الضالع | لم يعد السعي إلى فصل جنوب اليمن عن شماله، يُناقش في أروقة الغرف المغلقة أو يمارس بسرّية مثلما كان يجري سابقاً. منذ سيطرة «المقاومة الجنوبية» على محافظة الضالع، انتقلت إجراءات الانفصال إلى أرض الواقع وبدعم من السلطات المحلية في المحافظة، وبإشراف الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح، كما أن زيارة واحدة للمحافظات الجنوبية من الشمال، كافية لتؤكد ذلك، إذ بات المواطن اليمني مضطرا إلى العبور بأول نقطة حدودية في منطقة سناح في محافظة الضالع الجنوبية والمحاذية لمحافظة إب الشمالية.
وتفيد مصادر بأنه أثناء نصب أول نقطة على الحدود الفاصلة بين الجنوب والشمال في اليوم الرابع من سيطرة «المقاومة» على الضالع، وصل الخبر إلى هادي الذي أيّد هذا العمل. وبحسب مصادر خاصة، طلب من المحافظ الجديد في الضالع، ترك «الحراك الجنوبي» يمارس «ما يراه يتناسب مع طموحاته التي ضحى وقدم عشرات الشهداء من أجلها».


خطوة في طريق «فك الارتباط»

سعت «الأخبار» إلى إجراء استطلاع لمعرفة من يقف وراء هذا العمل، وأي جهات تقوم به وتشرف عليه، وما هي ردود الفعل عليه. يرى الناشط الجنوبي، وليد الخطيب، أن «الحراك الجنوبي المسلّح والمقاوم الذي يؤمن بالكفاح هو صاحب فكرة نصب أول نقطة بين حدود الجنوب والشمال في سناح، لأن قضية تقرير المصير هدف سامي بالنسبة إليه»، في إشارةٍ منه إلى أنصار الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض. وأضاف: «نحن حينما قاتلنا قوات الرئيس السابق صالح، وجماعة الحوثي، ليس حباً بهادي أو بحكومته، بل من أجل التحرير وتقرير حق المصير، وفك الارتباط عن الشمال، ومستعدون للموت على أن يعود أي شمالي الى أرض الجنوب باسم الوحدة».
وتتكوّن محافظة الضالع من تسع مديريات، خمس منها تقع في الحدود الجنوبية بناءً على خريطة ما قبل عام 1990، وهي تشمل كلاً من الضالع، الحصين، الشعيب، جحاف والأزارق، وبقية المديريات الأربع وهي جبن، الحشا، قعطبة ودمت، وهي مديريات تابعة للشمال أُضيفت إلى محافظة الضالع قبل سنوات. وبناءً عليه، فقد أعادت «المقاومة الجنوبية» بكل فصائلها، بما فيها المقاومة السلفية، نصب نقطة فاصلة بين الجنوب والشمال، وفتح معبر حدودي في مديرية «سناح» في الضالع جنوب اليمن، تدشيناً لإعلان «فك الارتباط» بعد تحرير بقية المحافظات الجنوبية من القوات الشمالية، مهما كانت موالية لصالح أو لـ «أنصار الله» أو لهادي، وذلك في ظلّ إجماع شعبي كبير وموافقة كل شرائح المجتمع في مدينة الضالع وبموافقة السلطة المحلية.
وأشار الخطيب إلى إن هذا المعبر يمارس عمله بصورة يومية منذ افتتاحه، حيث بات يُصدر أذونات وتصاريح لمرور الشاحنات التجارية وأخرى لنقل الركاب بين شمال اليمن وجنوبه، كما يمنع التهريب من الشمال إلى الجنوب.
من جهته، أوضح الناشط الجنوبي أحمد شلبي، أن المعبر الحدودي يمنح أوراقا بيضاء تحوي تصاريح دخول تشبه في شكلها فواتير القبض والصرف، وتتضمن عبارة: «إن حامل هذه الورقة يعفى من التفتيش وذلك نتيجة خضوعه لتفتيش كامل في أول نقطة حدودية»، وتحمل ختم «الحراك» وتوقيعه، ذلك اذا كان الآتي إلى الضالع جنوبياً. أما إن كان شمالياً، فيُمنح تصريح دخول إلى أراضي ما سماها «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» (اسم دولة الجنوب قبل الوحدة عام 1990)، «ونحدد له مدة الإقامة بحسب نوعية الغرض أو الزيارة التي جاء من أجلها»، يقول الخطيب الذي يؤكد أن هذه التصاريح «لا نمنحها لجميع الشماليين بل نمنحها فقط لرجال الأعمال، ولكل ما يتصل بالأعمال التجارية».
وفي رده على سؤال عن وجود أي جهة في الجنوب تعارض هذا الأجراء، قال الخطيب إن جميع أبناء الجنوب «متفقون على أن لديهم قضية تتمثل بتحرير الأرض حتى نيل الاستقلال الكامل»، مضيفاً أن «هذا ما دفعهم إلى القتال في الفترة السابقة لذلك لا يوجد من يعارض ذلك، باسثناء بعض الشخصيات المحسوبة على بعض التيارات الإسلامية المتخوفة من عودة النظام الاشتراكي، التي استنكرت هذا الإجراء، لكن صوت أبناء الجنوب القوي، وإجماعهم على نيل حريتهم ومواجهة من يعارض ذلك بقوة، جعلا من هذه الشخصيات تتوارى عن الأنظار، ولم نعد نسمعها أبداً».


عراقيل تواجه المعبر

وعن الخلافات العريضة والتوترات التي صاحبت إنشاء المعبر ومحاولة كل طرف تحمل مسؤولية الإشراف عليه، كشفت مصادر خاصة في «المقاومة الجنوبية» لـ «الأخبار» أن خلافات عصفت بين فصائل «الحراك الجنوبي» من جهة، و«المقاومة الشعبية» من جهة أخرى، على خلفية النقاط الأمنية التي ينبغي وجودها على خط «قعطبة – الضالع»، حيث يحاول كل طرف أن يكون هو المسيطر على هذا الجانب، في ظلّ رفض فصائل «الإصلاح» دمج عناصر بقية الفصائل في النقاط التي نصبت على الخط.

يمنح المعبر تصريح دخول إلى «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» للشماليين

وأوضحت المصادر أن هذه الخلافات دفعت كل طرف إلى إقامة نقاط أمنية له بعيدة عن نقاط الطرف الأخر، وصل عددها إلى أكثر من 45 نقطة في مدينة الضالع عاصمة المحافظة، موزعةً بين فصائل «المقاومة» من «الحراك» وسلفيين ومن حزب «الإصلاح» وأخرى تابعة لشخصيات قبلية، بل إن بعض المناطق كانت تنصب نقاطا خاصة بها، الأمر الذي سبب إعاقة للعمل الأمني، وقاد كثيرا من قادة «المقاومة» إلى تهديد قادة في فصائل «المقاومة» الأخرى، ما هدد بفشل عمل المعبر الحدودي الذي يشرف عليه عناصر «الحراك الجنوبي» المسلح، ولا سيما أن بعض النقاط ترفض التعامل بالتصاريح والأذونات التي تصدر من معبر سناح الحدودي بسبب خلافات مع «الحراك».
وعن حل هذه الإشكاليات، يقول القيادي في «المقاومة» الشيخ طاهر مسعد العقلة، إن هناك شبه اتفاق بين قادة فصائل «المقاومة»، على رفع النقاط التي وصلت إلى أكثر من 45 نقطة، على أن تأتي مكانها نقاط محددة لا تتجاوز الخمس نقاط، يكون فيها عناصر من جميع الفصائل.
وأكد الشيخ العقلة أن هذا الاتفاق يناقَش برعاية محافظة الضالع وقادة «المقاومة»، وأن هنالك تفهما لحل هذه المشاكل، ولا سيما أن العديد من الأسر والشخصيات الاجتماعية الجنوبية تعرضت لإهانات بالغة في تلك النقاط.


إشراف رسمي على المعبر

وعلمت «الأخبار» أن شخصيات كبيرة مسؤولة في الدولة، تحاول أيضاً تزعم عمل المعبر، ومن أبرزها مدير إدارة أمن المحافظة الذي كلّفه المحافظ العقيد عبيد محمد، والذي كان قائداً على نقطة دار سعد سابقاً، إضافة إلى بكيل السيلة، وهو أحد أبرز قادة «المقاومة الشعبية الجنوبية» في الضالع، وطاهر مسعد شقيق محمد العقلة وهو تابع لـ «المقاومة الجنوبية» المؤيدة لخالد مسعد صلاح الشنفرة رفيق القيادي الجنوبي حسن باعوم.
ورغم الانقسامات والخلافات بين هذه الفصائل، تؤكد جميع المعلومات أن حق تقرير المصير وفك الارتباط عن الشمال أهداف يؤمن بها الجميع، فيما تبقى السلطة المحلية المتمثلة بالمحافظ مستجيبة لهذه الإرادة باعتبارها إرادة شعبية يستحيل تجاوزها.

توتر في المنطقة «الحدودية»

وتسود حالة من التوتر في المنطقة الواقعة بين المحافظات الشمالية والجنوبية، بسبب الصعوبة البالغة التي أصبح يعانيها القاطنون على «الحدود»، حيث أثرت فيهم سلباً في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، الطبي، وكذلك التعليمي.
عن هذا الجانب، يتحدث شادي القعطبي (طالب جامعي من أبناء المديريات الشمالية)، قائلاً إنه بعد عملية الفصل جرى منع مئات الطلاب الشماليين، من دخول الأراضي الجنوبية، ما سبب حرماناً مواصلة الدراسة الجامعية، «وهذا لا شك سيقتل مستقبلنا ويشعرنا بالضياع اذا استمرت الأوضاع على هذا الحال»، مطالباً هادي وكل الجهات المعنية بسرعة التحرك، من أجل وضع حلول عاجلة للطلاب.
من جهته، برر محافظ الضالع فضل الجعدي هذا الإجراء بأنه «إرادة شعبية يستحيل الوقوف أمامها»، مطالباً الشخصيات الاجتماعية الشمالية بالتواصل مع هادي لكونه الوحيد الذي يمتلك حل مثل هذه القضايا. هذا الموقف قوبل برضى في أوساط «المقاومة الجنوبية»، حيث عبر أحد زعماء الجماعة المسلحة، عيدروس الزبيدي وشلال شايع، عن «ارتياحهم» من هذا الفصل.
إلى ذلك، وفيما لم يصدر حتى اللحظة أي تصريح حكومي بصورة رسمية، يوضح الموقف من الاجراءات الجديدة رغم علم الرئيس هادي ونائبه بحاح بها، أثارت الخطوة الانفصالية استياءً كبيراً في الأوساط الشمالية التي اتهمت هادي بالسعي إلى تفكيك البلد وتجزئته.