صنعاء | تشهد العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ أزمة مشتقات نفطية هي الأشدّ منذ ثلاث سنوات. الأزمة الناتجة من احتجاز قوات «التحالف» البحرية السفن المُحمّلة بالنفط في جيبوتي تحت ذريعة محاربة تهريب النفط الإيراني لـ«أنصار الله»، أدت إلى تراجع حركة النقل المحلية بنسبة 70%، وسبّبت ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات بنسبة 5٪، وصارت بعد دخولها الأسبوع الثاني تهدد المستشفيات والمراكز الصحية والمصانع بالتوقف. «التحالف» حاول التهرب من فَعلته عبر الدفع باللجنة الاقتصادية المُشكّلة من قِبَل الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في عدن، إلى إعلان تبنّي احتجاز عشر سفن نفطية بدعوى عدم امتلاكها وثائق مكتملة، والتشكيك في مصدر استيرادها والجهة المستورِدة لها. لكنّ مالكي تلك السفن نفوا صحة الادعاءات المتقدمة، مؤكدين أن عملية الاستيراد جرت وفق إجراءات التجارة الدولية المتعارف عليها، وأن مصدر الاستيراد هو دبي وليس طهران كما تزعم «اقتصادية عدن».
ضعف الحجة وضع حكومة هادي في مأزق، الأمر الذي دفعها إلى تفعيل القرار 75 لعام 2017 منتصف الشهر الماضي، والذي يمنح بنك عدن حق احتكار الواردات، ويمنع مرور أي شحنات غذاء أو دواء أو وقود إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة «أنصار الله» من دون حصولها على تراخيص مسبقة من البنك. وفي محاولة لتشريع احتجاز سفن المشتقات النفطية، أقرّت حكومة هادي العمل بالقرار بأثر رجعي.

«جريمة حرب»
اللجنة الاقتصادية العليا في العاصمة صنعاء اتهمت تحالف العدوان وحكومة هادي بـ«معاقبة الشعب اليمني»، واصفة إجراءاتهما بأنها «جريمة حرب جديدة»، مُحمِّلةً الأمم المتحدة كامل المسؤولية عن التداعيات الإنسانية والاقتصادية لتلك الجريمة، ولا سيما أنّ السفن المحتجزة تحمل على متنها أكثر من 142 ألف طن من مادة السولار، وأكثر من 69 ألف طن من مادة البنزين، وتكفي السوق المحلي لشهرين، كذلك فإنها حصلت على تصاريح مرور إلى ميناء الحديدة من فريق الأمم المتحدة المعني بتفتيش السفن وفق القرار الدولي 2216 في جيبوتي.
ويشير مصدر في اللجنة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «تشديد التحالف، ومن خلفه أميركا، الضغط الاقتصادي، واستخدام المشتقات النفطية أخيراً أداة حرب، جاءا بعد تلقي دول العدوان ومرتزقتهما هزائم متتالية في مختلف الجبهات، وفشل ذلك التحالف الكبير في تحقيق أي تقدم عسكري على مدى أربع سنوات من العدوان»، مضيفاً أن «الحرب الاقتصادية الأخيرة، التي أدت إلى أزمة مشتقات نفطية خانقة في صنعاء، تعكس رفض التحالف وما تُسمى حكومةَ هادي أي خطوات لتنفيذ اتفاق السويد».
أضحى ماثيو تولر مرجعاً لمحافظ «مركزي عدن» الموالي للإمارات حافظ معياد


ويوضح المصدر أن «اتجاه العدوان والطرف الموالي له إلى منع تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة، تزامن مع قبول (أنصار الله) بإعادة الانتشار في موانئ المدينة، وتحديداً ميناءَي الصليف ورأي عيسى، اللذين أُبلِغ مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، باستعداد أنصار الله لتنفيذ التفاهم المتعلق بهما من طرف واحد، لتأكيد جدية الحركة»، مذكّراً بأن «اتفاق السويد ينصّ على إعادة الانتشار في موانئ الحديدة، مقابل فتح ميناء رأس عيسى النفطي الذي يستقبل السفن الكبيرة التي تحمل أكثر من 50 ألف طن من الوقود، ونقل الفريق الأممي إلى ميناء الحديدة، وإتاحة المجال لدخول كافة الشحنات التجارية والمساعدات الغذائية من دون أي اعتراض»، مستدركاً بأنّ «حكومة هادي رفضت توجه الأمم المتحدة لنقل فريق التفتيش الأممي إلى ميناء الحديدة أواخر الشهر الماضي. ورداً على التحرك الدولي لتنفيذ اتفاق السويد، احتجزت سفن المشتقات النفطية ومنعتها من الدخول إلى الميناء تحت ذرائع واهية».

بصمة واشنطن
دور الولايات المتحدة بدا واضحاً في الأزمة الأخيرة. فالسفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، الذي هدّد وفد «أنصار الله» في ختام مشاورات الكويت الثانية أواخر الربع الثالث من عام 2016، بحرب اقتصادية قاسية، صار مرجعاً لمحافظ «مركزي عدن» الموالي للإمارات، حافظ معياد. وعلى مدى الشهرين الماضيين، احتلّ الملف الاقتصادي صدارة اهتمامات تولر، الذي زار، تزامناً مع اشتداد أزمة المشتقات النفطية في صنعاء، مدينة عدن خلال الأيام الماضية للاطلاع على نتائج الأزمة المفتعلة في المحافظات الشمالية. وفي ظاهرة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ الديبلوماسية في اليمن، عقد تولر، الأسبوع الماضي، اجتماعاً موسعاً بغياب أي حضور لحكومة هادي، ضمّ عدداً من الشخصيات الاقتصادية ورجال الأعمال والغرفة التجارية في عدن، ونوقشت خلاله العديد من القضايا الاقتصادية والتجارية.
يشار إلى أنّ الأمم المتحدة، التي أكدت في تقارير سابقة أن آلية احتكار الاستيراد عبر «بنك عدن» أداة عقابية، وحذرت من تداعياتها الإنسانية (أقرّ بذلك أيضاً تقرير الخبراء الدوليين لعام 2018، الذي حذّر من تنفيذ تلك الآلية التي ستؤدي إلى تفشي حالة المجاعة، وتصاعد ضحايا الأوبئة والأمراض)، تدخلت أخيراً، عبر مساعد الأمين العام مارك لوكوك، لدى «التحالف»، للإفراج عن السفن المحتجزة، إلا أن «اقتصادية عدن» تحايلت على المنظمة الدولية عبر السماح (فقط) بدخول سفينة تحمل على متنها 15 ألف طن من مادة المازوت، وسفينة أخرى تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تحمل مادة السولار. وبعدما أجبرت أحد التجار على المثول لشروطها، سمحت للتاجر نفسه بإدخال سفينة محتجزة تابعة له تحمل على متنها 9550 طناً من مادة البنزين، لن تكون كافية لحلّ الأزمة في ظلّ ارتفاع الطلب في السوق اليمني، وإصرار «التحالف» وحكومة هادي على رفض أي حلول اقتصادية، بل وتشديدهما الحصار بمنعهما دخول أربع سفن جديدة إلى ميناء الحديدة خلال اليومين الماضيين.