ابتلي الموظفون في وزارة الشؤون الاجتماعية بـ«كارثة» حقيقية: يستيقظ الوزير الجديد وائل أبو فاعور في السادسة صباحاً، يستحمّ وينهي قراءة الصحف ليكون في الوزارة منذ السابعة والنصف، متأهباً لإيقاظ الموظفين المتأخرين على الدوام. «الكارثة الأكبر» أن الوزير النشيط لا يغادر الوزارة قبل العاشرة والنصف مساء. لا ينتظر أبو فاعور ارتشاف أحد أصدقائه بعضاً من فنجان القهوة، فموعد الانطلاق إلى عكار تحدد عند السابعة والنصف وليس عند السابعة والنصف ودقيقتين.
هذا مشواره الأول. سيجرب اليوم موكب الوزارة. يقود «الجيب» الأبيض بنفسه. يلاحظ بسرعة مشاكله الميكانيكية، لكن «بسيطة، منيح بيمشي بعدما قاده الكتائبيون سنتين». ابتسم، لكن لا تضحك. يمكن لأبو فاعور تمرير «لطشة» صغيرة، لكن إيّاك ومسايرته: ممنوع نهائياً انتقاد سلفه في الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ أو تقييم أدائه في الوزارة. لماذا البداية من عكار، قلعة تيار المستقبل، وليس من راشيا، دائرته الانتخابية، أو من إقليم الخروب حيث معركة وليد جنبلاط الانتخابية الأساسية المقبلة؟ «منيح انك لم تسألني لماذا لم أبدأ من ساقية الجنزير (قرب فردان) حيث أسكن. عكار لأن الوقائع والإحصاءات تؤكد أنها أكثر من تحتاج إلي، وهذه واحدة من ثلاث جولات على هذا القضاء لاكتشاف ما يمكن فعله».
عند الصيفي، قبالة بيت الكتائب، يكمل أبو فاعور التسلم والتسليم مع الصايغ، فتنضم سيارة بيضاء أخرى إلى الموكب الذاهب إلى عكار، يتحدث قليلاً عن الوزارة: «الأكيد أنني سأحوّلها من المساعدات النفعية إلى المشاريع الانتاجية، أفضل إنشاء معمل صابون أو عصارة زيت أو بركة مياه ري أو دعم مربي نحل في تجهيز قاعة أو بناء حائط دعم.
يتصل بصديقه النائب هادي حبيش ليتأكد من استيقاظه. عند الموعد يكون النائب العكاري عند مفرق أدما. ينتقل أبو فاعور إلى سيارته، يوصيه بألا يسرع لأن سيارات الوزارة «ستفرط». يبادران صباحهما بالحديث عن المعوقين. هنا أيضاً أبو فاعور يحلم: «لا تساوي بطاقة المعوق اليوم شيئاً. عقدت اجتماعاً مع وزير الصحة وسأحاول تأمين تغطية صحية كاملة لحاملي البطاقة. وتكلمت مع حاكم مصرف لبنان لتوفير قروض من دون فوائد للمعوقين». يخبر أبو فاعور زميله أن بين نحو 100 ألف معوق في لبنان هناك قرابة 27 ألفاً فقط تقدموا بطلب حصول على البطاقة.
يتصل النائب خضر حبيب بحبيش ليتأكد أين صار الضيف. حبيب عقد اتفاقاً مع «قصر الحلو». لا يمر وزير بطرابلس إلا يعدّ له خضر عند الحلاب «أطيب صحن كنافة». يضحكان قليلاً. يخبر أبو فاعور صديقه أن عدد مراكز الشؤون الاجتماعية الذي يبلغ 220 مركزاً أكثر من عدد مراكز القوى الأمنية. يصل الحديث إلى حيث يشتهي حبيش. يسأل عمّا قرره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بشأن اقتراح تطويع 4500 مسيحي مقابل 1500 مسلم. يرد أبو فاعور بسؤال: من أين سيأتي المسيحيون بهذا العدد؟ يؤكّد وجوب الاستفادة من تجربة الجيش الذي يحافظ على التوازن من دون أن يشعر أحد، ويتساءل عن الرسالة التي توجه إلى المسلمين عبر قرارات كهذه.
عند حاجز المدفون، يرتجف صوت أبو فاعور من تجاوز حبيش الحاجز بسرعة كبيرة. يخشى الوزير «أن يطلق أحد العكاريين النار على الحاجز»، لكن حبيش يطمئنه: «أنا طحّيش والشباب هنا يعرفونني». يتناقشان قليلاً في برنامج الزيارة، يخبر أبو فاعور حبيش أنه سيلتقي كلاً من كتلة المستقبل والنواب السابقين في جلستي عمل منفصلتين. يقول أبو فاعور: «أنا في وزارة تشبه منبتي. يحلم الاشتراكيون بفرصة كهذه».

خضر زمور حبيب

في الحلاب، خضر حبيب مستنفر. رياض رحال يضحك لأصغر حركة ولكل كلمة. يأخذ صحن الكنافة البارد ويعطي أبو فاعور الكنافة السخنة، مطالباً الـ«وايتر» ببعض القشطة. يرتدي زميلهم الثالث، معين المرعبي، قميصاً أزرق، «جينز» كحلياً، «كلسيت» سوداء وحذاء بنياً. تسرق ربطة عنق النائب خالد زهرمان البنفسجية كل الأضواء: أشعّ من الشمس ربطة العنق هذه. يكتمل النصاب، فالزميل السادس نضال طعمة ينتظرهم في عكار، أما خالد ضاهر «ففي البحر مشغول بصيد السمك».
أمام الحلاب، فور مغادرة الوزير والنواب، سيفاجأ أبو فاعور بحشد من سيارات القوى الأمنية، وستتحول المفاجأة إلى غضب حين تضيء هذه السيارات أنوارها وتطلق الأصوات الغريبة: «والله عيب، الآن يشتمنا المواطنون». يخبره حبيش أن خضر حبيب طلب المواكبة. يرفض أبو فاعور، ويكاد يصل باحتجاجه حد الترجل من السيارة. يتصل بخضر طالباً «إيقاف المهزلة». تنتهي القضية بمنح أحد مستشاري الوزير النائب حبيب اسماً جديداً: خضر زمور حبيب. لكن مرة أخرى الضحك ممنوع، يأمر أبو فاعور.

حبيبي أحمد الحريري وعيوني

يلفت حبيش نظر أبو فاعور إلى اللافتات التي رفعها بعض العكاريين ترحيباً بزيارته، يلتقط الوزير الاشتراكي لافتات أخرى تقول «هو أسقط رئيس الحكومة، هو عيّن رئيس الحكومة». يردد: «ما أبشع التحريض الطائفي». هذه ببنين، تحاول عينا أبو فاعور أن تلتقطا المشهد كاملاً. كل شيء يجتمع في هذه البلدة ـــــ المدينة: الفقر، التدين، التطرف، التحزب، الجوع، المرض، الكثافة السكانية، و... انقطاع الكهرباء والمياه. يتصل الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بحبيش، يجيبه الأخير: «نعم حبيبي، إيه عيوني..».
بعد الترحيب في مركز الشؤون الاجتماعية ـــــ ببنين، يستهل دور أبو فاعور كلمته بالتأكيد :أنا من منبت وبيئة شبيهين بما أراه وأسمعه هنا (...)». تخبره مديرة المركز بأن عدد الأطفال في الحضانة تراجع من 37 إلى 5 بعدما رفعت الوزارة الاشتراك السنوي من 15 ألف ليرة إلى 25 ألفاً. يلتقط الوزير المعلومة ويتجه إلى الطابق الثاني، يكتشف أن عيادات الأسنان التي اشترت الوزارة معداتها لم تعمل بعد، فيتصل برئيس الجامعة اللبنانية ويتفقان على الانتهاء من هذا الملف الأسبوع المقبل. أثناء مغادرته، ينتبه أبو فاعور إلى موظفة تدعى هالة الحلو تتابع قضايا اللاجئين، يقول لحبيش إنها من أكثر الموظفات كفاءة واحتراماً لعملها، ويخبره بأن ثمة مراقبين اجتماعيين ممن التقاهم أخيراً كانوا يبكون أثناء حديثهم عن أوضاع بعض اللبنانيين الذين يصادفونهم. يقاطعهما اتصال النائب زياد القادري بأبو فاعور فتستعيد السيارة مرحها. يشتكي رياض رحال في مركز حلبا ـــــ المحطة الثانية من المستوى الطبي السيئ في بعض المستوصفات. فيما يسأل أحد مستشاري الوزير زميلاً له عن سبب وجود مستوصف للشؤون الاجتماعية على بعد أمتار قليلة من المستشفى الحكومي، ويلفت نظره إلى أن المعلومات عن المرضى ودوام الموظفين، غير ممكننة، تسجل على الدفتر.

«حفاضات» و«عكازات»

في الطريق إلى مركز arc en ciel يلفت حبيش نظر أبو فاعور إلى مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي حيث ارتكبت مجزرة حلبا الشهيرة، أبو فاعور معجب بثبات القوميين. في المركز، يكاد رياض رحال أن «يتشردق» بالمياه التي اكتشف وهو يشربها أن اسمها «شام». لاحقاً «يكبس» رحال حبيش أثناء تغييره ثيابه في مخزن «الحفاضات». يجول أبو فاعور في مصنع العكازات، يهمس «انظر الفرق بين القطاعين العام والخاص». المسبح رائع. لولا ربطة العنق، لسبح خالد زهرمان. ينضم إلى السيارة «أبو علي»، وهو مسؤول الحزب الاشتراكي في عكار. يلفت «أبو علي» نظر الوزير إلى لافتة تقول: عكار لم تعرف الخير إلا من خلالكم يا أحفاد بني معروف. ويعدد عدة أسماء لعكاريين علّمهم الحزب، أبرزهم مسؤول مؤسسة فارس ورئيس اتحاد بلديات الجومة سجيع عطية. في بلدة البيرة، يشرح «أبو علي» أن اسمها «بيرة الحكم» لأن الإقطاعيين كانوا يصدرون هنا أحكام إعدام الفلاحين. في نهاية الجولة، سيستنتج أبو فاعور أن «الرفيق أبو علي» سيكون آخر بروليتاري غاضب من الإقطاع وعليه في هذا العالم.
في القبيات، الجولة سريعة. فالموظفون يهمهم أمر وحيد، أحضرت معك أجورنا؟ يؤكد لهم أبو فاعور أن أجورهم ستوطّن في أحد المصارف بدءاً من شهر آب المقبل. يكرر رحال خبر الوزير بصوت عال، حتى ليبدو وكأنه «صاحب الهدية» لا الوزير. ومن القبيات إلى بلدة عكار العتيقة، يتذكر أبو علي أن «الرئيس وليد جنبلاط» شق هذه الطريق حين كان وزيراً للأشغال العامة. يرتسم هنا واحد من أجمل المشاهد العكارية الخضراء. ينبّه حبيش الوزير إلى أن معين المرعبي أطال الطريق ليريه اللافتات التي رفعها من أجله.. ليتبين بعد دقائق أن منزل المرعبي ليس إلا البرج الذي تحمل قرية البرج اسمه: قصر رائع لم يعرف المقيمون فيه قيمته فأساؤوا ترميم بعض أجزائه. ونظراً لحماسة الزائر السعيد لقصره، يجد الضيوف أنفسهم فجأة في غرفة نومه، يريهم العقد الاستثنائي والبنادق المحيطة بسريره الزوجي. لاحقاً، في منزله، سينسى المرعبي أنه لم يأكل كنافة لأن «سكّرها كثير» فيلتهم أربع قطع «زنود الست». اجتماع العمل ينتهي سريعاً، فباستثناء الورقة التي أعدها المرعبي، لا يحمل النواب أفكاراً لمشاريع إنتاجية تحمّس الوزير ليباشر دعمها. ولم يكد أبو فاعور يسمع بمعمل سجاد تملكه الوزارة متوقف منذ خمس سنوات عن العمل، حتى قفز إلى سيارة حبيش وانطلقوا جميعاً صوب بلدة تكريت. وما هي إلا دقائق في المصنع، حتى كان أبو فاعور قد أخذ القرار بإعادة تشغيله، فيما كان هادي «يتلقط» بأحد المعوقين عقلياً ليتسلى بزملائه.

النواب والنواب السابقون: لا طلبات

في المخيم الذي تنظّمه دائرة العمل التطوعي في الوزارة حيث الأجواء كشفية، كاد الوزير ـــــ الناشط في مخيمات كهذه منذ طفولته ـــــ يطير من الفرح. نسي الوقت فيما كان النائب نضال طعمة يرد «ضرب» حبيش بمعوق عقلي آخر أرسله طعمة هذه المرة إلى حبيش ليطلب منه خمسة آلاف ليرة. لاحقاً تفقد الوزير مركز وزارته في القصر البلدي الذي تكفل نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس ببنائه لبلدية رحبة، حيث اكتشف أن المركز يفتقد بنحو أساسي موظفاً إضافياً وبعض الأدوية، كما تفقّد الملعب الرياضي الذي تكفلت الوزارة بإنارته.
من رحبة إلى بينو حيث يحل منزل عصام فارس محل عشرات المراكز التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. هنا يجتمع 8 و14: النواب الحاليون والسابقون، يحتشد الصحافيون وأعضاء المجالس البلدية والمخاتير ورجال الدين. كلمة نجاد عصام فارس الترحيبية مختصرة جداً، يقو إن إطلاق سراح نمو عكار يكون عبر إنجاز تحويلها إلى محافظة. أما أبو فاعور فتوقف في كلمته عند أهمية اجتماع كل المعنيين بإنماء عكار وشؤون العكاريين في هذا المنزل.
بعد الغداء، جولة سريعة للوزير في محمية فارس، تصبح مغادرة عكار بعد انتهائها مسموحة. لكن الوزير الذي لم يتمكن من زيارة مركز لوزارته في بلدة غالبية سكانها من الطائفة العلوية، مر بمنزل النائب السابق وجيه البعريني، وهناك كان الحشد الأكبر: نواب سابقون، رؤساء مجالس بلدية ومواطنون. لمح أبو فاعور صورة البعريني مسلّماً على الرئيس السوري بشار الأسد تتصدر الصالون وسمعه يشدد على وجوب حماية المقاومة، لكنه لم يحصل على الطلبات التي يبحث عنها لمشاريع إنمائية.
إلى السيارة لآخر مرة في هذا اليوم الطويل، طلب من مرافقه أن يدله على زمور الخطر، لكنه تراجع عن الضغط عليه بعدما لاحظ عجز السيارة التي أمامه عن السير بسرعة أكبر: «لاحقاً، حين أرى واحد معنطز بسيارته سأنقزه». الاكتشاف أمس لم يكن وائل أبو فاعور الذي يحاول أن يكون تقدمياً اشتراكياً، ولا معين المرعبي الذي يعيش في قصر أجداده، ولا زمامير خضر حبيب، ولا ربطة عنق خالد زهرمان، ولا «وزارة» عصام فارس للشؤون الاجتماعية؛ رياض رحال هو الاكتشاف، فهذا الرجل ـــــ عكس بياناته ومواقفه السياسية ـــــ مهضوم جداً ومرح، ولو كان صوته جميلاً في الطرب لأمكنه جدياً منافسة النائب السابق مصطفى علوش في كل شيء.



عين على الفقر وأخرى على «الحيتان»

الإنجاز بالنسبة إلى الوزير وائل أبو فاعور يكون بتفعيل المراكز القائمة. ولديه مشروعان أساسيان جديدان للوزارة، هما: رعاية الحوامل ومرضى التوحد، إضافة إلى انطلاق العمل خلال ثلاثة أسابيع بالدراسة الإحصائية للأسر الفقيرة في لبنان، تمهيداً لتخصيص هذه الأسر لاحقاً بمجموعة تقديمات اجتماعية وتربوية، منها إعفاء أبنائها من الرسوم المدرسية، ومنازلها من بعض رسوم المياه والكهرباء، التزاماً من الحكومة اللبنانية بـ«مشروع استهداف الفقر» الممول من البنك الدولي. فليحلم الفقراء، أحلام وائل أبو فاعور كثيرة: يريد وقف دعم المازوت الذي يستفيد منه التجار و«الحيتان»، وإعطاء المازوت للفقراء مجاناً.