تواصل قيادة تحالف العدوان جهودها لتطويق ذيول الأحداث التي شهدتها مدينة عدن جنوبي اليمن منذ يوم الأحد الماضي، والتي أدت إلى مقتل 29 شخصاً وجرح 315 آخرين، بحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. وتستبطن تلك الجهود، التي كان آخرها زيارة لوفد عسكري وأمني من قيادة «التحالف» للمدينة، عزماً على تثبيت المعطيات الميدانية التي أفرزتها المعارك بين ألوية «الحماية الرئاسية» التابعة لهادي، وبين ميليشيات «الحزام الأمني» الموالية لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي».
تثبيتٌ من شأنه التوطئة لمرحلة جديدة قد تكون الزيارة التي قام بها أمس رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، لإحدى الجبهات الشمالية، أولى بوادرها العملياتية.
بعدما خرجت إلى العلن بنود ما قيل إنها وساطة بين «الشرعية» و«الانتقالي» قادها «التحالف»، وصل إلى عدن، وفد عسكري وأمني سعودي ــ إماراتي رفيع المستوى، «للوقوف على استجابة الأطراف المعنية لقرار قيادة التحالف وقف إطلاق النار، وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل اندلاع الأحداث يوم الأحد الماضي»، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية. وتأتي هذه الزيارة بعدما أفادت أنباء، أول من أمس، عن التوصل إلى تسوية من أربع نقاط تقضي في ثالث بنودها بتسليم معسكرات «الحماية الرئاسية» لمقاتلين سلفيين من «الحزام الأمني».

شدّد وفد «التحالف» على وحدة رؤية الرياض وأبو ظبي
عملية أكدتها مصادر محلية لـ«الأخبار»، أفادت بأن جميع المعسكرات التي كانت تابعة لقوات هادي باتت في قبضة ميليشيات «الحزام»، باستثناء معسكر بدر الذي تتمركز فيه قوات مختلطة، من بينها مقاتلون محسوبون على «الإصلاح»، فيما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول في القوات الموالية لـ«المجلس الجنوبي» قوله إن «قواتنا تنتشر في مدينة عدن، وجميع نقاط التفتيش تخضع لسيطرتنا»، وإن «الوضع الأمني مستقر، ونحن نعمل مع التحالف على تثبيته بشكل كامل».
هذه المصادقة على ما آلت إليه المعارك بين «الانتقالي» وبين «الشرعية» من شأنها تظهير الأخيرة في صورة المهزوم، وبالتالي تضعيف العصا التي لا يزال «التحالف» يتكئ عليها في حربه. من هنا، جاء البند الأول من التسوية الذي نص على عدم إجراء أي تغيير حكومي فوري حتى لا يظهر الأمر وكأنه استجابة لمطالب «المجلس الجنوبي»، وكذلك إفساح المجال أمام حكومة هادي للتنفيس عن غضبها، والتسويق لنجاحها المفترض في «إنهاء التمرد» على سلطتها في عدن. في هذا السياق، جاء البيان التصعيدي الذي صدر أمس عن حكومة هادي، والذي وصف ما شهدته المدينة خلال الأيام الماضية بأنه «محاولة انقلابية فاشلة»، من شأنها «تقويض جهود إنهاء الانقلاب الحوثي، وخدمة أجندات أخرى تتعارض مع وحدة اليمن استقراره وسلامة أراضيه»، متوجهاً بالشكر إلى السعودية «التي كان لها الدور الأكبر في انسحاب المتمردين من معسكر اللواء الرابع - حماية رئاسية، والمناطق التي انتشروا فيها، وإنهاء التمرد، وحقن دماء اليمنيين».
محاولة حكومة هادي الإيحاء بوقوف الرياض إلى جانبها في وجه «المحاولة الانقلابية» التي حمّلت أبو ظبي، مبطناً، المسؤولية عنها، لم يحمل البيان الصادر عن «التحالف» - عقب الاجتماعات التي أجراها الوفد السعودي الإماراتي في عدن - ما يعزّزها. إذ جاء في البيان المذكور أن «المملكة العربية السعودية والإمارات هدفهما واحد، ورؤيتهما مشتركة، وليس لديهما أي هدف إلا أن يكون يمن العروبة آمناً ومستقراً وقادراً على التنمية والازدهار». كذلك جاء فيه أن «المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تقفان إلى جانب الشعب اليمني، وتقودان جهود المصالحة بين الأطراف اليمنية، إيماناً بأهمية أمن واستقرار اليمن، والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي». وأشار البيان إلى أن «الهدف الآن هو... تجنب كافة أشكال الفوضى، وحل كل الخلافات بين الفرقاء... على كيان الدولة اليمنية»، داعياً «الأطراف اليمنية كافة إلى التعامل بحكمة وروية، والتركيز على الهدف الرئيسي، وهو دحر الميليشيات الحوثية التابعة لإيران».
إلحاح الوفد السعودي - الإماراتي، الذي قالت وكالة «وام» الرسمية إنه «تجول في شوارع عدن والتقى جميع الأطراف المعنيين»، على وحدة رؤية الرياض وأبو ظبي بشأن الأحداث الأخيرة وما تلاها، يعزز القناعة المتولدة لدى كثيرين بأن «الرياض ستتقبل، وإن على مضض، سيطرة أحد شركائها على مدينة عدن»، و«قد تعمل على استرضاء قادة المجلس (الانتقالي الجنوبي) عبر إجراء تغيير حكومي شامل، أو عبر استبدال بعض الوزراء، أو حتى رئيس الحكومة نفسه» بحسب ما احتمل مركز «ستراتفور» الاستخباري في تقريره الأخير بشأن اليمن. هذا التغيير المحتمل «في أقرب وقت ممكن» وفقاً لما جاء في البند الثاني من وساطة «التحالف»، يُتوقع أن يترافق مع عمل مكثف على رص صفوف مقاتلي «الانتقالي»، جنباً إلى جنب مقاتلي أقرباء الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، أملاً في تحقيق إنجازات على جبهات الشمال. عمل ربما تمثل فاتحته الزيارة التي قام بها، أمس، رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، لجبهة مريس بين الضالع وإب حيث أعلن دعمه «لجهود تحرير مناطق الشمال من سيطرة الحوثيين»، بعدما أعلن قبل أيام «دعم المقاومة الشمالية بقيادة طارق محمد صالح حتى تحرير الشمال».
في خضم ذلك كله، برز تقدم الرئيس الجنوبي السابق، علي ناصر محمد، بمبادرة جديدة لإنهاء الحرب في اليمن، تنص على «وقف إطلاق النار»، ومن ثم «تشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء لإدارة المرحلة الانتقالية لمدة عامين». وأوضح ناصر، في نص مبادرته، أنه «في حالة اختيار رئيس مجلس الرئاسة من الجنوب، فيجب أن يكون نائبه الأول من الشمال، وأن يكون الأعضاء الثلاثة الباقون من الشمال والوسط والجنوب، على أن يُختار رئيس الحكومة من الوسط، والعكس في حالة اختيار رئيس للمجلس من الشمال»، مقترحاً أن «تتوزع حقائب الحكومة على المكونات السياسية الآتية: حزب المؤتمر الشعبي العام، جماعة أنصار الله، أحزاب اللقاء المشترك ممثلة بـ(الشرعية)، والحراك الجنوبي السلمي، على أن تراعى نسبة 50‎%‎ لكل من الشمال والجنوب». وجدد دعوته إلى «بدء حوار لاختيار شكل الدولة الفيدرالية على أساس إقليمين... وذلك لفترة مزمنة... يُجرى بعدها استفتاء للجنوب».