منذ مطلع حزيران/ يونيو الماضي، عاد التصعيد العسكري في جبهات مأرب إلى أعلى مستوياته، حيث استطاعت قوات صنعاء تحقيق إنجازات متتالية، تمثّلت في تقدّمها في تسع مديريات. وسيطر الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» على مديريات العبدية والمأهلية ورحبة، ووصلا إلى حدود مركزَي مديريتَي الجوبة وجبل مراد جنوب مأرب في غضون أشهر. كما أمّنا مديريتَي صرواح ومجزر، واستكملا السيطرة على ما تبقّى من مديريتَي مدغل ورغوان غرب المدينة، وتقدّما باتجاه جبهات النضود والعلم شرق منطقة صافر النفطية. وفيما لا تزال المواجهات على أشدّها في عدد من جبهات جبل مراد وأطراف رغوان وبعض مناطق مدغل، يُسجّل تقدّم ملحوظ لقوات صنعاء في الأطراف الشمالية لمدينة مأرب، من اتجاه وادي نخلاء ومنطقة السحيل.في ظلّ تلك التطوّرات، لم تعد مدينة مأرب جاذبة للقيادات العسكرية والمدنية والحزبية الموالية لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، مثلما كانت قبل سنوات، بل أصبحت طاردة لهم، وخصوصاً بعد اقتراب الجيش و»اللجان» من محيطها من اتجاهات متعدّدة، وانهيار خطوط دفاع قوات هادي. وفي حين تمكّنت بعض القيادات من تأمين سكن لها في عواصم عربية وأجنبية، ولا سيما القاهرة والخرطوم وإسطنبول، غادرت أخرى المدينة التي كانت قد شهدت نهضة عمرانية كبيرة خلال السنوات الماضية متّجهةً نحو المحافظات الجنوبية، وخصوصاً شبوة وحضرموت والمهرة. أمّا القسم الثالث، مِمَّن تركوا أسرهم في منازلهم في صنعاء قبل سنوات متوعّدين بالعودة على ظهر دبابة خلال أشهر حينذاك، فيتدارس الكثيرون منهم الاستفادة من قرار العفو العام الصادر عن «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء. وبفعل ذلك النزوح، انكمشت الحركة التجارية والاستثمارية في مأرب إلى أدنى المستويات.
ووسط مخاوف من سحب كمّيات كبيرة من العملات الصعبة من الداخل وتهريبها، وذلك بعدما أحبطت سلطات مطار القاهرة خلال الأشهر الماضية عمليات تهريب ملايين الدولارات من قِبَل قيادات عسكرية وسياسية مقرّبة من حكومة هادي أثناء محاولتها إدخال تلك الأموال إلى القاهرة، أفادت مصادر مطلعة في مدينة عتق في محافظة شبوة بنقل عدد من الاستثمارات التابعة لقيادات في حزب «الإصلاح» من مأرب إلى شبوة والمهرة خشية سقوط المدينة. وكانت الأشهر الفائتة قد شهدت، بالتزامن مع تجدّد المعارك، ركوداً في الحركتين التجارية والاستثمارية، وهبوطاً في أسعار العقارات جرّاء تراجع الطلب عليها، على عكس ما كان عليه الوضع قبل سنوات.
على خطّ موازٍ، علمت «الأخبار»، من مصادر مطّلعة في مدينة مأرب، أن قوات هادي بدأت بنقل مقارّ المناطق العسكرية الثالثة والسابعة والسادسة من مأرب إلى مناطق واقعة في نطاق محافظة شبوة، في وقت تجري فيه مشاورات لنقل مقرّ وزارة الدفاع أيضاً إلى منطقة العبر في محافظة حضرموت، بعدما أصبح تحت رحمة الضربات الصاروخية لقوات صنعاء، واقتراب الأخيرة من مركز المحافظة. كذلك، أفادت المصادر بأن قوات هادي تمارس تحريضاً كبيراً ضدّ الجيش و»اللجان» عبر منابر المساجد والمدارس، وتُخوّف التجّار من دخولهما المدينة، واصفةً إيّاهما بـ»المغول»، وداعية الناس إلى الالتحاق بالجبهات للتصدّي لهما. وهو ما دفع بمحافظ مأرب الموالي لصنعاء، محمد بن علي طعيمان، إلى طمأنة أبناء المحافظة، والتأكيد أن قرار الحسم صدر من القيادة.
وفي ظلّ التقدّم الكبير لقوات صنعاء في ضواحي مأرب، دعا عدد من المكوّنات الشبابية والشعبية، السلطة المحلية في المدينة وحكومة صنعاء، إلى حقن الدماء والتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع، ويُجنّب مركز المحافظة، الذي يسكنه قرابة ثلاثة ملايين نسمة، منهم حوالى مليون نازح موجودون في 13 مخيماً، القتال، على أن تبقى السلطة المحلية الحالية تمارس عملها حتى يتمّ التوافق على منصب المحافظ. لكن تلك السلطة لا تزال ترفض الاستجابة لمبادرة صنعاء المكوّنة من تسعة بنود، مُلوّحة بحرب شوارع. وهي فرضت، منذ أيام، حالة طوارئ غير معلنة، ونشرت الآلاف من الجنود على أسطح المنازل وفي مداخل المدينة وفي الشوارع، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما شهدته صنعاء قبيل سقوطها أواخر عام 2014 تحت سيطرة «أنصار الله». في المقابل، انتشرت في شوارع مدينة مأرب شعارات مؤيّدة لـ»أنصار الله» بشكل واسع، ما أثار حالة هلع في أوساط الجهات الأمنية التي اعتقلت عدداً من المواطنين على خلفية ذلك.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا