لا يقتصر انقطاع رواتب الموظّفين على المحافظات الشمالية (منذ عام 2016)، بل تعاني المحافظات الجنوبية الخاضعة للسيطرة السعودية - الإماراتية من الأزمة نفسها، في ما يراه البعض سياسة ابتزاز متعمَّدة من قِبَل «التحالف» بهدف تطويع القوى التي تدور في فلكه، والتي لا تشفع لها حقيقةُ تماهيها الكامل مع الرياض وأبو ظبي، وقتالِها إلى جانبهما طوال فترة الحرب. وتستهدف تلك السياسة - في المرحلة الحالية -، التي تشمل أيضاً إنشاء فصائل مُنافِسة كما في حالة «اليمن السعيد»، الضغط على «المجلس الانتقالي الجنوبي»، على خلفية استمرار رفضه الانخراط في عملية الهيكلة الأمنية والعسكرية، والتي تقتضي دمج التشكيلات التابعة للمكوّنات المنخرطة في «المجلس الرئاسي»، في إطار وزارتَي الدفاع والداخلية، تحت قيادة واحدة. وتخشى السعودية من أن يؤدّي استمرار تعطُّل عملية الدمج هذه، إلى دورات جديدة من الاحتراب الداخلي، فضلاً عن الإضرار بجبهات القتال في الشمال. وكانت تَشكّلت، الشهر الماضي، لجنة مشتركة لتولّي مهمّة الهيكلة. وقد اجتمعت اللجنة المذكورة أكثر من مرّة، وأقرّت - نظرياً - دمْج مقاتلي «الانتقالي» ضمن القوات التابعة للحكومة. كما أقرّت - نظرياً أيضاً - دمْج بقيّة التشكيلات في الإطار نفسه، كـ«حراس الجمهورية»، «ألوية العمالقة»، «الألوية التهامية»، «الأحزمة الأمنية»، «النخبة الحضرمية» و«النخبة الشبوانية». إلّا أن تلك المقرّرات ظلّت حبراً على ورق.وفي خضمّ ذلك، خرج، نهاية الأسبوع الماضي، المئات من جنود «الدعم والإسناد» التابعين لـ«الانتقالي»، في تظاهرة احتجاجية للمطالبة بصرف مرتّباتهم، مردِّدين شعارات مناهضة لـ«التحالف»، فيما اعتبرت الأوساط المُوالية للمجلس أنه لا يوجد سبب واضح لانقطاع المرتّبات سوى الرغبة في «إذلال» أصحابها، وإرغامهم على القبول بمشروع تذويبهم. والظاهر أن السعودية تستغلّ، بالفعل، انهيار الوضع المعيشي للضغط على التشكيلات العسكرية والأمنية الموالية للإمارات أساساً، سواءً لإلزامها بعملية الدمج أو لحمْلها على الانخراط في القتال في جبهات الشمال. وما يعزّز ذلك التقدير هو أن حجْب الرواتب لا يشمل الفصائل غير الخاضعة لسلطة «الانتقالي»، مِن مِثل «ألوية العمالقة» (12) التي يبلغ قوامها نحو 30 ألف مقاتل، وميليشيات «حرّاس الجمهورية» بقيادة طارق صالح، والتي يُقدَّر عديدها بـ30 ألفاً أيضاً.
ويُحمِّل سياسيون موالون لـ«الانتقالي»، بصراحة، «التحالف»، المسؤولة عن انقطاع الرواتب، معتبرين أن قوّاتهم «تتعرّض لمؤامرات هدفها تفكيكها، وفقاً لمخطّط تُديره قوى وجهات نافذة في الشرعية، وجهات خارجية»، محذّرين من أن «الأمر ستكون له تداعيات كبيرة، ولن يمرّ من دون عواقب، لا سيما وأن صبر الجنوبيين بات قريباً من النفاد». لكن نشطاء جنوبيين مستقلّين يعتقدون أن «الانتقالي كبّل نفسه بأصفاد مشاورات الرياض، ويمضي معصوب العينَين وراء أوامر ومصالح الخليجيين»، وأنه «سيخسر بندقيته بعد أن خسر ويخسر تباعاً جزءاً من قاعدته الجماهيرية المتآكلة أصلاً، إن ظلّ يراوح مكانه، والنتيجة ستكون مُكلِفة عليه وعلى كلّ الجنوب»، وفق ما يقول أحدهم. كما أن إهمال المجلس للشباب الجنوبي، وتركهم لظروف معيشية قاسية تدفْعهم نحو الانخراط في عمليات تجنيد واسعة النطاق تقودها قوى داخلية وخارجية تستهدف تطويقه، يماثل خطيئة «الحزب الاشتراكي» غداة عام 1990، حين «تخلّى هذا الأخير عن جيشه ورمى به في سلّة الحسابات السياسية الخاطئة»، وفق رأْي هؤلاء.