كشفت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، اليوم، عن صفقة بين «التحالف» و«الشرعية» و«القاعدة»، تنصّ أبرز بنودها على تأمين انسحاب «آمن» لمسلّحي التنظيم من المدن الجنوبية، وتذويب عناصرهم في الأذرع العسكرية الجنوبية التي تموّلها الإمارات، وزجّ العشرات منهم في القتال ضد «أنصار الله» في المحافظات الشمالية.وقالت الوكالة في تحقيقها، إن معظم العمليات الكبرى تكلّلت بطرد عناصر «القاعدة» في مدن جنوبية، من بينها المكلا في حضرموت ومناطق في شبوة وأبين، تمت من دون إطلاق رصاصة واحدة، وبدفع أموال طائلة لعناصر التنظيم، والسماح لبعضهم بالانسحاب مع سلاحهم وعتادهم وكل ما نهبوه من الدولة والمواطنين.
واستندت الوكالة الأميركية، في تقريرها، على عمل المراسلين الصحافيين في اليمن، ومقابلات مع عشرات المسؤولين، بمن فيهم ضباط أمن يمنيون، وقياديو ميليشيات، ووسطاء قبليون، وكذلك مع عناصر من تنظيم «القاعدة»، روى بعضهم تفاصيل اللحظات الأخيرة للاتفاق بين «التحالف» و«القاعدة» في منتصف عام 2016، بالانسحاب من مدينة المكلا في حضرموت، مع منحهم «طريقاً آمنة» للخروج بسلام، والاحتفاظ بأسلحتهم، وحوالى 100 مليون دولار نهبوها من المدينة.

تسهيل الانسحاب؟
وأكد مسؤول قبلي راقب انسحاب مقاتلي «القاعدة»، أن مقاتلات «التحالف» والطائرات الأميركية من دون طيار، كانت غائبة كلياً عن الأجواء لحظة انسحابهم، متسائلاً في ذلك الحين: «لماذا لم يوجهوا إليهم أي ضربة؟».
في حين ذكر شهود عيان أن خروج عناصر «القاعدة» من المكلا كان «سلساً»، ومن الملاحظ خلاله أنهم لم يكونوا يشعروا بأي خوف من تعرضهم لضربه جوية مباغتة، لاطمئنانهم بأن الاتفاق المبرم مع «التحالف» دخل مرحلة قيد التنفيذ التي جنوا ثمارها، بعدما حظي بعضهم بوجبة عشاء وداعية نظمها أحد مهندسي الصفقة المحليين، في بساتين الزيتون والحامض في مزرعته في ضواحي المكلا لإلقاء التحية عليه.
وبعد ضمان نجاح الصفقة، تمت إعادة استنساخ التجربة في أبين، والاتفاق على انسحاب «القاعدة» من خمس بلدات في المحافظة، بما فيها العاصمة زنجبار، وتضمن الاتفاق أيضاً امتناع التحالف السعودي الإماراتي والطائرات الأميركية من دون طيار عن قصف مقاتلي «القاعدة»، خلال انسحابهم مع سلاحهم، وقبول انضمامهم لاحقاً إلى «الحزام الأمني» المدعوم من الإمارات.
وكشف الشيخ القبلي طارق الفضلي، الذي سبق أن تدرّب على يد أسامة بن لادن، أنه كان على تواصل مع «مسؤولين في السفارة الأميركية، ومسؤولين من التحالف لإبلاغهم بتفاصيل الانسحاب».
كذلك، كشف تقرير «أسوشيتيد بريس» عن أن اتفاق الانسحاب في شباط/فبراير الماضي من بلدة السعيد في محافظة شبوة، ذهب إلى أبعد من ذلك. ووعد «التحالف» بدفع رواتب لعناصر «القاعدة» الذين تخلّوا عن التنظيم.
معظم العمليات الكبرى تكلّلت بطرد عناصر «القاعدة» في مدن جنوبية تمت من دون إطلاق رصاصة واحدة(أ ف ب )

مبالغ مالية هائلة
وقال قائد الأمن في شبوة، عوض الدهبول، إن نحو 200 من أعضاء «القاعدة» حصلوا على مبالغ مالية، من ضمنها 100 ألف ريال سعودي (26 ألف دولار) إلى أحد قادة «القاعدة» بحضور قادة إماراتيين.
وقال الوسيط ومسؤولان إن آلاف المقاتلين القبليين، بينهم عناصر في «القاعدة» في جزيرة العرب، سينضمون أيضاً إلى قوات «النخبة» الشبوانية التي تمولها الإمارات.
كما نقلت الوكالة عن عبد الستار الشمري، المستشار السابق لمحافظ تعز، قوله إنه يعترف بوجود تنظيم «القاعدة» منذ البداية وهو أخبر القادة بعدم تجنيد أحد من عناصره. وأضاف: «كان ردهم: سنتحد مع الشيطان لمواجهة الحوثيين».
وقالت الوكالة إنه تم وضع «أبو العباس» على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب لصلته بـ«القاعدة» العام الماضي، لكنه لا يزال يتلقى أموالاً من الإمارات لدعمه للوقوف أمام «الشرعية» والقوات الموالية لحزب «الإصلاح»، كما حصل قيادي آخر في تعز، وهو عدنان رزيق، المشتبه بانتمائه لـ«القاعدة» على 12 مليون دولار من «التحالف» لتمويل عملياته في المحافظة.
وبحسب الوكالة، فإن هذه الصفقات التي كشفتها «تعكس المصالح المتناقضة للحربين المستعرتين في هذا الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. ففي واحدة من الحربين، تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها العرب، وبخاصة الإمارات، بهدف القضاء على تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب. لكن المهمة الأكبر هي كسب الحرب الأهلية ضد الحوثيين المدعومين من إيران. حيث يقف تنظيم القاعدة إلى جانب التحالف، وبالتالي إلى جانب الولايات المتحدة».
وحذرت الوكالة الأميركية من أن هذه «التسويات والتحالفات» بين «التحالف» و«القاعدة» سمحت للأخير بمواصلة القدرة على القتال حتى اليوم، وهي تهدد بتقوية أخطر فرع لـ«القاعدة»، وهو التنظيم الذي نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.