منتصف العام الماضي، اشترط الجانب السعودي على حركة «أنصار الله» إيقاف تصوير العمليات العسكرية «تمهيداً للدخول في محادثات جدية»، وفق ما يكشفه لـ«الأخبار» مصدر عسكري يمني. يوضح هذا الاشتراط حجم الضرر الذي مثلته تلك المقاطع بالنسبة إلى الرياض، كونها شكلت دليلاً بالصوت والصورة على كذب ادعاءات الإعلام السعودي حول قدرة قوات «التحالف» على سحق الحركة اليمنية. راكمت «أنصار الله»، على امتداد أربعة أعوام من العدوان، نقاط قوة على المستويات كافة، بما في ذلك على مستوى «الإعلام الحربي» الذي بات واحداً من أكثر الأسلحة فتكاً، في ظلّ التطور الكمي والنوعي للمادة المصوّرة، ومحاولة الحركة تطوير آليات استثمارها. وفي هذا الإطار، يقول المصدر نفسه إن «العام الماضي شهد اكتمال تطوّر الإعلام الحربي»، لافتاً إلى أن «الحركة اعتمدت على تشكيلات نظامية في مختلف جبهاتها، إيماناً منها بأثر الصورة على معنويات الداخل والخارج على حدّ سواء».في مسيرة التطوير تلك، استفادت «أنصار الله» من تجارب الإعلام الحربي في لبنان وسوريا والعراق، و«استطاعت أن تحدث نقلة نوعية على صعيد تجربتها، لتصبح خلال السنوات الأربع الماضية تجربة قائمة بذاتها»، وفق ما يوصّف المصدر، موضحاً أن «التطور كان على مراحل، من تصويرٍ مُرافق لعمليات الهجوم/ الاقتحام/ الكمائن، إلى استهداف وضرب الآليات والتجمعات العسكرية، وصولاً إلى عمليات القنص». وقد شكّل العنصر البشري اليمني العامل الأبرز في هذا التطور، حتى «بلغ عدد شهداء الإعلام الحربي أكثر من 300 شهيد»، وهو أكبر بضعفين تقريباً من «عدد شهداء الصورة في لبنان وسوريا والعراق مجتمعين»، والذي «لا يتجاوز المئة». ولا ينحصر العامل البشري بالمقاتل المصوّر فحسب، بل يرتبط أيضاً بأولئك العاملين على تطوير أساليب «توثيق اللحظة»، والاستفادة من القدرات والإمكانات «بحيث بات التصوير جوياً أيضاً... لحظة إطلاق الصاروخ، ولحظة سقوطه على هدفه»، إلى جانب المعنيين بكيفية استثمار المادة المصوّرة، على صعيد الجبهتين الداخلية والخارجية، أو ما يمكن تسميته إدارة الحرب النفسية. هؤلاء يتبعون مباشرة القيادة العسكرية للحركة، والتي تضبط آليات النشر بما يخدم «مصلحة المعركة».
بلغ عدد شهداء الإعلام الحربي في اليمن أكثر من 300

وهنا، يفيد المصدر بأن ثمة مقاطع لا تزال محفوظة بهدف استخدامها في عدد من الإنتاجات الإعلامية والفنية؛ إذ «تخطط الحركة في المرحلة المقبلة لتحويل جزء من أرشيفها إلى إنتاجات متنوعة، يُستفاد منها على صعيد الجبهة الداخلية بشكل خاص».
في المضمون، يلاحظ أن المقاتلين الذي يظهرون في المقاطع تحوّلوا إلى رموز وأيقونات، تماماً مثلما تحول المقاوم الذي زرع راية المقاومة الإسلامية على موقع الدبشة (1994) إلى رمز للمقاومة في لبنان. ومن بين أيقونات اليمن المقاتل الحافي الذي يهجم بقنبلة مولوتوف على موقع للقوات السعودية في جيزان. لقطة تثبّت حقيقة أن الحفاة، أبناء الأرض وأصحاب البأس، قادرون على صناعة نصر على أقوى تحالف عسكري في المنطقة، وأن هؤلاء يفوقون «في روحهم القتالية أقوى تشكيلات القوات الخاصة في العالم العربي»، على حدّ تعبير المصدر.
كذلك، يستهدف التركيز على هذه العينة من المقاتلين، أي «الحفاة»، دوناً عن «القوات الخاصة» التي يمتلكها اليمن, التأكيد أن «الشعب هو من يدافع عن نفسه»؛ إذ إن الحرب هي على اليمن ككل، وليس على جهة دون أخرى. وبالتالي، فالرمز يعكس مفهوم «الشعب المقاوم لأي عدوان، ضد السعودية وغيرها... من دون أي استثناء». ومن هنا، تسعى الحركة، من خلال المشهدية الصادرة عن الإعلام الحربي، إلى «تظهير بعدها الوطني تحت راية العلم اليمني، والتشديد على أن الإنجاز العسكري لليمن ككل، وتوجيه الخطاب على هذا النحو».