بالصرماية

لم يخطر ببالي يوماً، أنني سأقتنع بالعنف كأسلوب نضالي «على كبر». هذا ما مر في ذهني والغضب يجتاحني لقرار وزير الداخلية الفرنسي بعدم التوقيع على ترحيل جورج إبراهيم عبدالله من أجل فتح الطريق أمام إطلاق سراحه بعد 29 عاما من الإعتقال بينها 13 عاما كرهينة خارج أي قوانين. أما قرار وزيرة العدل الفرنسية الذي جاء تتمة لهذا الامتناع، ولحبك "العقدة" القانونية بطريقة غير قانونية، كما فهمنا من محاميه جاك فيرجيس، الذي سيعترض بطريقته على هذه البهلوانية القضائية الفارغة، فقد حوّل هذا الغضب الى قناعة مرّة مفادها أن بعض الحكومات، مثل بعض الناس..لا تفهم إلا بالصرماية.

ولقد شعرت بأن هذا الذي حصل معي، هو تعدِّ موصوف على ما يحق لي طبيعيا من الروية في هذه السن، حسب نظرية والدي. فأن تؤمن بالعنف على كبر هو شيء ضد الطبيعة. ولقد كان الوالد يتسلى ساخراَ من "العنفوان" المراهق لأولاده بقوله ان «الإنسان في العشرين يريد تغيير العالم، في الثلاثين يتنازل ليصبح همّه تغيير بلده، في الأربعين سينحصر همّه بمحاولة تغيير محيطه، اما في الخمسين فهو لن يطمح بأكثر من توقيف التدخين!». وبالطبع، لم تكن النظرية تعجبني، لا بل أنها كانت تغضبني وتدفعني الى تحدي الوالد الذي كان واثقاً، وثوق من جرّب «تصليح العوجا»، وفشل.
وعبر الأيام فهمت أن العالم، وليس فقط الوالد، يتبنى هذه القناعة: فإسرائيل مثلاَ، لا تسمح لمن هم دون الخمسين بالصلاة في المسجد الأقصى في أيام الإنتفاضة، كما أنها تراعي هذا المعيار في السماح او عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعبور للعمل في أراضيهم المحتلة أجراء. ويعتبر معيار السن أساسيا في تصنيف مخابرات العالم وأجهزته لمدى خطورة الأفراد، كما لا يطلب مثلاً في مصر ممن هم فوق الخمسين الحصول على تأشيرة دخول، على أفتراض أننا في هذا السن، نكون قد هدأنا، وسكن في دمائنا ذلك الإندفاع الطبيعي لمحاربة الظلم.
لكن، القرارين الفرنسيين اللذين ينمان عن حقد شخصي أكثر مما ينمان عن عقلية دولة، جعلاني أحس كما لو كنت قد فتحت البرميل بالمقلوب. كنت أقف امام السفارة الفرنسية أرتجف من الغضب، الى جانب عائلة جورج وأهل بلدته القبيات، والذين كانوا قد أتوا العاصمة والدنيا لا تسعهم، بقصد استقبال إبنهم في المطار، فإذ بهم يجدون أنفسهم يفورون من الغضب أمام السفارة الفرنسية.
الرمل والحجارة التي أُمطرت بها السفارة التي ترقد بسلام منذ زمن طويل في بلاد سايكس بيكو المرّوضة بتزييف التاريخ وحماية الطوائف الغبية، كانت تحلّ على قلبي برداَ وسلاماَ، برغم كل ما يقوله «العقل» والعمر. طبيعي. فعندما يصفعك أحدهم، سترغب آلياً بردّ الصفعة. لكن، هل هذا فعلا ما سيكون عليه الرد؟ إن إعلان وزيرة العدل الفرنسية عن نيتها استئناف قرار إطلاق السراح، يوازي إعلان حرب خارج اية قواعد قانونية على فرد معتقل ورهينة، عبر انتهاك حقوقه كلبناني مسجون ظلما في فرنسا، فهل هناك من سيضبط الناس والمتضامنين في منطقة تتجاور فيها الفوضى غير الخلاقة والكثير الكثير من المصالح الفرنسية؟.
وماذا عن لبنان الرسمي؟ إن كل ردّات فعل المسؤولين لا ترقى الى المستوى المطلوب من دولة تعرضت لإهانة. فالصفعة الفرنسية غير الديبلوماسية طالتهم وأظهرتهم مجرد «طراطير»، لا وزن لا لكلامهم ولا لتمنيهم إطلاق سراح لبناني، كان يجب ان يكون، على افتراض انه مجرم، يقضي عقوبته على الأراضي اللبنانية. صفعة، أتبعتها وزيرة العدل الفرنسية أمس ببصقة، سقطت عليهم من علٍٍ من فمِ جلفٍ متعالٍ.
يستحضر السلوك العدائي الفرنسي الموشى برغبة سافرة بالإنتقام، السلوك الإسرائيلي الذي أحسسنا بشحنة هائلة من الكراهية فيه، لدى تحرير الدفعة الأخيرة من الأسرى مقابل جثث 3 اسرائيليين، من دون سمير القنطار. هل تريد فرنسا من اللبنانيين أن يفكروا بشيء مماثل؟ هذه هي الرسالة التي يرسلها القراران الفرنسيان. فهل سيستطيع آل عبدالله الدفاع عن سلمية تحركهم؟ هم الذين حموا السفارة الاثنين الفائت من هجوم الشباب الغاضب بقولهم ان "السفارة هي بحماية الشعب اللبناني"؟ اجتاح التضامن مع جورج بلدانا أخرى كغزة وفلسطين والأردن. فمن يضمن سلمية التحركات؟ ومن يضمن سلامة مواطنين فرنسيين أبرياء ذنبهم أن حكومتهم تريد أن تكون مومس السياسة الأميركية التي أنتجت، من بين منتجاتها الرهيبة، غوانتانامو؟
تدفع الحكومة الفرنسية بالخيارات الى أقصاها. كأنها تستدرج العنف لتبرير إلغاء قرار إطلاق سراح جورج بالتعطيل. كأنها تريد القول: هؤلاء الذين يدعون أنهم أبرياء : أنظروا ماذا يفعلون. فهل يجب على آل عبدالله او أهل القبيات أن يسلكوا سلوك آل المقداد، لتحرير رهينتهم من براثن عملاء الإنتقام الاميركي؟ لقد حررت تركيا رهينتين من رهائن أعزاز «بفضل» خطف مواطن تركي، فهل يكون الحل بشيء مشابه؟
لولا آلاف الشرفاء الفرنسيين الذين ناضلوا ولا زالوا من أجل حرية جورج، ولولا كثرة منهم لا زالت تحفظ شرف فرنسا بنضالها من أجل فلسطين وقضايانا المحقة، لربما كان الجواب واضحاً.
اليوم، بعد ان خلفت ورائي، ومنذ زمن طويل سنوات المراهقة، بت على قناعة بأن العنف وحده ربما يكون مجدياً في مجتمع الغاب الدولي. «هيدي عالم ما بتفهم إلا بالصرماية»، قال لي مرة أحد الأصدقاء الأسرى المحررين. وحين يقول هؤلاء "بالصرماية"، لا يكونوا يقصدون مجرد ..الصرماية.

يوتيوب فيديو
قذائف منتظر الزيدي بتعليق فارس عوض -الجزء الأول
التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/18/2013 10:01:41 AM

شكراً ضحى شمس

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/18/2013 6:54:09 AM

عزيزتي ضحى في يوم ليس ببعيد، رمى د. ميشال غريب كأس الشمبانيا في وجه السفير الفرنسي ودخل السجن، ورفض كثير منن القضاة التحقيق معه لأنهم تلامذته. كان السفير يتبجَّح بأن اللبنانيين همج طورتهم حضارةالغرب. أهين السفير، وأهينت دولتنا العليَّة بالإقتصاص ممن يدافع عن كرامتها. فهل تكفي الصرماية التي ليست مجرد صرماية سمير شمس

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/18/2013 1:12:01 AM

صرماية واحدة لا تكفي! نحتاج إلى محلّات أحذية، ويستحسن أن تكون هذه ذات مقدّمات مدبّبة وكعوب عالية دقيقة! ضحى، هل تذكرين "لويس الرأس المقطوع" عماد خشّان في هجائه فرنسا.. فرنسا الوجه الآخر.. ذات سجال مع بيار؟ أمّا بعد، فلعلّ هذه الأسابيع الإضافيّة من عمر الأسر هذا تأتي بما لم تأت به ثمانٍ وعشرون سنة وربع السنة، فتعلم ملايين من البشر حكاية مظلمة جرت وقائعها في بلاد الأنوار عسانا نرى ونبصر. هيفاء ذياب

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/19/2013 12:57:03 PM

العزيزة هيفاء، كيف الحال؟ شكرا لضحى وللاخبار اللذين يجمعاننا في صحيفتهم\بيتنا للزيارة والحديث في شؤون وشجون الامة. وبما انك قد اعدت الى الحياة "لويس الرأس المقطوع" فلا بد من ان يظهر لويس مجددا. نشأت وترعرعت في لبنان وكنت شاهدا على انبهار البعض بالغرب عموما وفرنسا خصوصا. انبهار كلمة لا تفي الحال حقه. كنت ارى واسمع واقرأ واشاهد مستوى الخراعة عند البعض. مخروعين ادق من منبهرين في وصف تلك الفئة والتي غالبا ما تحركها دوافع طائفية وعنصرية في حب فرنسا الذي كان يرافقه كره للعرب والاسلام وللمسيحيين الذين لم ينهبلوا بفرنسا والغرب ورأوه كما هو، دول استعمارية لا تعرف رحمة ولا شفقة. حين يذكرون فرنسا اتذكر الجزائر وشهدائها المليون واكثر. حين يذكرون اميركا اتذكر فيتنام وهيروشيما والعراق. وحين يذكرون بريطانيا اتذكر فلسطين وايرلندا والهند وشنغهاي واعرف انه حيث يمضي الانجلوساكسوني يتبعه الموت والدمار. اما عن المانيا فحدث ولا حرج. رحلت تلك العصابات عن بلادنا وسلموا الامور في لبنان وغيره لفئات تشعر بالدونية للغرب وفي نفس الوقت هي مدانة له بانه سلمها الحكم من بيروت الى مسقط ومن الرياض الى الرباط. وفي الوسط اتحفونا باسرائيل (الشخاخ الذي ينام ليس على الطرف بل في الوسط ليبلل كل من حوله). فرنسا وبريطانيا دول فقيرة بحد ذاتها ولولا نهبها المستمر لبلادنا وغير بلادنا لعادوا الى الكهوف كما كانوا. ولكن الحمد لله اموال العرب للغرب. اين اموال القذافي وبن علي ومبارك وغيرهم من اللصوص؟ في بنوك الغرب. ما العمل؟ الصرماية يجب ان تكون من نصيب اذنابهم في بلادنا. اما الغرب فليس له الا اللغة التي يفهمها. وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. لويس الرأس المرفوع

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/17/2013 11:57:14 PM

أما أنا فأرى أن الصرماية وأخواتها ضرورة قصوى للعيش على هذا الكوكب المتوحش، من يريد الحياة على الأرض بكرامته عليه أن يتقن فن الصفع والسحسحة(الضرب على الرقبة) وفن الضرب بالعصا، والأهم عليه أن يعلم كيف ومتى وأين عليه الإستعانة بهذه الأدوات العظيمة، وأساس هذه المعرفة تكمن في معرفة طبقات الأعداء فمنهم من لا يفهم إلا بالعصا ومنهم من يحتاج إلى الصرماية، وهكذا دواليك.. إنطلاقاً من ذلك يمكن الجزم أن دعاة السلام لم يعرفوا حقيقة هذا العالم بل يمكن القول أن بعض هؤلاء تنطبق عليهم نظرية المؤامرة حتى.. ولكن في المقابل يجب الإلتفات إلى عدم المبالغة في إستخدام هذه الأدوات على قاعدة "لا تطخوا ولا تكسرلو مخو" (والمثل يناسب موضوعنا تماماً)كما يفعل قباضايات تنظيم القاعدة.. إذ أن الفن الحقيقي يكمن في القدرة على التلويح بالعصا دون إستخدامها وتحقيق نفس النتائج التي يمكن أن أن يحققها تكسير العصا على رأس الخصم، كما يفعل حزب الله مثلا فبعد تاريخ طويل من تكسير راس إسرائيل لم تعد المقاومة بحاجة إلى أكثر من إشارة خفيفة بأصبعها لترعوي إسرائيل!! لذلك بين العنف الشديد واللاعنف ينبغي إختيار خط وسطي بين الخطين.. طبعاً لدينا رجل "عظيم" إبتكر نظرية رابعة عجيبة وغريبةبحيث يستطيع الإنسان أن يفقأ الأعين ويقطع الأيدي ويمنع النوم عن الخصم..سلمياً!!! وهو بالطبع "سماحة" الشيخ أحمد الأسير.. لذا أقترح على السيدة ضحى وأصدقاء المناضل جورج عبد الله(فرج الله عنه) أن يستعينوا بخبرات الأسير من يدري ربما يستطيعون أن يمسحوا فرنسا من الوجود..سلمياً!!! ...ممانع حزين

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/17/2013 11:23:06 PM

مقال رائع ..ولكن أن تقتصر قناعة إختيار العنف على صغار السن فهذا إختيار لاتسنده خيارات عمليه أو حتى إيديولوجيه , والحقيقه أنه قناعه حياتيه تنتج عن ممارسات فكريه وعمليه .

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم