، بسبب حرب الاستئصال التي مارستها الإمارات عليه في السنوات الماضية، ولا سيما أن العديد من قيادات الحزب وكوداره لا يزال مصيرها مجهولاً في السجون السرية لدولة الإمارات في جنوب اليمن. كذلك إن القيادة الإماراتية التي تحدثت عن مرونة في مراجعة التحالفات، وضعت «إخوان اليمن» أمام اختبار الانسلاخ عن قيادة تنظيم الإخوان المركزي، وهذا أمر بالغ الصعوبة.
وقد أثبتت الأحداث أن «إخوان اليمن»، في أصعب ظروفهم، لم يصلوا إلى حدّ قطع الاتصال الفكري والسياسي مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وتشعر القيادات الإخوانية في اليمن بأنها وُضعت أمام اتفاق من طرف واحد، لا اتفاق مكتمل الشروط والمواصفات. وهذا ما عبّر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بأن «الإصلاح أمام فرصة اختبار النيات وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي». والعبارة الأخيرة هي العبارة نفسها التي استُخدمت كرمز لقبول الرئيس الراحل في الحاضنة الخليجية، وأدت إلى حتفه.
إلى ذلك، لا تزال الأزمة الخليجية ترخي بظلالها على الداخل اليمني، إذ إن جناحاً واسعا من «الإصلاح» يرتبط بنحو قوي ومباشر بالدوحة التي تستخدم الساحة اليمنية للمناكفة مع خصومها الخليجيين، ولعرقلة مشروعهم.