لم يتبقَّ من الهدنة بين «التحالف» وصنعاء غير أسابيع، فيما تبدو الأوضاع الميدانية على عكس ما كان يرتّب له الأوّل منذ إعلان الهدنة الأولى مطلع نيسان الماضي. ووفق المخطّط السعودي - الإماراتي المعلَن، فإن الهدنة تشكّل استراحة محارب، تمّ مع دخول أوّل أيامها تدشين هيكلة سياسية جذرية أطاحت بهرم «الشرعية». بالتزامن، كان يقتضي المخطط أيضاً هيكلة واسعة للقوات المنخرطة في صفوف «التحالف»، غير أن هذه الهيكلة وصلت إلى حائط مسدود، حيث لم يُسجَّل أيّ اختراق يُذكر في مشروع الدمج، بل على العكس من ذلك، اتّسعت رقعة التجييش والتجنيد في أكثر من محافظة.ومع مضيّ الوقت، واقتراب وصول الهدنة إلى ربع الساعة الأخير، تبدو المدّة التي وضعها «التحالف» لترتيب أوضاعه الميدانية من أجل خوض الجولة الأخيرة من الحرب، غير كافية، وهو الآن أمام خيارَين: إمّا التمديد وفق شروط إضافية لصنعاء، أو فتح حرب جديدة بالاستناد إلى الواقع الميداني الراهن المشتَّت، علماً أن الانقسام بين الميليشيات ليس هو المعضلة الحقيقية، بل تكمن الأخيرة في الخلاف بين أجندات الرياض وأبو ظبي، ما يجعل كلّ انقسام على الأرض بين الميليشيات بمثابة الصدى للتنازع بين هاتين الدولتَين. وفي هذا الإطار، تبدو عرقلة أبو ظبي واضحة لمشروع الهيكلة في عدن، وهي سعت منذ اليوم الأول لتشكيل «المجلس الرئاسي»، إلى تذويب القوات التابعة لـ«الشرعية» المحسوبة على حزب «الإصلاح»، ومرّرت قرارات عسكرية لتغيير قيادات عسكرية وأمنية داخل المربّع التابع للسعودية في أبين وشبوة، قبل أن تستعمل الرياض الـ«فيتو» لإبطال هذه القرارات. وردّاً على تلك التجاوزات الإماراتية، سارعت السعودية إلى فتح أبواب التجنيد في وزارة الداخلية لصالح حزب «الإصلاح»؛ فبلغ عدد القوات المستوعَبة تحت مسمى «قوات الطوارئ» 17 ألف مجنّد في حضرموت ومأرب وتعز. وعلى رغم أن أبو ظبي، عبر رئيس «المجلس الرئاسي» رشاد العليمي، حاولت وقف التجنيد على اعتبار أنه يمضي خارج تفاهمات الهيكلة والدمج المتّفق عليها مع الرياض، إلّا أن وزير الداخلية، إبراهيم حيدان، وبدعم مطلق من السعودية، مرّر المشروع.
الضعف الذي يعتري المعسكر المحسوب على السعودية، مقابل التنظيم والقوة في معسكر الإمارات، دفع بالرياض إلى مشروع هيكلة منفصل عن مشروع الهيكلة العام، في محاولة منها لترتيب معسكرها، ليس لمواجهة صنعاء فحسب، بل أيضاً لمواجهة «المدّ الإماراتي» الذي يلتهم المحافظات الجنوبية، خصوصاً أن أبو ظبي اليوم تطْرق أبواب حضرموت والمهرة، حيث عمق المعسكر السعودي. لكن الآن، ومع اقتراب نهاية الهدنة، وفي ظلّ التصدّع الواضح في معسكر «التحالف»، ثمّة سؤال عن قدرة الأخير على خوض حرب حاسمة، أو الذهاب إلى سلام شامل يحقّق له بعضاً من شروطه. المعطيات على الأرض لا تبدو مساعِدة على إنجاز أيّ انتصار من هذا النوع، خصوصاً أن صنعاء، عسكرياً، تحضّر لخوض معركة دفاع، آخذة في الحسبان أن «التحالف» سيحاول فتح جبهات متعدّدة في وقت واحد، وتحت قيادة موحّدة، وهو الهدف الذي يسعى إليه منذ إعلان الهدنة، لكنه لم يتحقّق.
تبدو الأطراف التابعة لـ«التحالف» غير مستعدة لجولة جديدة من الحرب


ومن خلال لمحة سريعة على الميدان، ووفق سيناريو انهيار الهدنة، تبدو الأطراف المحلّية التابعة لـ«التحالف» غير مستعدّة للتحرّك باتجاه الجبهات في الشمال في مواجهة صنعاء، بينما تبدو فرص الحرب أقوى بين أتباع «التحالف» أنفسهم، في مناطق سيطرته، وخصوصاً في حضرموت وأبين وشبوة وتعز، ليس لأن «التحالف» لا يريد الحرب في الشمال، ولكن بسبب عجز القوات التابعة له عن تحقيق أيّ انتصار، أو حتى تأسيس قوة نظامية متماسكة، على غرار تلك التابعة للإمارات في الجنوب، سواءً «ألوية العمالقة» أو ميليشيات «المجلس الانتقالي»، فيما فشلت محاولات إسقاط هذه النماذج شمالاً، ولم تستطع الرياض استنساخ تجربة «العمالقة» السلفية في مأرب وحرض. وعلى الرغم من تشكيل المملكة قوات تحت مسمّى «اليمن السعيد»، والزجّ بها في شباط الماضي، في معركة حرض التي ساندتها فيها القوات السعودية والسودانية، إضافة إلى قوات المنطقة الخامسة التابعة لـ«الشرعية»، إلّا أنها فشلت في تحقيق أيّ اختراق.
في موازاة ذلك، تبدو القوات التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والتي تتمركز في المخا، غير مستعدّة لفتح معركة، بل إنها لم تحقّق نصراً في أيّ جبهة، كنموذج حيّ واحد يؤهّلها للعب دور عسكري مستقبلي، وهي قوات تلعب دوراً محورياً في تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة الإمارات، بعد أن تكون قوات أخرى قد انتزعتها (إما «العمالقة» أو «الانتقالي»). هذا الإخفاق لقوات طارق، سواءً في تجربتها العسكرية، أو في بنيتها التنظيمية التي تتعرّض دائماً لانشقاقات في اتّجاه صنعاء، يفسّر تغيير الرهان على دور طارق من العسكري إلى السياسي، وتحويل القوات التابعة له إلى كيان سياسي تحت اسم «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» قبل تعيينه هو في منصب عضو «مجلس القيادة الرئاسي». في مقابل هذا الإخفاق في الساحل الغربي، لا تبدو قوات ما يسمّى «الجيش الوطني» في مأرب في وضع مغاير، حيث تعيش مرحلة انتقالية بعد إقصاء القائد الفعلي لها، علي محسن الأحمر. بالتالي، فإن أقصى ما يمكن أن تفعله هو الحفاظ على ما هو تحت سيطرتها من مناطق في مأرب. وفي ظلّ هذا الواقع «المترهّل» شمالاً، ترفض القوات الجنوبية، سواءً «العمالقة» أو «الانتقالي»، خوض معارك في جبهات الشمال نيابة عن أبنائها. ووفق تصريحاتها، فهي لا تمانع أن تساند أيّ جبهة مفتوحة شمالاً، لكن من دون أن تتصدّرها هي. هذه المعطيات مجتمعة تؤكد أن رياح الهدنة جاءت بما لا تشتهي سفن «التحالف»، لكن مصلحة الأخير واضحة في بقاء الواقع الراهن على ما هو عليه، حيث لا سلام شاملاً ولا حرب حاسمة.