صنعاء | إلى ما قبْل تلقّيها الضرْبة النوعية اليمنية في عُمقها الحيوي، كانت أبو ظبي تُواصل، كالمعتاد، نشاطها في تحويل الجزر اليمنية إلى قواعد عسكرية لمصلحة حلفائها الأميركيين والإسرائيليين. وقد تجلّت أحدث مفاعيل نشاطها هذا في جزيرة عبد الكوري في أرخبيل سقطرى، حيث بدأت منذ مطلع كانون الأوّل الماضي العمل على استحداث منشآت عسكرية هناك، في إطار جهودها للسيطرة على طول الخطّ الملاحي الممتدّ من شمالي بحر العرب حتى خليج عدن وصولاً إلى البحر الأحمر. ولا يعود غريباً، والحالة هذه، ربْط قوات صنعاء عملية «إعصار اليمن»، من ضمن ما ربطتها به، بتلك الممارسات الإماراتية
بدأت الإمارات، منذ مطلع كانون الأول الماضي، العمل على إغلاق جزيرة عبد الكوري، كبرى جزر أرخبيل سقطرى، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية لها. وبحسب تحقيق استقصائي أعدّته منصّة التتبّع «إيكاد»، واستَخدم صوراً جوّية لأقمار صناعية من موقع «planet»، فقد كانت أبو ظبي تعمل على إنشاء مدرج للطائرات في الجزيرة بعرْض 30 متراً وطول 540 متراً. كما أظهرت الصور وجود طريقَين؛ أحدهما يصل الميناء البحري المستحدَث في المنطقة بخيم ومبانٍ صغيرة لتسهيل توفير المؤن والمعدّات، وثانيهما يصل تلك الخيم بمدرج الطائرات لتسهيل الحركة من وإلى المدرج. واتّخذت هذه الإنشاءات من الأعمال «الإنسانية» التي تقوم بها «مؤسسة خليفة بن زايد»، ستاراً لاختراق «عبد الكوري» التي تعاني غياباً تامّاً للخدمات الحكومية، وشبه عزلة عن العالم.
ووفقاً لمصادر محلية، فإن النشاط الإماراتي في الجزيرة بدأ مطلع عام 2021، بوصول طائرات مروحية إماراتية إليها قادمة من مدينة حديبو عاصمة أرخبيل سقطرى، أقلّت عشرات الخبراء الأجانب، ومن ضمنهم إسرائيليون كما يُعتَقد، خلال الفترة الممتدّة بين كانون الثاني وآذار من العام الفائت. وقالت المصادر إن الإمارات قامت بمسح عسكري في «عبد الكوري» التي تتبع إدارياً مديرية قلنسية، ثاني مديريات الأرخبيل، وتبلغ مساحتها 133 كلم، مضيفة أنها أوهمت سكان الجزيرة بأنها تعتزم إنشاء 65 وحدة سكنية ومرفقاً خدمياً، وتحت هذه الذريعة بدأت بنقل مواد بناء إلى المنطقة. كذلك، كشفت مصادر في سقطرى، لـ«الأخبار»، عن وصول طائرة مدنية إماراتية صغيرة إلى «مطار سقطرى الدولي» أخيراً، بهدف نقْل سكان من «عبد الكوري» التي تَبعد عن حديبو 120 كلم، وهو ما اعتُبر تمهيداً لتدشين مدرج الطيران. من جهته، اتّهم الناشط السقطري، عبدالله بداهن، الإمارات بـ«استغلال حالة الحرب والضعف التي يعيشها اليمن للعمل على بناء عدد من المنشآت في الجزيرة».
سبق للإمارات أن حاولت استغلال ادّعاء أطراف صومالية مُلكيّة الصومال لـ«عبد الكوري» للنفاذ إلى الجزيرة


وتزامنت هذه التحرّكات مع استدعاء الإمارات عدداً من القيادات الموالية لها في سقطرى، كـ«سلطان المهرة وسقطرى»، عبدالله بن عيسى آل عفرار، الذي يحمل الجنسية الإماراتية ويمتلك نفوذاً واسعاً في الأرخبيل، واللواء عبدالله أحمد كنزهر قائد «اللواء الأول مشاة بحري» المسؤول عن الحامية العسكرية في «عبد الكوري»، وقائد ميليشيات «الحزام الأمني» في سقطرى علي عمر كفاين، ورئيس «لجنة تنمية سقطرى» في «مؤسسة خليفة» علي بن عيسى آل عفرار، وهو ما يؤكد وجود ترتيبات إماراتية مسبقة لإحكام السيطرة على الجزيرة التي لا يتجاوز عدد سكّانها بضع مئات. ووفقاً لمراقبين، فإن أبو ظبي تتطلّع إلى ضمّ «عبد الكوري» إلى لائحة موانئها وقواعدها العسكرية المستحدَثة في القرن الأفريقي، كون الجزيرة أقرب المناطق اليمنية إلى الصومال، بما يحقّق للإمارات تَحكُّماً عسكرياً واقتصادياً وملاحياً، على طول الخطّ الملاحي الممتدّ من شمالي بحر العرب حتى خليج عدن وصولاً إلى البحر الأحمر.
ومنذ سنوات، تضع الإمارات «عبد الكوري» نصْب عينيها، وسبق لها أن حاولت استغلال ادّعاء أطراف صومالية مُلكيّة الصومال للجزيرة الواقعة بالقرب من مدينة بوصاصو الساحلية الصومالية، للعبور عبر تلك الأطراف إلى الجزيرة، إلّا أن مساعيها هذه التي بدأت عام 2014، انتهت بأزمة ديبلوماسية بين أبو ظبي ومقديشو عام 2018، نتيجة رفض الأخيرة تجديد الصراع بين الصومال واليمن حول ملفّ الجرف القاري. وفي هذا الإطار، حذّر وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، أحمد عَوَد، في حينه، من أن «أبناء بلاده ليسوا أدوات رخيصة تُستخدم لتنفيذ مطالب أبو ظبي، في حين أن اليمن دولة جارة شقيقة وتتمتّع بالسيادة، كما أن العالم بأسره يعرف بأن سقطرى أرض يمنية»، كاشفاً عن تلقّي مقديشو عرضاً من أبو ظبي بأن ينضمّ الصومال إلى حرب اليمن، ويعلن سيادته على سقطرى، «ثمّ يبيعها بعد ذلك للإمارات». وعقب رفض الصوماليين العرْض الإماراتي، احتَجزت القوات الصومالية أموالاً إماراتية في مطار مقديشو كانت في طريقها لتمويل جهات معادية للحكومة الصومالية عام 2018، لتتدهور العلاقات بين البلدين على إثر ذلك، وتقوم أبو ظبي بإغلاق المستشفى الذي كانت افتتحته في مقديشو لإغراء الأخيرة بقبول مطالبها.