خلافاً لما جرت عليه العادة في مرحلة سابقة من اجتماع وزراء دفاع أو رؤساء أركان دول تحالف العدوان على اليمن عند الأحداث المفصلية في تاريخ الحرب، انعقد أول من أمس في مدينة جدة اجتماع لوزراء إعلام دول «التحالف» لمناقشة الخطة الإعلامية المتعلقة بالمعركة الدائرة حالياً في الساحل الغربي، وكيفية مواجهة «الحملات المغرضة للإعلام المعادي». اجتماع يمثّل اعترافاً ضمنياً بفشل منظومة الإعلام الخليجي، التي تحولت إلى ترسانة دعائية وترويجية موازية للحملة العسكرية، تمتلك أذرعاً أخطبوطية تستخدم أحدث التقنيات، وتجيّر وسائل التواصل الاجتماعي لمصلحتها بإجراء عقود بمبالغ طائلة مع كبريات الشركات ولا سيما شركتي «تويتر» و«فايسبوك». ومع ذلك، لم تثبت نجاعتها إلا في التزوير والتدليس واختلاق الأحداث، وصنع سرديات هزيلة، وتحريف الوقائع، وبث الشائعات، وتقوية الجانب الغرائزي والعاطفي لدى السواد من العامة.إن الإصرار على ذلك كله، بالإضافة إلى بذل جهود هائلة وجبارة في تكرار السرديات المبنية على التفوق والغلبة، حتى مع تبيّن كذبها بعد وقت قصير، له هدف واحد هو إغراق الجمهور الخليجي بتلك السرديات، ومنع أي صوت أو رأي آخر من الوصول إلى المتلقي، حتى لا يكتشف الحقيقة ويطّلع على عبثية الحرب على اليمن. في المقابل، يأتي اجتماع جدة ليؤكد صدقية الإعلام اليمني والإعلام المسانِد له وفعّاليتهما، رغم الفارق الكبير في الإمكانات المادية. إذ إن تفوق الإعلام الخليجي بالقدرات المادية والتقنية المعتمدة على أسلوب السرعة في نقل الأخبار والعواجل، والبث المباشر، واستضافة جوقات من المطبّلين وأدعياء الفهم الاستراتيجي، كوسيلة ضاغطة للتأثير على الجمهور، لم يمنع الإعلام اليمني والإعلام الداعم له من اختراق منظومة الإعلام الخليجي، وإفشال مخططها، بالإصرار على تقديم الوقائع كما هي على الأرض، مقرونة بالأدلة والشواهد، التي ولو تأخّر بثها إلا أن حصيلتها تبقى ثابتة وصادقة وتعكس الحقيقة.
لقد أسقط الإعلام الحربي اليمني، بما هو فقط كاميرا عادية وأحياناً كاميرا هاتف جوّال، الإمبرطورية الإعلامية الضخمة للخليج بقليل من الجهد والإمكانات، مثلما أسقط مقاتلو «أنصار الله» الحفاة، ولكن الشجعان، المنظومة العسكرية والتسليحية الغربية، بقدرتهم على إحراق مدرعات الغزاة، لا بالصواريخ المضادة للدروع دائماً، بل بـ«الولاعة» أحياناً تنفيذاً لوصية قائد حركة «أنصار الله»، وتوفيراً للذخيرة العسكرية.
تستفزّ التغطية القطرية لمعركة الحديدة دول «التحالف» وخصوصاً الإمارات


وعلاوة على أولوية «التصدي للإعلام الإيراني»، جاءت على قائمة أولويات المجتمعين في جدة، أيضاً، مواجهة الإعلام القطري، وخصوصاً قناة «الجزيرة»، التي تستفزّ تغطيتها لمعركة الحديدة دول «التحالف»، وفي مقدمها الإمارات، التي انتقد وزير الدولة للشؤون الخارجية فيها، أنور قرقاش، أكثر من مرة، موقف قطر، متهماً إياها بمحاباة إيران على حساب قضايا الخليج. والجدير ذكره، هنا، أن «الجزيرة» تركّز، في تغطيتها للمعركة، على الأطماع الإماراتية في السواحل والموانئ والجزر اليمنية، وكذلك على كارثية الهجوم على الحديدة على المستوى الإنساني. وقد أظهرت القناة القطرية، منذ فترة غير قصيرة، تبدلاً واضحاً في تعاملها مع الملف اليمني، على خلفية المقاطعة المفروضة عليها من قبل السعودية والإمارات.
من جهة أخرى، تنبئ المواقف التي صدرت عن اجتماع جدة بأن الخيار العسكري لا يزال متقدماً على غيره، وأن دول «التحالف» في طور الاستعداد والتجهيز لجولة قادمة من المعارك في مقبل الأيام، وأن محاولات المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إيجاد حل سياسي يجنّب مدينة الحديدة المعارك، لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها، على عكس ما أوحت به تسريبات وكالة «رويترز» الأخيرة بشأن موافقة سعودية أولية ورضى أميركي و«همهمات إيجابية» من الإمارات إزاء طرح غريفيث. وما يفيد التنبيه إليه، في هذا السياق، بأن الطرح الأممي الجديد هو نفسه الطرح القديم القاضي بإشراف المنظمة الدولية على ميناء الحديدة، على أن تؤول عائداته الجمركية إلى حكومة الإنقاذ في صنعاء، والذي جدد زعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير، استعداد الحركة للقبول به بهدف سحب ذريعة العدوان القائمة على أن ميناء الحديدة يستخدم لتهريب الأسلحة. لكن الإصرار على التحشيد للمعركة يكشف الأطماع الحقيقية لدول العدوان، وهدفها الرئيس من وراء الحرب، المتمثل في القضاء الكلي على أكبر مكون يمني، وعودة اليمن برمته إلى زمن الوصاية والهيمنة السعودية.