strong>نزل “حزب الله” المدني، بكامل عدّته إلى الأرض، وبدأ حملة إزالة آثار العدوان التي استمرت خمسة أسابيع طويلة، بموتها ومجازرها وتدميرها. معركة «إضافية» لا تقل ضراوة عن المعركة العسكرية، تخوضها مؤسّسة «جهاد البناء» (إحدى المؤسّسات الإنمائية التابعة لحزب الله) لإعادة لبنان إلى حالته الطبيعية.
راجانا حمية

«سنة»، ويعود لبنان إلى حالته شبه الطبيعية. ولكن هذه العودة لن تكون خلال فترة «السنة»، التي حدّدها المدير العام للمؤسسة المهندس قاسم علّيق، طبيعية جدّاً. ستكون «جزئية ومبتورة»، تقتصر في المدى القريب على إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي من مساكن ومحالٍ تجارية. وستقتصر بالتالي ومبدئياً على جهة معيّنة ريثما «تتخلّص الدولة اللبنانية من الخلافات الشخصيّة» وتعي فداحة الأضرار التي تعرّضت لها خلال فترة الحرب.
أربعة وثلاثون يوماً من العدوان المدمّر خلّفت خسائر بقيمة ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار أميركي، وحصدت خمسة وستّين ألف وحدة سكنيّة، تحتاج إلى الإعمار «الفوري والطارئ وإلى تدخّلٍ فاعل من الحكومة اللبنانية لمساعدة مؤسّسات حزب الله على تسريع وتيرة الإعمار». فحتّى هذه اللحظات، تقتصر عمليّة إعادة الإعمار في العديد من المناطق على «مؤسّسات حزب الله مع خرق بسيط جدّاً لبعض وزارات الدولة ومن بينها وزارة الأشغال».
ففي ظل هذا الغياب الواضح للدولة، كان لا بدّ من التساؤل حول إمكانات الحزب في إعادة الإعمار؟ وما هي المراحل التي جرى تنفيذها حتى هذه اللحظات؟
جولة واحدة في الضاحية تكفي للردّ على تلك الأسئلة. «جهاد البناء» حاضرة بخيمها ومعدّاتها منذ اليوم الأول لإعلان وقف النار، غير أن الأمر لا يقتصر على الضاحية. فقد أشار علّيق إلى أن «المؤسّسة موجودة في كل المناطق وتستهدف الشرائح كافّة. وقد نفّذ حتى الآن الكثير من الأمور الخاصّة بتقدير الأضرار».
فقد وضعت خطة بناء تحدد أولاًّ الأضرار التي طالت المباني في المناطق كافة، حيث قدّرت بـ«خمسة عشر ألف مبنىً مدمّراً تدميراً كلّياً وخمسين ألفاً بشكل جزئي، من بينها عشرة آلاف وحدة سكنية متصدّعة وسبعة آلاف مدمّرة تدميراً كاملاً في الضاحية»،
وأشار علّيق إلى أنّ المؤسسة «قسّمت العمل على ثلاثة محاور، محور أوّلي جرى من خلاله رصد مبدئي للأضرار، استغرق اثنتين وسبعين ساعة، تبعه مسح تفصيلي قامت به لجنة فنية استشارية لإحصاء المباني المدمّرة ومعرفة مدى صلاحية المباني الأخرى المتصدعة».
وخلال هذه المرحلة من المسح التفصيلي، يجري إعداد استمارة تتضمن معلومات عن «معدّ الاستمارة والمالك والشاغل والقسم المتضرر، يليها تقرير لنوع الأشغال المطلوب ترميمها أو إعادة إعمارها بشكل كلّي»،
تجدر الإشارة هنا، إلى أن هذه المرحلة تتركّز مبدئياً في الضاحية الجنوبية «نظراً للظروف التي تمر بها مناطق الجنوب والبقاع، وقد قسّمت إلى الآن الشوارع المدمّرة إلى سبعين مربّعاً، يضم كل مربع مبنيين أو ثلاثة، من أجل تسهيل العمل في بنائها أو ترميمها»، ويفترض أن تنتهي هذه المرحلة خلال عشرة أيّام، يتفرّغ بعدها مهندسو «جهاد البناء» للمباشرة بالإعمار والتنمية،
ويوضح عليق أن عدد مهندسي حزب الله يبلغ 1300 مهندس سوف يشاركون بشكل تطوعي في عملية البناء الى جانب أعمالهم التي سيحافظون عليها طبعاً»، موضحاً أنه «سيكون للضاحية تصاميم خاصة، توضع بالتعاون مع مهندسين من خارج الحزب، على أن تعود ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق المنكوبة الأخرى خلال سنة».
ويشير علّيق إلى أنّ أعمال «الإعمار تستثني بعض الحالات المختصّة بالدولة مثل البنى التحتية الرئيسية والعديد من الجسور و...، فهي بحاجة إلى قرارات ومراسيم واضحة ومبادرة فاعلة من الحكومة».
يعود لبنان بعد سنة، «الحزب» متفائل جدّاً. ولكن هناك جهات أخرى أبدت تخوفّها من «اللامبالاة» التي تنتهجها الحكومة في هذا الإطار، إذ أشار مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والإعمار إلى أن «الحكومة اللبنانية رفضت خطّة الإعمار الأولية التي أعدّها المجلس، وذلك بسبب خلافات شخصيّة بين رئيس المجلس الفضل شلق ورئيس الحكومة»، مشيراً إلى أنّ «الخطّة غير مطروحة حالياً على جدول الحكومة ريثما يتم إنشاء هيئة الإعمار البديلة عن المجلس وهذا يعني أن فترة السنة ضئيلة جدّاً بالنسبة إلى نشاط الحكومة»!