القاهرة | «عند التقدم بطلب تنظيم حفلة، يتقدم الموسيقي إلى «ساقية الصاوي» بطلب مختوم بختم النسر، ويستكمل منسق الحفلة الإجراءات في قسم شرطة قصر النيل وإدارة المخابرات العامة. وفي حالات الغناء، تلتزم الفرقة تقديم نسخة من الكلمات مع ترجمة معتمدة من وزارة الخارجية لإدارة «الساقية»، وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، والأزهر الشريف. لا يفضّل حضور البنات إلى الحفلة. وإذا اضطرت الإدارة إلى السماح لهن بالحضور، يجب توفير مكان مغلق في قاعة أخرى ومشاهدة الحفلة من طريق شاشة مثبتة.
لا يسمح باستخدام إشارات الأيدي إلا للسلام وطلب التذاكر».
البنود السابقة هي شروط ساخرة كتبها عازف الباص غيتار المصري خالد سامي على صفحته على فايسبوك. خالد عضو فرقة «تمازيك» التي تأسست عام 2007، لكنه كتب هذه الكلمات إثر بلاغ «عبدة الشيطان» الذي قدمه محامي جماعة الإخوان المسلمين، واصفاً بذلك إحدى الحفلات الموسيقية في «ساقية الصاوي». قد يمكن فهم المزيد عن الشروط الساخرة عند النظر إلى «ساقية الصاوي» بوصفها مكاناً محافظاً في الأساس، شهد صدامات سابقة مع تشكيليين ومسرحيين بسبب «تجاوز» لوحة هنا أو مشهد هناك. كذلك إنّ مؤسس المركز وزير الثقافة الأسبق، محمد الصاوي، هو عضو حزب «الحضارة» الإسلامي. من هنا، كانت المفارقة أشد تجلياً عبّر عنها الإعلامي الساخر باسم يوسف عبر موقع تويتر، بأن كتب تغريدة على لسان الشيطان، وهو يعلن أنّه لا يذهب إلى تلك الأماكن «البيئية»، في إشارة إلى حرص «الساقية» على الاهتمام بنشاطات الحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى منع التدخين داخلها.
في ليلة 31 آب (أغسطس)، كانت «ساقية الصاوي» تستضيف حفلةً لإحدى فرق موسيقى الميتال. لم تكن المرة الأولى، ويفترض ألا تكون الأخيرة. لكن إسماعيل الوشاحي محامي «حزب الحرية والعدالة»، كان موجوداً هناك، و«استراب» في ملامح الجمهور الحاضر وأزيائه وأكسسواراته و«إشاراته»، فسارع إلى وزير الداخلية مباشرة، وقدم بلاغاً عاجلاً باسم اثنين من موكليه. سرعان ما تبرأ «حزب الحرية والعدالة» ــ الممثل لجماعة الإخوان ــ من بلاغ المحامي وموكليه. وأعلن المحامي ــ كما هو متوقع ــ أنّه لا يمثل الحزب في البلاغ. كذلك فإنّ موكليه ليسوا أعضاءً في الحزب. لكنّ مداخلة هاتفية أجراها برنامج «بلدنا بالمصري» (قناة «أون. تي. في») مع الوشاحي، سرعان ما أسفرت عن مفاجآت جديدة.
قال المحامي للإعلامية ريم ماجد مقدمة البرنامج إنّ موكليه أعضاء في حركة «مراقبينكوا»! ورغم أن الحركة تتبع الفساد المالي والإداري في الأساس، إلا أنّ عضويها حضرا الحفلة الفنية، ووجدا أن ما يقدم في الحفلة، سواء على الخشبة، أو من قبل الجمهور «يحمل أفكاراً هدامة لقيم المجتمع»، على حد وصف البلاغ الذي تضمن أيضاً التخوف من أن يكون جمهور الحفلة من المنتمين إلى جماعات عبدة الشيطان! ما أعاد إلى الأذهان قضية شهيرة تفجرت في القاهرة في نهاية التسعينيات، وانتهت ببراءة جميع المتهمين الذين لم يثبت عليهم سوى «بعض العادات الغريبة». كانت القضية آنذاك حلقة من سلسلة قضايا تعوّد النظام السابق تفجيرها من حين إلى آخر بهدف إلهاء الرأي العام.
في الاتصال الهاتفي مع شاشة «أون. تي. في»، لم يقدم المحامي أي دليل على «عبادة الشيطان المزعومة»، أو حتى على «الأفكار الهدامة»، واكتفى بترديد أنّ ملابس الجمهور وسلوكياته من النوع الذي «لا يرضى عنه المجتمع»!
«ساقية الصاوي» أصدرت بياناً نفت فيه مزاعم المحامي جملة وتفصيلاً. لكنّ البلاغ الذي لا يتوقع أن يؤدي إلى شيء جديّ، أثار مخاوف الجمهور الفني والثقافي، تحسّباً من نشاط مجموعات دينية غير رسمية أو «تمثل نفسها» تراقب الأنشطة الفنية، وتلاحقها بالبلاغات القضائية، أو ــ وهو الأخطر ــ تضعها في موقف الدفاع عن النفس! وهو ما يمكن رصده بوضوح في نصّ بيان «الساقية» الذي أعلن أنّها «تشكك في وجود عبدة شيطان في مصر التي يتميز شعبها بدرجة عالية من الإيمان الفطري بالله والتقدير للعقائد السماوية»!



بيان | «تقويم» الشباب

بعد الضجة التي أثارها بلاغ محامي «حزب الحرية والعدالة» إسماعيل الوشاحي، أصدرت «ساقية الصاوي» بياناً نفت فيه أنّ برامجها تتضمن أنشطة خاصة بـ «عبدة الشيطان». وتابعت أنّ ما أثير حول حفلة فرقة الميتال تخلله الكثير من المبالغات. وواصلت التبرير بأنّه طوال السنوات العشر من مسيرتها، لم تشهد «الساقية» أي ممارسات «يطلق عليها عبادة شيطان (...) وترى «الساقية» أن ما بدر من بعض الحاضرين من تجاوزات أو تدخين خلال الحفلة، فإنّ «الساقية» اتبعت سياستها بمنع هذه الممارسات بمجرد أن بدأت». وختمت «الساقية» بأنّها تنتهج سياسة «احتواء الشباب واحتضانهم وتقويمهم التدريجي بدلاً من طردهم أو التصادم معهم، وهي بذلك تمتثل للأمر القرآني: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة».