صنعاء | في وقت يعجز فيه اليمنيون عن تأمين متطلبات شهر رمضان بفعل تراجع قدرتهم الشرائية، والارتفاع المتواصل في الأسعار، تأتي المساعدات الفاسدة التي توزّعها المنظمات التابعة للأمم المتحدة لتتمّم فصول المعاناة. مساعدات منتهية الصلاحية أو غير قابلة للاستهلاك يتمّ ضخّها في الأسواق المحلية في أكثر من محافظة، ليتلقّفها ملايين اليمنيين المحتاجين إلى إمدادات منقذة للحياة.لا تفتأ الأمم المتحدة تتحدث عن تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، وعن تصاعد مؤشرات الجوع في عدد من المناطق، كما تواصل دعواتها المجتمع الدولي في مؤتمرات الاستجابة الإنسانية إلى مساعدة الملايين من اليمنيين على البقاء، لكنها في الوقت نفسه لا تجد رادعاً في أكثر من موسم عن توزيع مساعدات فاسدة ومنتهية الصلاحية. هذا ما أقدم عليه أخيراً «برنامج الغذاء العالمي» التابع للمنظمة وعدد من المنظمات الدولية العاملة في هذا البلد، تزامناً مع حلول شهر رمضان، إذ تمكنت «الحملة الوطنية لحماية المستهلك» التابعة لحكومة الإنقاذ في صنعاء، خلال الأيام القليلة الماضية، من ضبط كميات من تلك المساعدات في الأسواق المحلية، لتكتشف ما هو أكبر منها في مخازن المنظمات الدولية، حيث لا يزال هناك أيضاً بعض المساعدات الحديثة الصلاحية كالقمح والدقيق، إلا أنه لم يعد صالحاً للاستخدام الآدمي بفعل انتشار الحشرات واليرقات فيه.
«جمعية حماية المستهلك» في صنعاء دعت المواطنين كافة إلى توخي الحذر من تسلّم مواد إغاثية تالفة أو شرائها من الأسواق المحلية، لافتة إلى أنها ضبطت كميات من الدقيق المنتهي الصلاحية، ومئات الكراتين من أغذية الأطفال والحوامل وعبوات التمور التالفة، في مخازن «برنامج الأغذية العالمي» و«المجلس الدنماركي» في محافظة حجة، موضحة أن إجمالي الكميات المضبوطة في تلك المخازن خلال يومين بلغ 21 ألفاً و477 كيساً من الدقيق، ونحو ألفي كرتونة غذاء أطفال وحوامل. وفي منطقة عبس (محافظة حجة أيضاً) التي تشهد موجات نزوح شبه يومية نتيجة اشتداد المواجهات بين قوات الجيش واللجان الشعبية والقوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي في أطراف المديرية، كشف ناشطون في المجال الإنساني عن وجود كميات كبيرة من المساعدات الغذائية المنتهية الصلاحية تباع في الأسواق، وهو ما قاد إلى ضبط كميات أخرى تم بيعها من قِبَل مندوبي «الغذاء العالمي» بأسعار رخيصة لمصانع ومطاحن خاصة بالدقيق، لتقوم الأخيرة بإعادة بيعها تحت علامات تجارية أخرى بعد تفريغها وإعادة تعبئتها. وفي محافظة تعز، ضبطت السلطات الجمركية في منطقة الراهدة كميات من الدقيق الفاسد (1600 كيس) التابع لـ«الغذاء العالمي» كانت في طريقها إلى الفقراء، وأبلغت «البرنامج» بذلك، وطالبت بإيقاف توزيع تلك المساعدات فوراً.
«حملة حماية المستهلك» أعلنت أنها بدأت تفتيشاً دقيقاً لمخازن «الغذاء العالمي»


«الحملة الوطنية لحماية المستهلك» أعلنت أنها بدأت تفتيشاً دقيقاً لمخازن «برنامج الغذاء العالمي» لمعرفة مدى مطابقة المساعدات الغذائية للشروط الصحية، مؤكدة أن حملات الرقابة الميدانية على الأسواق والمحال التجارية ومخازن الشركات والمستوردين وكبار تجار الجملة ستتواصل لضمان حماية المستهلك من السلع والمواد الغذائية المغشوشة والمنتهية الصلاحية والفاسدة والمخالفة للمواصفات، وكذا استقرار أسعار السلع الغذائية خلال شهر رمضان.
من جهته، طالب رئيس مجلس إدارة «الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية»، أحمد حامد، خلال لقاء جمعه بالممثل المقيم لـ«برنامج الغذاء العالمي» ستيفن أندرسون، في صنعاء قبل أيام، بالقيام بالتحقيقات اللازمة في الأسباب التي أدت إلى وصول هذه المساعدات الفاسدة إلى اليمنيين ومحاسبة المسؤولين عنها واتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكرار ذلك. وأشار حامد إلى أنه «في وقت يعاني فيه الملايين من أبناء الشعب اليمني من الجوع والفاقة، يتم إتلاف كميات كبيرة من المواد الغذائية كان أبناء هذا الشعب أحق بالاستفادة منها»، داعياً إلى إيجاد البدائل المناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية بأقل كلفة من نفقات التشغيل، كتقديم المساعدات النقدية أو في الحد الأدنى شراء هذه المواد من الداخل اليمني.
وزادت حاجة اليمنيين إلى المساعدات الغذائية المُقدَّمة من المنظمات الدولية بسبب استمرار العدوان والحصار اللذين دخلا العام الخامس على التوالي، وأديا إلى ارتفاع أعداد اليمنيين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية إلى أكثر من 22 مليون نسمة، وتراجع معدل الدخل الأسري بنسبة 65%. كما تسبّبا في تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني، مقابل ارتفاع يفوق القدرات الشرائية للمواطنين في أسعار السلع والمنتجات في السوق المحلي، نتيجة ارتفاع معدل التضخم السنوي العام الماضي بنسبة 55% عن عام 2017. ووفقاً للمتوسط الوطني لأسعار التجزئة الصادر عن وزارة التخطيط في صنعاء أخيراً، فإن أسعار المواد الغذائية الأساسية، كدقيق القمح والفاصولياء الحمراء والسكر وزيت الطبخ، لا تزال مرتفعة بنسبة 130%، و136%، و86%، و75% على التوالي عمّا كانت عليه قبيل العدوان، وهو ما يعكس استمرار صعوبات الحياة المعيشية لدى فئات واسعة من السكان، خاصة في ظلّ نفاد المدّخرات وشحّ المدخول وتراجع القوة الشرائية بنسبة تفوق 150%، لينعكس ذلك على مستويات الطلب في السوق المحلي، الذي أصيب هو الآخر بحالة ركود حاد، ولم يشهد الحراك التجاري الذي كان مأمولاً قبيل شهر رمضان.