أثارت تغريدة حديثة على «تويتر» للأستاذ الجامعي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، عمّا إذا كان يجب أن يطلَق على دولة اليمن الجنوبي المفترَضة، اسم «الجنوب العربي» أم «دولة حضرموت العربية المتحدة»، موجة سخط على وسائل التواصل الاجتماعي في أوساط اليمنيين، ومن ضمنهم الكثير من الجنوبيين، ولا سيما أنها أتت تزامناً مع إحياء ذكرى الوحدة اليمنية في 22 أيار 1990. وإلى الرمزية التي تستبطنها إثارة القضية، تُعتبر التغريدة إفصاحاً عن نوايا الإمارات التي ليس خافياً استياؤها من تحرّك السعودية نحو التفاوض على تسوية تُنهي الحرب اليمنية مع حركة «أنصار الله»، ومن الاتفاق السعودي – الإيراني الذي أكّد ذلك التوجّه السعودي، والذي من شأنه أن يعطّل المشروع الإماراتي القائم على مدّ اليد للسيطرة على جزر استراتيجية مِن مِثل سقطرى عند مدخل خليج عدن، وميّون الواقعة مباشرة على مضيق باب المندب. وهو مشروعٌ إنما يندرج ضمن صراع أوسع يتركّز على التحكّم بالممرّات المائية، وتُمثّل فيه الإمارات رأس حربة في حلف غير معلن يضمّها إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، التي أقامت، بتغطية من أبو ظبي، قواعد عسكرية في الجزيرتَين الاستراتيجيتَين. لكن العقبة الرئيسة أمام خطّة الإمارات لتقسيم اليمن صارت الآن تتمثّل في السعودية، بعد فضّ التحالف بينهما في الحرب من الناحية العملية، بل والدخول في صراع مباشر تستخدم فيه كلّ منهما حلفاءها من الفصائل الجنوبية، بحيث صار ذلك الصراع علنياً بين «مجلس القيادة الرئاسي» الذي يقوده رشاد العليمي المقرّب من المملكة و«المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يقوده عيدروس الزبيدي الموالي للإمارات، وما بين المجلسَين من فصائل ما زالت غير حاسمة في موضوع الولاء، مِن مِثل فصيل طارق صالح الذي يُعتبر أكثر قرباً من أبو ظبي، فيما تسعى الرياض إلى استمالته. وإذ تحاول الإمارات إغواء الحضارمة من خلال اقتراح أن تحمل الدولة المنفصلة اسم محافظتهم، فإن السعودية سارعت إلى محاولة تطويق التحرّك الإماراتي عبر استضافة اجتماع في الرياض للعليمي، ووكيل أول محافظة حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش العليي، لبحث حقوق حضرموت ومطالب سكّانها، حيث يبدي الحضارمة استياءً ممّا يعتبرونه إجحافاً بحق محافظتهم، ما يجعلهم يفضّلون البقاء ضمن اليمن الموحّد، أو، في حال كان التقسيم واقعاً لا محالة، أن تكون محافظتهم دولة قائمة بذاتها. وفي الحالتَين يصبح المشروع الانفصالي محكوماً بالفشل، لا سيما وأن عدن التي يتّخذ «مجلس القيادة الرئاسي» منها مقرّاً، والعاصمة المفترَضة لأيّ دولة في الجنوب، تقع خارج سيطرة الإمارات. ودخل عيدروس الزبيدي على خطّ الجدال حول الانفصال والاسم، قائلاً إن الانفصال قادم، وإن الأسماء التي يجري الحديث عنها، سواءً «دولة حضرموت العربية المتحدة» أو«الجنوب العربي» أو «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»، هي مجرّد مقترحات من أجل اللحمة الجنوبية.
العقبة الرئيسة أمام خطّة الإمارات لتقسيم اليمن صارت الآن تتمثّل في السعودية


وبغضّ النظر عن تأييدها أيّ مشروع انفصالي جنوبي من عدمه، في الماضي أو في الحاضر، فإن السعودية تَعتبر المشروع الإماراتي استهدافاً مباشراً لها، ومحاولة مكشوفة لتعميق ورطتها اليمنية، وهو ما يعكس مرّة أخرى عمق الخلافات بين رئيس الإمارات، محمد بن زايد، وشريكه السابق في الحرب وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، والتغيّر السعودي الكبير في مقاربة القضايا الإقليمية، بحيث لم تَعُد تناسب حكام أبو ظبي. إلّا أن السؤال الأساسي يدور حول الموقف الأميركي، وما إذا كانت واشنطن ترغب فعلاً في نسف المفاوضات لإنهاء حرب اليمن، أم أنها لا تمانع فتح الطريق أمام حلّ يمني يريح السعودية، وهو ما يدفع اللوبي الإماراتي في واشنطن إلى الترويج، عبر بعض الإعلام الأميركي، لنظرية تقول إن انفصال اليمن الجنوبي يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ومن ثمّ استخدام ما ينشره ذلك الإعلام للضغط في اتّجاه الانفصال.
وفي الوقت الذي يستمرّ فيه البحث عن تسوية للأزمة، وتتتابع الإجراءات المتبادلة بين الرياض وصنعاء، تتصرّف الإمارات في المناطق الجنوبية التي تتواجد فيها كقوّة احتلال، فتبيع نفط وغاز شبوة لألمانيا بصورة غير شرعية، وتطلق عصاباتها للنهب وفرض الخوّات، كما حدث في مدينة المخا في محافظة تعز التي أغلقت المحالّ التجارية فيها أبوابها في إطار إضراب ضدّ ممارسات تلك العصابات، ونهب مساحات شاسعة من أراضي المواطنين بالقوة المسلّحة والزجّ بالملّاك المعترضين في السجون. ولعلّ واحداً من المعوّقات الكبرى التي تواجهها أبو ظبي، ظهر خصوصاً في اعتراضات الكثير من الجنوبيين، سواءً من القوى السياسية والفصائل العسكرية، أو من المواطنين العاديين، على تغريدة عبد الخالق عبد الله، والتي اعتبروها تدخّلاً في شأن داخلي ليس له الحقّ فيه.
ويمتدّ رفض الجهود الإماراتية لتقسيم اليمن إلى كلّ الخليج، الذي لا يَحتمل في المرحلة الراهنة تغييراً بحجم إنشاء دولة منفصلة في اليمن، لا سيما وأن ذلك قد يثير احتمال العودة إلى الصراعات العسكرية بين الشمال والجنوب، كالحرب الأهلية التي وقعت عام 1994. فالإمارات وحدها من بين دول الخليج التي يعتاش نظامها على الحروب، وهذا ما يفسّر جهودها المستمرّة منذ سنوات، وصرفها أموالاً طائلة، واستقطابها آلاف الشخصيات سواءً من اليمن أو خارجه لدعم الانفصال الذي ترى فيه منافع كبرى لها سواءً اقتصادية أو جيواستراتيجية، لكن المشكلة التاريخية لغزاة اليمن أن هذا البلد مثّل عسر هضم لكلّ من حاول ابتلاعه. وما يجعل المشروع التقسيمي الإماراتي محكوماً بالفشل، هو أنه إلى جانب احتمال أن يثير حرباً أشدّ، فإنه أيضاً قد لا يقتصر على تفتيت اليمن، وإنّما يمثّل تحرّشاً بدول خليجية أخرى مِن مِثل سلطنة عمان، باعتبار أن الدولة المنفصلة المفترضة ستضمّ محافظة المهرة التي تُعتبر منطقة نفوذ حيوي للسلطنة، ولذلك فإن الردود على مشروع الإمارات، شملت تذكيرها بأنها هي نفسها جزء من السلطنة، حيث كانت تسمّى قبل توحيدها عام 1971 «إمارات الساحل العماني المتصالح»، وكان لسلطان عمان نفوذ كبير عليها وخاصة على أبو ظبي ودبي. ونشر أحد النشطاء، ضمن سياق الجدل، صورة قديمة لسلطان عُمان، تيمور بن سعيد، مع شخبوط آل نهيان وراشد آل مكتوم، عليها تعليق يقول: «السلطان العماني كان يتفقّد رعاياه في أبو ظبي ودبي».