لم يُبدِ قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، الكثير من التفاؤل حيال أي مسعى جديد لتحريك جمود المسار السياسي للأزمة اليمنية. وَضَع، في مقابلته مع «الأخبار»، أيّ تحرك على هذا الصعيد في إطار «العملية التجميلية للوجه القبيح للأمم المتحدة»، الذي ظهر من خلال أدائها في اليمن. لكن الحوثي لم يغلق الباب أمام أي جهود قد تُبذل، بل تركه موارِباً، مُذكِّراً برؤيته التي تقوم على أساس «تسوية سياسية عادلة ومنصفة».عبر هذا الباب الموارِب تحديداً تتطلّع موسكو، وهي المُتّهمة من قبل «أنصار الله» بـ«الانحياز»، إلى «تعزيز» حضورها في اليمن، سعياً في نقل الصراع في هذا البلد من المحاور والجبهات إلى الأروقة وصالونات صنع القرار في العالم، وفقاً لما تذكر مصادر روسية معنية بملفات المنطقة لـ«الأخبار»، تؤكد أن روسيا مستعدة للإسهام في تفعيل المسار السياسي في اليمن، وأنها لا تفصل الحديث في هذا الملف عن خطاب الرئيس فلاديمير بوتين الأخير أمام المجمع الفدرالي، والذي أرسى خارطة طريق للدخول في «مرحلة التوازن الدولي» و«الأقطاب المتعددة». فهل يشكّل الإقبال المستجدّ على اليمن إيذاناً باستيقاظ «الدبّ الروسي» من «سباته الشتوي الطويل» على حدّ تعبير السيد الحوثي؟

روسيا «لم تتأخر»
لا توافق المصادر على أن روسيا تأخرت عن إيلاء الملف اليمني الاهتمام اللازم، لكنها تقول إن موسكو في المرحلة الراهنة تقرأ إشارات عدة يمكن فهمها في سياق حاجة جميع الأطراف إلى «فرصة جديدة لتحريك المياه الراكدة».
من التظاهرة التي شهدها ميدان السبعين في صنعاء أمس (أ ف ب )

تنطلق المصادر من حالة «الستاتيكو» التي تشهدها الجبهات العسكرية على امتداد الجغرافيا اليمنية، معتبرة إياها دليلاً على «حالة الاستنزاف التي يراوح فيها الجميع». «استنزاف» ترى أنه يؤثر «بشكل مباشر وخطير» على ملفات أخرى في المنطقة، مُستشهدة باحتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، على «تسرّب الاحتقان السعودي ــ الإيراني من اليمن إلى لبنان». إشارات أخرى التقطتها موسكو، مثل ما يُحكى عن استعداد الرئيس السوداني عمر البشير للانسحاب من صفوف «التحالف» الذي تقوده السعودية، فضلاً عن انسحاب قطر من المشهد. إلا أن روسيا ترى أن «الصراع على السلطة والنفوذ بين الأفرقاء اليمنيين»، والذي أدّى بحسبها إلى مقتل صالح في صنعاء، وأحداث كانون الثاني/ يناير الماضي في عدن، إشارات ساطعة على «فشل المسار الذي اتُبع منذ اندلاع الأحداث في البلاد قبل ثلاثة أعوام».

طريق الحل
وإذ ترفض روسيا مبدأ التقسيم في اليمن، غير مكترثة كثيراً بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، بقدر اهتمامها بعدم المساس بجغرافيتها وحدودها الحالية، لما لذلك من تأثير على الوضعين الإقليمي والدولي بشكل عام، فإن رؤيتها للحلّ في هذا البلد ومتطلبات الوصول إليه تتمايز عن رؤية إيران. تصف المصادر الرؤية الروسية بأنها «براغماتية، وتتعاطى مع الملفات وفق تطورات الأحداث». تضيف أن «روسيا تبحث عن شركاء في اليمن أكثر من بحثها عن عقد تحالفات»، فهي ترى أن «التحالفات تسهم في تغذية الحرب الباردة بين المعسكرات».
ومن هنا، أتى الـ«فيتو» الروسي ضد مشروع قرار دولي يدين إيران على خلفية دورها المفترض في اليمن. صحيح أن هذا الـ«فيتو» استهدف حماية إيران بالدرجة الأولى، لكن المصادر توضح أنه يهدف أيضاً «إلى منع تحويل الإشكالية مع إيران في اليمن بالتحديد إلى مشكلة دولية عبر بوابة مجلس الأمن». وأبعد من ذلك، تقرأ المصادر «الفيتو» من زاوية «حصر المشكلة السعودية ــ الإيرانية داخل اليمن من جهة، ومن جهة ثانية قطع الطريق على الولايات المتحدة لتوريط السعودية أكثر في رمال المنطقة المتحركة عبر البوابة اليمنية».
تخشى موسكو أن يؤثر «الاستنزاف» على ملفات أخرى في المنطقة


بناءً على ما تقدم، ترى المصادر أن التوقيت مثالي للتوجّه بجدّ إلى الداخل اليمني. تقول إن خلق «قناة وأرضية للتواصل بين الأطراف الداخليين أمر مهم». وتعتبر أن «هذه القناة قد تستفيد من تعيين المندوب الأممي الجديد إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، خصوصاً أن العلاقة الإيرانية ــ البريطانية ليست متوترة على النحو المعتاد، ما يفسح المجال أمام إطلاق عملية سياسية بسلاسة». وفي هذا الإطار، تجري موسكو اتصالات مع جميع الأطراف المؤثرين في الملفّ اليمني، لتخفيف الضغط إقليمياً، خصوصاً أن أكثر من بلد يشهد انتخابات رئاسية وتشريعية، يخشى الروس أن تؤثّر الحمّى المرافِقة لها على تقاطع الملفات الإقليمية.
لاحقاً، تأمل موسكو التوصل إلى اتفاق على ترتيب الأوضاع الداخلية في اليمن، وتحديد ممثلي الأطراف المتصارعين، على أن تَليَ ذلك، بحسب المصادر نفسها، «خطوة وقف القتال، وإعادة هيكلة الدولة ضمن الحوار الوطني الذي سينتج من المصالحات». وتأمل المصادر أن تكون الأسابيع التي ستلي الانتخابات، التي تشهدها أكثر من دولة في الإقليم، موعداً مناسباً لعقد طاولة حوار يمنية في سلطنة عُمان، مشترِطةً أن «يبقى الجو الإقليمي مُشجِّعاً» لتحقّق ما سلف واستكمال مفاوضات الكويت، على أن يكون الهدف هذه المرة الوصول إلى اتفاق نهائي، لا مجرد مشاورات ممتدة.
وبشأن الموقف السعودي، تؤكد المصادر «استمرار التنسيق بين البلدين حول اليمن»، معتبرة «توقف الصواريخ الباليستية لفترة طويلة نسبياً عن استهداف العمق السعودي (في ما مضى)»، «إشارة بالغة إلى نجاح التنسيق بين موسكو والرياض من جهة، وموسكو وطهران من جهة أخرى، في محاولة لإيجاد أرضية لعمل سياسي ما». لكن المصادر تنبّه، في الوقت نفسه، وبالتزامن مع مواصلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارته لواشنطن، إلى أن العلاقة الروسية ــ السعودية هي «محطّ استهداف أميركي في الأصل».