انعقد، الإثنين الماضي، في العاصمة الأميركية، «مؤتمر واشنطن لتحقيق السلام الدائم والديموقراطية في اليمن»، بتنظيم من «مؤسّسة توكل كرمان»، و«مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون»، و«منظّمة الديموقراطية الآن للعالم العربي». وأثار المؤتمر، الذي تناول عدّة محاور مرتبطة بالحرب الدائرة في اليمن وسُبل إنهائها، وصولاً إلى «تحقيق السلام الدائم وإرساء الديموقراطية»، وكذلك «تحقيق العدالة الانتقالية»، و«إعادة بناء» البلاد، جدلاً واسعاً على الساحتَين السياسيتَين اليمنية والخليجية، خصوصاً مع مشاركة المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في فعالياته، وإلقائه كلمته الافتتاحية. وجدّد ليندركينغ، بالمناسبة، التزام الولايات المتحدة بـ«إيجاد حلّ للأزمة، على رغم عدم وضوح تصوّرات التوصّل إلى السلام»، معرباً عن اعتقاده بأن «عام 2023 سيقدّم فرصة لإنهاء الصراع بشكل نهائي»، مستدرِكاً بأن «الواقع معقّد جدّاً، على رغم انخفاض وتيرة المعارك عام 2022».على أن أهمّ ما في المؤتمر قد يكون في الجهات التي دعت إليه وأدارتْه، وأبرزها «مؤسّسة توكل كرمل» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، والتي تتّخذ من العاصمة التركية مقرّاً لها، وكذلك شمول الحضور فيه شخصيات كانت حتى الأمس القريب مشارِكة في الحكومات الموالية لـ«التحالف»، وانشقّت عنها لاحقاً لتشكّل رأس حربة في التهجّم على الأخير. كما استضاف المؤتمر 5 متحدّثين يمنيين رئيسيين معارضين لاستمرار الحرب، هم نائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري، ووزير الخارجية الأسبق خالد اليماني، ووزير النقل الأسبق صالح الجبواني، ومحافظ سقطرى السابق رمزي محروس، وعضو مجلس الشورى عصام شريم. وللمفارقة، فقد جاء البيان الختامي متصالحاً مع الداخل اليمني بما فيه حركة «أنصار الله»، وفي المقابل قاسياً إزاء «التحالف» الذي اتّهمه بـ«الانحراف عن الأهداف» التي أنشئ لأجلها، والاتّجاه إلى صناعة ميليشيات وكانتونات وتحويل قادة الفصائل المسلّحة إلى قادة للدولة. ولم يكتفِ البيان بما تَقدّم، بل طالب برفع الحصار الذي تفرضه كلّ من السعودية والإمارات على اليمن، مشدّداً على «ضرورة خروج كلّ القوات الأجنبية» من البلاد.
وفي حين غطّت وسائل الإعلام التابعة لحزب «الإصلاح» المؤتمر ونتائجه بعد أن حذفت البنود المتعلّقة بالسعودية، فقد لاذت قيادة الحزب بالصمت. ومن جهتهما، لم تُصدر الرياض أو أبو ظبي أيّ بيانات سياسية بالخصوص، لكنّ الفعالية والإشكاليات التي أثارتها لم تمرّ مرور الكرام في الإعلام الخليجي. وفي هذا السياق، بَرز ما كتبتْه صحيفة «عكاظ» السعودية في افتتاحيتها يوم الثلاثاء، تحت عنوان «الإخوان المفلسون في اليمن»، حيث رأت أن «التنظيم الدولي للإخوان قائم على المخطّطات الإرهابية والمؤامرات الدنيئة، واستخدام ما يفرّخه من أذرع إرهابية كالجماعة الإسلامية قبل عقود، والقاعدة وداعش حالياً، في تنفيذها، لتحقيق المكاسب والوصول إلى الأهداف، خصوصاً أن هذا التنظيم أوّل مَن أسّس لفكر إباحة استخدام القوة والسلاح والقتل إنْ لزم الأمر في سبيل الوصول إلى السلطة». ولفتت إلى أن «التنظيم الإخواني يعقد في العاصمة الأميركية واشنطن مؤتمراً ظاهره بحث عملية السلام في اليمن»، متوقّعةً «فشله الذريع» من منطلق «توجّه الإدارة الأميركية إلى ترميم علاقاتها مع الدول الفاعلة في الإقليم، وتحديداً السعودية ومصر والإمارات التي صنّفت الإخوان المفلسين تنظيماً إرهابياً». ولم تنسَ الصحيفة اتّهام «التنظيم الإخواني» بأنه «تستخدمه أميركا وتتحكّم في زعاماته وقواعده، ويرتبط مباشرة بالاستخبارات الأميركية»، مضيفةً أنه «يلفظ أنفاسه بعد إدراك (الرئيس الأميركي، جو) بايدن، أن لا قبول له في أوساط الدول والشعوب العربية، التي تَنظر إليه على أنه مشروع خراب وقتل وتدمير وفتنة».
وبمعزل عن قائمة الاتهامات تلك، فإن السعودية لم تتردّد، على مدار عقود، في توظيف «إخوان اليمن»، الممثَّلين في «الإصلاح»، كرافعة محلّية أساسية للتدخّل في الشأن اليمني، وكحامل سياسي وطائفي للعدوان على اليمن. كما أنها احتضنت قيادته، وقدّمت لها الدعم المالي، فضلاً عن الدعم اللوجستي والعسكري والإسناد الجوّي لتشكيلاته العسكرية في الجبهات. وطوال فترة الحرب، اعترت العلاقة بين الطرفَين تباينات في مقاربة العديد من الملفّات، وعلى رأسها العلاقة الشائكة مع الإمارات؛ إذ على رغم محاولة المملكة التقريب بين «الإصلاح» وأبو ظبي، إلّا أن أجندتَيهما المتناقضتَين حالتا دون الوصول إلى قواسم مشتركة. ومع أن السعودية أدرجت «الإخوان المسلمين» على قائمتها لـ«الإرهاب»، فإنها استثنت «الإصلاح» بدعوى أنه أعلن أكثر من مرّة عدم خضوعه للأطر التنظيمية لـ«تنظيم الإخوان العالمي». وعليه، فقد مارست المملكة سياسة الإدماج المحدود للحزب، خاصة حين يتعلّق الأمر بتغطيته للتدخّل السعودي في اليمن، وقتال تشكيلاته العسكرية تحت قيادتها، ولا سيما في جبهة مأرب. على أن تداعيات الهدنة وما بَعدها، يبدو أنها لن تستثني العلاقة بين «الإصلاح» والسعودية، لجهة تعميق الشرخ داخل «بيوتات التحالف».