strong>فرقة G-Town آخر الوافدين الى عالم «الراب» الفلسطيني الذي يبدو الأغزر في العالم العربي. زيارة الى المخيّم الذي احتضن التجربة في عزّ العدوان على لبنان. في فلسطين أيضاً، موسيقى الـ RAP تولد من رحم الغضب
القدس المحتلة ـــ نجوان درويش

إذا كان الغضب هو الأب الشرعي لموسيقى الراب بشكل عام، فإن التجربة الفلسطينيّة هي خير دليل على هذه العلاقة الرحميّة. عشر فرق راب فلسطينية أبصرت النور خلال العقد الأخير، وكلّها طالعة من رحم الغضب! البداية كانت مع فرقة “دام” التي ظهرت في التسعينيات، وانطلقت من الأحياء العربية لمدينة اللدّ التي حوّلتها سنوات الاحتلال الطويلة إلى أحياء معزولة تعجّ بالفقر وبتجار المخدرات الذين تغضّ النظر عنهم السلطات الإسرائيلية. في الفترة عينها، ظهرت فرقة راب أخرى في عكا لتتوالى الولادات في جنين ورام الله وغزة. وجذبت موجة الراب شباناً فلسطينيين أميركيين وجدوا في هذا النوع التعبيري أرضية خصبة للمجاهرة بهويتهم المجروحة.
أخيراً ظهرت فرقة راب في القدس تُدعى G-Town وانطلقت من قلب مخيّم شعفاط للاجئين. محمد المغربي (19 عاماً) من مؤسسي الفرقة، ولد خلال الانتفاضة الأولى. قرر هو وأصدقاؤه النزول إلى الشارع بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. هكذا كانت انطلاقة الفرقة مع أغنية “شرق أوسط جديد”. يقول المغربي “خلال الحرب على لبنان، رحنا نشاهد نشرة الأخبار بشكل غير مسبوق، سمعنا الحديث عن الشرق الأوسط الجديد. الاحتلال، الظلم، المجازر. لبنان وفلسطين والعراق. فكتبنا أغنية “شرق أوسط جديد” وقررنا أن ننزل الى الشارع ونوصل صوتنا”. ويرى المغربي أن الراب هو فن فلسطيني للدفاع عن النفس.
بدأت قصة أعضاء فرقة “جي ــ تاون” مع عالم الراب قبل سنوات. كان محمد المغربي ورفيقه علاء برهمية يسمعان الراب الغربي. بعد ذلك “اكتشفنا الراب الفلسطيني من خلال فرق كـDam وMWR، وأعجبنا بتلك الكلمات التي تعبّر عن واقعنا المعيش... بعد ذلك تدافع الى الساحة مغنّو راب سيئون. استفزنا ذلك وقلنا: لم لا نغني نحن أيضاً عن الحرية، ونعبّر عن الحالة التي وصلت إليها القدس التي لا يذكرها أحد؟”. وعن الحرية التي يعنيها، يقول المغربي: “أبسط حرية هي ألا يكون هناك حاجز. أن أتكلم العربية في شوارع القدس من دون أن تستوقفني الشرطة كأني اقترفت جريمة، أن أسافر من مطار فلسطيني من دون أن تساء معاملتي”.
وعلى رغم أنّ المغربي ورفاقه يرددون جملاً من نوع “نحن لا نحب السياسية” و“لسنا سياسيين”، فإن الخطاب السياسي والأحداث الراهنة تبدو في صلب أغنياتهم: من رفض الاحتلال الإسرائيلي واحتلال العراق والعدوان على لبنان... وصولاً الى مشروع الشرق الأوسط الجديد، مروراً بمواجهة محاولات التشويه التي تتعرض لها صورة العربي والمسلم في الغرب. تعمل فرقة “جي ــ تاون” بتمويل ذاتي من الاصدقاء في غياب دعم المؤسسات المقدسية، وهي ستحيي الأسبوع المقبل حفلة في القصبة في رام الله مع فرقة “دام” الفلسطينية.
أما عن الحرب على لبنان التي كانت السبب المباشر في ولادة فرقة G-Town، فيقول المغربي: “على رغم المجازر التي وقعت، شعرنا بأننا نعيش انتصاراً وكانت المقاومة هناك حربنا نحن أيضاً كفلسطينيين. انتصر لبنان وبالتالي نحن انتصرنا. سجّلنا خلال الحرب معظم أغاني ألبومنا الأول الذي سيكون اسمه “دردكه”. ويضيف: “سميناه “دردكه” لأن الأمور كلها مدردكة!”.
موشّحات وHip Hop
لدى الخوض في قضايا تتعلق بالراب كفن، فإن لدى أعضاء فرقة “جي ــ تاون” ما يقولونه. طريقة الإلقاء أو الـFlow كما يقول علاء برهمية هي ما يميّز “رابر” (مغني راب) عن آخر. في حين يرى المغربي أن “شعر الموشحات يناسب موسيقى الهيب هوب”. وعلى رغم أن العرف يقضي بأن “يغني” كل “رابر” كلماته ــ وعليه ليس هناك “كاتب أغنيات” بالمعنى المتعارف عليه في فنون الموسيقى الأخرى ــ فإن المغربي لا يعارض فكرة تقديم نصوص شعرية بأسلوب الراب: “سيكون ذلك جديداً على فنّ الراب كلّه ويمكن أن يغيّر مساره”. لا شك في أنّ الراب الذي يقول بعضهم إنه لا ينضوي تحت فن الموسيقى أصلاً، هو فن جديد وقابل للتطور والتشكيل. وأعضاء فرقة “جي ــ تاون” حين يتجادلون حول فرقة الراب التي كانت الرائدة في فلسطين، يذكّروننا بلا شك بالجدل التاريخي حول مَن كتب أول قصيدة “شعر حر” في لغة الضاد!
من بعيد، يبدو مخيم شعفاط كأنه عمل تجريدي أكثر مما هو تجمّع سكاني عادي... لكنّه مكتظ بالحكايات والأساطير الصغيرة. من هذه «الأساطير» التي يرويها محمد لأصدقائه، قصة مفادها أن والده شاهد الفنانة فيروز وهي فتاة بصحبة أمها، تبحث عن فرصة للغناء في القدس. يبدي أصدقاؤه شكوكهم حول صحة القصة. «فيروز كانت مغنية تبحث عن فرصة فنية في القدس مثلنا؟! مش ممكن!» يرد محمد أن لبنان قبل زمن الاحتلال كان قريباً، وكان الناس يأتون من هناك بالتاكسي. «والله فيروز كانت بتيجي للقدس بالتاكسي». ربّما كان هذا حلماً من أحلام الراب، وقد نتصوّر أغنية مقبلة للفرقة على خلفيّة صوت فيروز، كي تعيدها الى القدس. “مرّيت بالشوارع، إلخ”.