أوقف تحالف العدوان هجومه على مدينة الحديدة (غرب)، ليبدأ هجوماً من نوع آخر على أهالي محافظة المهرة (أقصى الشرق) الرافضين لأطماعه ومشاريعه التوسّعية في أراضيهم. تخطّت السعودية الخطوط الحمر التي كانت اللجنة التنظيمية لاعتصام المهرة قد حذّرت من تجاوزها، وأقدمت على استخدام القوة بوجه المعتصمين، ما أدى إلى تنفيذ هؤلاء تهديدهم بـ«الردّ بالمثل». تطورات تضع المحافظة، التي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن نيران الحرب، في عين العاصفة، وتفتح الباب على مسار أكثر خطورة، قد يكون آخرَ ما يحتاج إليه «التحالف» في ظلّ الضغوط المتصاعدة عليه من كل اتجاه، والتي أفرزت، جنباً إلى جنب المقاومة الشرسة للجيش واللجان الشعبية، هدنة غير معلنة على جبهة الساحل الغربي.وأقدمت القوات السعودية، مساء الثلاثاء، على استحداث نقاط عسكرية جديدة في منطقة الأنفاق القريبة من ميناء نشطون، في «تحدّ صارخ للقوى المقاوِمة للاحتلال السعودي»، الغرض منه «إرهاب المجتمع المهري»، مثلما وصّفته اللجنة التنظيمية لاعتصام المهرة. وأكدت اللجنة، في بيان، أن هذا «التطور الخطير، الذي يستهدف تمكين الاحتلال السعودي وفرض الأمر الواقع، لا يمكن القبول به والسكوت عنه»، محذرة من «إدخال المحافظة في نفق مظلم ودوامة عنف وفوضى يتحمّل مسؤوليتها أولاً وأخيراً أولئك الأذناب المنفّذون لمخطط الاحتلال السعودي، وفي مقدمتهم محافظ المحافظة راجح باكريت». هذه التحذيرات سرعان ما وجدت ترجمتها على الأرض، مع توجّه العشرات من أبناء قبائل حصوين، ليل الاثنين ــــ الثلاثاء، إلى منطقة الأنفاق بهدف منع استحداث تلك النقاط، التي تفيد مصادر مطلعة «الأخبار» بأن نصبها إنما هو تمهيد لإنشاء معسكر للقوات السعودية في منطقة الكمب القريبة من «الأنفاق». ومع وصول المحتجين إلى مقصدهم، بادرت القوات السعودية والميليشيات التابعة للمحافظ باكريت إلى إطلاق النار عليهم، لتندلع فجر أمس اشتباكات أدّت إلى سقوط 3 جرحى من الجنود السعوديين، و10 من المعتصمين، فارق اثنان منهم الحياة لاحقاً، بعدما استغرق نقلهما عبر طريق فرعية إلى مدينة المكلا (تحاشياً للطريق العام الذي تسيطر عليه القوات السعودية) وقتاً طويلاً لم يسعفهما في البقاء على قيد الحياة.
دعت الإمارات إلى إطلاق محادثات السلام في «أقرب وقت ممكن»


إثر تلك التطورات، سارع محافظ المحافظة إلى التبرّع بإعطاء غطاء للممارسات السعودية، عبر تبريره سقوط ضحايا من المعتصمين بالقول إن «نقطة الأنفاق الأمنية تعرّضت لإطلاق نار من قِبَل خارجين عن القانون من مهرّبي الأسلحة والمخدرات والمدعومين من الانقلابيين والدول الإقليمية لتسهيل عمليات التهريب عبر البحر، وتم التعامل معهم بحزم»، مهدداً بـ«الضرب بيد من حديد لكلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن الوطن واستقراره». تهديدات واجهتها القبائل بالتداعي إلى تدارس الردّ المناسب على الاعتداءات السعودية، توازياً مع توجيهها أبناءها بالاستمرار في الوجود قرب منطقة الأنفاق، التي سادتها أمس حالة توتر حتى ساعات المساء. وفي ظلّ إصرار «المهريين» على إفشال المشروع السعودي القاضي بمدّ أنبوب نفطي عبر أراضيهم إلى بحر العرب تحت ذريعة مكافحة التهريب (علماً بأن القوات السعودية لم تعلن منذ ستة أشهر عن ضبط أي شحنة مخدرات في مناطق الساحل كافة)، وإدارة «التحالف» الأذن الطرشاء لمطالب أبناء المحافظة، بل ومواجهتها بالقوة، تبدو الأوضاع في المهرة مفتوحة على احتمالات تصعيدية تفوق كل ما شهدته المحافظة في الأشهر الماضية، وخصوصاً أن المعتصمين كانوا قد حذّروا من جرّهم إلى خيارات تغاير النهج السلمي الذي اتبعوه منذ بدء احتجاجاتهم.
على خط مواز، أقرّت الميليشيات الموالية لـ«التحالف» بوجود أوامر وُجّهت إليها بوقف «أي تصعيد عسكري» باتجاه مدينة الحديدة، بعدما كان المتحدث باسم «التحالف» تركي المالكي قد نفى وجود أي هدنة من هذا النوع. وترافق ذلك الإقرار مع استمرار الهدوء على جبهات القتال في محيط الحديدة لليوم الثالث على التوالي (باستثناء مناوشات ليلية لم تَدُم أكثر من نصف ساعة)، وتراجع الغارات الجوية التي لم يُسجّل منها أمس سوى واحدة بالقرب من شارع صنعاء. استمرارية عزّزت المؤشرات الإيجابية إلى إمكانية استئناف المفاوضات قريباً، وخصوصاً أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، خرج أخيراً عن طول صمت بشأن اليمن، مرحّباً بـ«محادثات تقودها الأمم المتحدة في السويد في أقرب وقت ممكن»، وداعياً إلى «الاستفادة من هذه الفرصة لإعادة إطلاق المسار السياسي». لكن، وعلى رغم أن «أنصار الله» رحّبت، على لسان رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد علي الحوثي، بالجهود الأخيرة المبذولة في سبيل وقف الحرب، معلنة «(أننا) ندرس تصريحات الخارجية البريطانية، ولدينا تواصل مستمر مع المبعوث الأممي»، إلا أن الحركة لا تزال تتعامل بحذر مع دعوات التهدئة. حذر يشرّعه ــــ بالنسبة إلى «أنصار الله» ــــ استمرار التحشيد نحو مدينة الحديدة، مترافقاً مع عملية تحريض على الميناء، بدأت بتسريب مزاعم عن تلغيم محيطه (وهو ما نفته بالمطلق مصادر في «مؤسسة موانئ البحر الأحمر»)، واستُكملت بادعاء السعودية مساء أمس إطلاق صاروخ باليستي من مديرية الصليف باتجاه المنفذ البحري الغربي، قبل أن تعلن وزارة النفط والمعادن في صنعاء أن «التحالف» أجبر ثلاث سفن نفطية على مغادرة الميناء والعودة إلى جيبوتي.



قرار أوروبي جديد بحظر تسليح السعودية
للمرة الثانية في أقلّ من شهر، أصدر البرلمان الأوروبي، أمس، قراراً غير ملزم بحظر صادرات الأسلحة الأوروبية إلى الرياض، داعياً إلى فرض عقوبات على الدول التي تستخفّ بقواعد «الاتحاد» في هذا الشأن. وجاء في القرار أن السفن الحربية المستورَدة من دول «الاتحاد» تُستعمل في الحصار المفروض على اليمن، فيما تُستخدم الطائرات والقنابل في الغارات الجوية. كما جاء فيه أن السعودية لا تلتزم بالمعايير الأوروبية الموضوعة كشروط لتصدير الأسلحة، وعلى رأسها الالتزام بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان. ودعا القرار إلى إنشاء آلية لمعاقبة الدول التي تخالف الموقف الأوروبي المشترك، وهو ما شددت عليه، أيضاً، عضو البرلمان الأوروبي، الألمانية زابينا لوزينج، التي تقود جهود إرساء تلك الآلية. وقالت لوزينج إن «الأسلحة الأوروبية مسؤولة بشكل أساسي عن الحرب الدائرة في اليمن»، مطالبةً بـ«تطبيق القواعد المشتركة لتصدير الأسلحة بصورة فعالة».