جبهة أخرى تنفتح في حرب اليمن


تفْخر الإمارات بكونها بلداً آمناً وناشطاً اقتصادياً في منطقة تعصف بها التقلّبات. وعلى هذا النحو، أظهرت عموماً عدم تسامحها مطلقاً مع الهجمات ذات الدوافع الخارجية ضدّ المغتربين، الذين يشكّلون حوالى 90 في المئة من سكّانها ويُعدّون ذوي أهمية مركزية للاقتصاد. (...) ويمكن للهجمات المستمرّة التي يقودها الحوثيون على أراضي الإمارات، على المدى الطويل، أن تشوّه سمعتها التي دأبت على بنائها بأنها بلد آمن. وعلى المدى القصير، فإن السؤال الرئيس يتمحور حول كيفية الردّ الإماراتي في اليمن. وعلى الأرجح، كان القادة الإماراتيون يدركون أن الانضمام مجدّداً إلى المعركة قد يستفزّ الحوثيين، ولا شكّ في أنهم سمعوا الأسبوع الماضي تهديدات علنية بالانتقام. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل ستواصل أبو ظبي دعم حلفائها في اليمن للتصدّي بالقوة للحوثيين، وربما حتى تزيد انخراطها في محاولة لاستعادة مأرب بالكامل؟ أو هل ستتراجع تماشياً مع السياسة الخارجية الأقلّ تدخّلاً التي أخذت تعتمدها في الآونة الأخيرة؟
وقد تخضع علاقة الإمارات مع إيران للاختبار أيضاً. فقد أجرى البلدان مفاوضات رفيعة المستوى، خلال الأشهر القليلة الماضية، بهدف تخفيف التوتّرات في المنطقة. وحالياً، يتساءل المراقبون عمّا إذا كان لطهران أيّ دور أو علم بهذا الهجوم. فمن جهة، غالباً ما يتّخذ الحوثيون قراراتهم بشكل مستقلّ عن إيران، على الرغم من الدعم الكبير الذي تقدّمه إليهم. ومن جهة أخرى، فإن أيّ محاولات إيرانية للإنكار القابل للتصديق قد تبوء بالفشل، بسبب التقارير التي تشير إلى أن كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، التقى في طهران بالرئيس إبراهيم رئيسي، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني. (...) وبغضّ النظر عن ذلك، من المرجّح أن تصبح علاقة طهران الوثيقة مع الجماعة، محورية في المحادثات الإيرانية - الإماراتية، إذا ما استمرّت.
(...) سيشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق، بشكل خاص بشأن الهجوم على مطار أبو ظبي، الذي يُعتبر مركز سفر دولياً، غالباً ما يسافر عَبره الأميركيون أو ينتقلون منه. وبعدما زعم «الحوثيون» أنّهم استهدفوا المطار بطائرة مسيّرة، في عام 2018، قد تكون طبيعة الهجوم الأخير مقلقة بما يكفي لاستئناف المناقشات الأميركية الداخلية، بشأن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية، أو فرض عقوبات إضافية على أعضائها. وفي غضون ذلك، قد يؤدّي تكثيف النشاط العسكري للتحالف في اليمن إلى إحياء الجدل الدائر في واشنطن حول أفضل طريقة لحماية المصالح الأميركية. وتعارض إدارة بايدن علناً العمليات الهجومية هناك (...) ومع ذلك، بما أن بعض المسؤولين والمحلّلين الأميركيين خلصوا إلى أن الحوثيين لا يريدون التفاوض، فقد يعتبرون حتماً أن الخيار العسكري هو وسيلة لمنْع اليمن من الوقوع تحت سيطرة الجماعة. لكن أيّ خيار من هذا القبيل لا يتوافق مع السياسة الأميركية الحالية. كذلك، سيُؤدّي الهجوم ضدّ الإمارات إلى إحياء أسئلة سابقة بشأن ما إذا كان يجدر بالولايات المتحدة حماية حلفائها الخليجيين من قذائف الحوثيين، وكيف يمكنها القيام بذلك، في الوقت الذي تعارض فيه عملياتهم الهجومية في اليمن. لقد دأبت إدارة بايدن على التعاطي بحذر مع السعودية حيال هذه المشكلة لبعض الوقت، وقد تضطرّ الآن إلى القيام بالمثل مع الإمارات.
(إيلينا ديلوجر/ معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)

نقطة فاصلة
(...) يجب على الحكومة الأميركية أن تدعم ضمنياً الجهد لتحقيق الاستقرار في جبهة مأرب، وللوصول إلى هذا الهدف، مع الحفاظ على أولوية أميركية أخرى - أي الحدّ من القدرة التدميرية للصراع -، يجب على واشنطن اتّخاذ الخطوات التالية:
- ردع هجمات الحوثيين على دول الخليج وعلى مرافق الشحن. إذا أجبرت الضربة الأخيرة القادة الإماراتيين على التراجع عن إعادة مشاركتهم الظاهرة في اليمن، فسوف تشكّل سابقة خطيرة قد يحاكيها أعداء آخرون في جميع أنحاء العالم، أي تخويف شريك أميركي رئيس عبر أسلحة ميليشياوية قليلة الكلفة. علاوة على ذلك، فإن مخاوف الحوثيين من المزيد من الهزائم في ساحة المعركة، قد تدفعهم إلى شنّ المزيد من الهجمات المتطرّفة، ليس فقط على الإمارات ولكن أيضاً على المملكة العربية السعودية، والشحن الدولي، ممّا قد يؤدّي إلى مقتل المزيد من المدنيين، بمن فيهم الأميركيون. لردع مثل هذه الهجمات، يجب على الولايات المتحدة أن تجعل قيادة «الحوثيين» تُدرك بأنها ستتحمّل المسؤولية المباشرة عن المزيد من الضربات، مع طرح جميع الخيارات القضائية والعسكرية على الطاولة. ربّما يكون تعريض القيادة (الحوثية) للخطر الشخصي، وسيلة أكثر فاعلية من إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظّمة إرهابية أجنبية.
- تصنيف الهجمات المضادّة في مأرب وشبوة على أنها عمليات دفاعية وتقديم دعم غير حركي. بالطريقة نفسها التي يُسمح فيها للعمليات المضادّة للصواريخ والطائرات المسيّرة باستخدام أسلحة هجومية، لغرض دفاعي، يجب على «البنتاغون» أن يصف رسمياً عمليات التحالف الحالية في مأرب، بأنها عملية دفاعية... وهو ما سيتطلّب سلطات موسّعة لـ«البنتاغون»، وبعض الأعمال التنفيذية المهمّة في مبنى «الكابيتول». يجب أن يكون الهدف هو التفويض بدعم الاستخبارات الأميركية للحملات الدفاعية، فضلاً عن الحظر المكثّف لعمليات تهريب الأسلحة من قِبَل إيران وحزب الله اللبناني.
- التشجيع على ضبط النفس في الضربات التي تطاول المناطق الحضرية. لا شيء سيُبخِّر التعاطُف الدولي المتبقّي مع التحالف، أكثر من حادثة ذات أضرار جانبية كبيرة في صنعاء، أو غيرها من المدن التي يسيطر عليها الحوثيون. يجب على الولايات المتحدة، مرة أخرى، تقديم المساعدة في تخفيف الأضرار الجانبية.
- (...) استخدام الجمود العسكري كوسيلة ضغط لتنشيط محادثات السلام. من المرجّح أن يلتزم «الحوثيون» بصدق بالمفاوضات، بمجرّد اعتقادهم أنهم غير قادرين على كسب الحرب على الفور، أو بمجرّد إدراكهم أنهم سيعانون بشكل متزايد من العزلة والضعف الناتج من «المسار التأديبي»، إذا عارضوا السلام. يعدّ تعزيز مأرب، وجبهات القتال الرئيسية الأخرى (الحديدة وتعز والجوف) دفاعياً ضدّ هجمات الحوثيين الجديدة، أضمن وسيلة لتشجيع هذا الرأي.
(أليكس ألميدا - مايكل نايتس / معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)

الهجوم على الإمارات
والمضيّ قدُماً

(...) تزيد غارة الحوثيين بطائرة مسيّرة على الإمارات العربية المتحدة، من تعقيد أيّ فرص لتحقيق السلام. ومع أن القوات الإماراتية ليست منخرطة بشكل مباشر في اليمن، إلّا أن تعاونها العسكري الاستراتيجي داخل شبوة، ودعمها الحاسم لألوية «العمالقة»، يهدّد خطط الحوثيين للتوسّع، والقدرة على الانتصار في مأرب (...) على الرغم من عدم وجود سبب للاعتقاد بأن القوات التي تحمي شبوة ستحشد لتفعل الشيء نفسه بالنسبة إلى مأرب، نظراً للتضاريس السياسية المختلفة تماماً. و(لذا) فقد قرّر الحوثيون شنّ هجوم استباقي، وتوضيح خطوطهم الحمراء للإمارات.
الوضع الآن متقلّب للغاية، ويقع في أيدي الإمارات. إن الطريقة التي تختارها هذه الأخيرة للردّ ستكون لها عواقب على مسار الصراع في اليمن. ومع ذلك، إذا لم يكن هناك دعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتوفير الحماية للخليج، فإن هجوم الحوثيين على أبو ظبي قد يدفع الإمارات إلى إعادة النظر في مشاركتها ودعمها لحلفائها اليمنيين. يوضح الحوثيون أنهم لا يريدون أيّ تدخّل إضافي يمكن أن يتحدّى هيمنتهم العسكرية في المنطقة، وهم يواصلون ضرب مأرب، بغضّ النظر عن الدعوات المحلّية والدولية للسلام. لذلك، فإن أفضل سيناريو يمكن أن يحرس مصالح الطرفين، هو أن تتوصّل الميليشيات والإمارات إلى اتفاق تظلّ بموجبه القوات الموالية للإمارات في الجنوب كقوّة دفاعية. ومع ذلك، فإن هذا الحل سيكون له تاريخ انتهاء في حالة سقوط مأرب. ستستمرّ عقلية «الحوثيين» التوسّعية في طرح تحدٍّ لأمن واستقرار الجنوب في المستقبل القريب.
(...) أخيراً، حان الوقت للمبعوث الخاص للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، للضغط من أجل وقف لإطلاق النار في مأرب، يضمن انسحاب «الحوثيين» من المحافظة، وإنهاء إراقة الدماء. لقد أثبتت السنوات القليلة الماضية أن الجهات الفاعلة المحلية يمكن أن تسبّب معاناة إنسانية كبيرة للسكّان المحليين، ولن يؤدّي عدم القدرة على محاسبتهم إلّا إلى المزيد من الكوارث الإنسانية، خلال هذه الحرب.
(فاطمة أبو الأسرار / معهد الشرق الأوسط)