... وتجتمعون، ونجتمع بعد سنة لنؤكد الذكرى. لماذا نؤكدها ونحن أكيدون ممّا نحن عليه، من قناعات تاريخية مركزية لم يبدّلها، والحمد لله، أيٌّ من أحداث التاريخ المعاصر الذي تلى انهيار الاتحاد السوفياتي؟ لماذا نؤكدها إذاً؟ نؤكدها للغير. إنها كالعلم والخبر الدوري الضروري لقانون الجمعيات والحركات والأحزاب، الرسمي. نؤكدها لمجتمع، ولأسباب لا تزال عاصية على التحليل، فاقدٍ للذاكرة، مزدرٍ حتّى لتاريخه الماضي القريب، متهافتٍ على أيّ مستقبل «دون استفسار».
أيّها الإخوة في الوطن، طوائفكم كبرى! عظمى! جامحة، طافحة، فالحة، كاسحة، لكننا موجودون. وقد ثَبَت بعد البحث والتحرّي، أنّهم «ما زالوا ضمن الأراضي اللبنانية، وهم يجتمعون علناً سيدي العقيد»!!
إننا محبطون؟ نوعاً ما. مصدومون؟ نعم، إنْ أردت. تعِبون؟ شيءٌ من ذلك... وشيوعيون؟ طبعاً، وعلى السطوح، شيوعيون وضد الحريق وضد الماء ولنا للماء تفسيرٌ بشيءٍ غيره، إذا أردتم نفسّره لكم!
أيّها الرفاق، لا يترك عادةً شيوعيّ حزبه إلّا: أو إلى الحبس أو إلى البيت. فيفترض بالشيوعي أن يكون فهيماً نوعاً ما، فكيف يترك الحزب الشيوعي إلى «حزب حراس الأرز» مثلاً؟ غريب! هل يترك إلى «فرسان مالطة»؟.. غريب جداً.. أو مثلاً إلى تجمّع أو منبر «خلاسي»؟.. لا يُعْقَل! و«يعقل» من «العقل». إنّ الخلاسي «شكَر»، ولا شيء يضطرّنا لذلك.
قال لينين مرّة: «إذا كنتَ فعلاً غيوراً على الحزب الشيوعي ولك عليه مآخذ كثيرة وتريد إحداث التغيير، فانتسب إليه أولاً، ومن ثم حاول تغييره من الداخل». يضيف الحزب الشيوعي اللبناني، هذا إذا كنت خارج الحزب، فكم بالأحرى إذا كنت أساساً من داخله؟ هل تخرج لتصحّح لعلّك إنْ أصلحتْ، بِحَسَبَك، تعود فتدخل؟ إنّ قصّة «سمير وشجرة اللوبياء» مقنعة ومتماسكة أكثر. كيف سيهمّك تغيير أو تحديث شيء تركته؟.. لا أصدّق! وابنُ 7 أعوام لا يصدّق! أعرف أنّ لكَ رؤيةً وذكاءً وقّاداً، لكن الرفيق لينين مقبول يا رجل... ولا بأس به..
أنتَ بمعزلٍ عن أنّكَ لم تكتفِ بالخروج من الحزب وعَلَيه، أنت بُلِيتَ بالنقد على أساس أنّه «ذاتي» وقد تحوّل معك عملياً لنقدٍ للشيوعية العالمية برمّتها، وهذه مسؤولية! ولم تُرِد أنْ تفعلَ ذلك من طابق من الطوابق المتبقية لهذا الحزب الطويل الروح، فضّلتَ أن تفعلها من جريدة «النهار» مثلاً...
كلامُكَ في الليل يا رفيق، تَمْحوهُ «النهار»، مع أن ليلك «معنا» كان مديداً محمّلاً بالمواقف الحزبية الحازمة والصاخبة أحياناً، هل كنتَ صادقاً كلّ هذا العمر؟ فالعكس مرعب. وإذا كنتَ صادقاً، فكيف استطاع أن يمحو ماضيكَ النهار؟ ليس حتّى النهار، نهار! نهارٌ واحدٌ هو. خرجتَ من الشيوعية إلى اليسار، إنّكَ خرجتَ ولن تعود...

يا رفاق الدَّوامِ والأَصْلْ،
إنَّ سرّاً من أسرار الطبيعة والجدليّة في آن معاً، يَربُطُ بين سطح الشيء وقعره، كما النقيض يحمل داخله النقيض، وفي لحظةٍ من التاريخ يصبحان واحداً.
تنقع عنباً أو كرزاً في وعاء من الماء لغسله، فيطفو على السّطح دونما عذاب، كلُّ ما هو «هشير» و«فقش»، البعض يسمّيه «عكش»، البعض الشمالي الآخر هواؤه يسمّيه زَغَلْ (وتغنّي فيروز: ليالي الشمال الحزينة و«زَغَلي» طَوَّل أنا ويّاك)، ما همّ، المهمّ أنّه طفا، سبحان الله.
يُشَمَّسُ التين المسطوح كي يُنشّف فيطبق على نفسه ويتكوّن بداخله بعض القش والدود الصغير. يُنقَعُ في الماء فتطفو على سطحه، إنّها السعادة.
تنقع أرزّاً أبيض كالثلج، وإذ به يلفظ السوس والزَغَل والكَسْر إلى السطح والقعر، كلٌّ بحسب وزنه. تنقع الحمّص فتجد أنّ حجراً ناعماً من الوحل قد تفتّت ونزل إلى قعر الوعاء، أما العدس، «أعكَشُهُم» فيُصوَّل على المحقان قرب العين بالماء الغزير، حتّى يفكّ عنه البحص والقش و«الدحيريجة».
... وما أدراكَ ما الدحيريجة؟ إنّ الدحيريجة أسوأ وأخبث أنواع الطفيليات.
أيّها الرفاق، لا تحلّلوا كثيراً ولا تحاسبوا، لم يترك الحزب إلّا مَن كان يجب أن يتركه، ولم يَطْفُ على سطحه أو يهوِ إلى قعره إلّا مَن كان محكوماً بذلك. إنّ الطفيليات تغادر عادةً مرتاحة البال، فقد أتمّت عملها وانتقلت إلى نشاطٍ آخر.
لا تأسفوا عليها ولا على الخبز والملح. ماذا؟ هل تريدون أن تقدّموا حزبنا الشيوعي دون تنظيف؟ هذا عيب، بحقّه، بحقّنا، وبحقّ كل المدعوين إليه يومياً. وشكراً.
زياد عاصي الرحباني