في إطار التحشيد ضد إيران، نظمت وزارة الدفاع وزارة الخارجية السعوديتان معرضاً ضم عدداً من الصواريخ والطائرات والقوارب المسيَّرة وغيرها من المعدات التي استهدف بها الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» نقاطاً عسكرية وحيوية في السعودية. نُظّم المعرض في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، حيث عُرض على الرؤساء وممثلي الدول المشاركة في القمم الثلاث بقايا الأسلحة والصواريخ التي من المفترض أن الدفاعات الجوية السعودية اعترضتها. ووفق بيان نشرته «وكالة الأنباء السعودية»، من بين المعروضات صاروخ بالستي إيراني من طراز «قيام» أُطلق على الرياض في مارس/ آذار من العام الماضي، وكذلك طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «أبابيل»، وأخرى من طراز «راصد».تريد الرياض من المعرض المذكور تقديم أدلة ملموسة على الدور الإيراني في استهداف الأمن القومي السعودي بتقديم الأدوات العسكرية لهذا الاستهداف، وتبرير عدوانها على اليمن وأنها في موقع الدفاع عن النفس. ويأتي كذلك في سياق معركتها في مواجهة «النفوذ والتمدد الإيراني» في الإقليم. وهي فرصة للنظام السعودي لإعادة إنتاج سردية إعلامية جديدة بعد أن فشلت سياسته الإعلامية في إقناع العالمين العربي والإسلامي وكذلك الدولي في صوابية استمرار عدوانه على الشعب اليمني.
يأتي المعرض المذكور في إطار سياسة التضليل المتعمدة لإظهار المملكة أنها في موقع الضحية، ولإخفاء النيّات والأهداف الحقيقية للحرب بعد أن تكشفت ولم تعد تنطلي على أحد. وهو أسلوب استخدمته مندوبة الولايات المتحدة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، العام الماضي، حينما عرضت الشيء نفسه في مستودع عسكري في واشنطن حيث وقفت أمام أجزاء تعود إلى صاروخين انتُشِلَت وأُعيد تجميعها، قالت إن «الحوثيين أطلقوها على السعودية». وأكدت هايلي يومها أن «بصمات إيران موجودة على هذين الصاروخين اللذين أطلق أحدهما على مطار الرياض» في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي
تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها مكة في مثل أنشطة كهذه. فلطالما دعا النظام السعودي إلى عدم تسييس الأماكن المقدسة حتى للقضية المركزية للعرب، أي فلسطين، ولم يسمح بإقامة أي نشاطات أو مؤتمرات أو حتى معارض لصور عشرات المجازر الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني منذ النكبة حتى اليوم. كذلك منعت السعودية باستمرار إقامة مسيرات تدعو إلى الوحدة الإسلامية في موسم الحج، بدعوى أنها تحرف الأنظار عن المقصد العبادي للحجيج. لكن النظام السعودي حلّل لنفسه ما حرّمه لقضايا العرب والمسلمين منذ بداية العدوان على اليمن، بزعمه الدفاع عن الحرمين الشريفين في تماهٍ غير بريء ومشبوه بين القيادة السياسية والموقع الديني لمكة المكرمة.
القمم الثلاث الإسلامية والعربية والخليجية لم تكن لتعقد لولا الشعور السعودي بالضيق جراء التحول في الرأي العام الإسلامي والعالمي المعارض لاستمرار عدوانها على الشعب اليمني، وكذلك العجز عن التصدي لأدوات الصمود المختلفة سواء العسكرية التي تستخدم في إطار الدفاع عن النفس أو تلك المتعلقة بصمود الشعب اليمني وإصراره على نيل حريته واستقلاله مهما غلت التضحيات. وهي (القمم الثلاث) حاجة سعودية ضرورية للبحث عن شرعية للتصعيد والتوتير في المنطقة بزعمها الدفاع عن الحقوق العربية ومنع التوغل الإيراني، وكذلك صبغ علاقتها المشبوهة بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والانجرار خلف إدارته في مشاريع وصفقات ليست في مصلحة العالمين العربي والإسلامي، بنوع من الإجماع. وتأتي هذه القمم بعد تعرض منظومة الأمان والحماية التي تدعي واشنطن تأمينها للمملكة للخرق والضرر الكبير في أكثر من منطقة وموقع حيوي في العمق على يد الجيش اليمني، وهي معرضة في حال استمرار تلقيها الضربات لأن تفقد على نطاق واسع مع مرور الزمن قيمتها العملية.
على أيّ حال، نجح النظام السعودي، في الشكل، في توجيه عدد من الرسائل، أبرزها إلى حلفائه الغربيين، بأنه لا يزال يمسك زعامة العالمين العربي والإسلامي، وذلك بإقامة ثلاث قمم في وقت واحد، لكنّ أياً من تلك القمم لن تغير واقع التوازنات أو التحالفات الإقليمية والدولية، كما ليس بمقدورها صرف البيانات الدعائية والإنشائية الصادرة عنها في أيٍّ من بؤر الصراع في الإقليم، ولن تساعد النظام السعودي أبداً في الخروج المشرف من المستنقع اليمني.