طمأنة وزير المال المصري، المرسي السيد حجازي، إلى أن اقتصاد بلاده يمضي قدماً نحو طريق التعافي واستعادة الاستقرار، وتأكيدات الحكومة بأن الإجراءات الاقتصادية التي تطبقها ليست مرتبطة بقرض صندوق النقد الدولي الموعود، لا يبدو أن لها مكاناً على أرض الواقع. المتأمل في تصريحات الوزير والحكومة يخيل إليهما أن الأمور على خير ما يرام، إلا أن المؤشرات الاقتصادية تثبت العكس في ظل تدهور اقتصاشدي يُعَدّ الأسوأ في الأشهر الأخيرة. وهو ما ترجم في عدد من الأزمات الاقتصادية، بينها أزمة انقطاع في السولار التي عطلت حياة المواطنين، وانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل تراجع احتياطي النقد الأجنبي، حتى أصبح بالكاد يكفي لاستيراد احتياجات البلاد من الخارج لـ3 أشهر، إضافة إلى ارتفاع الدين الخارجي المصري إلى ما يناهز 35 مليار دولار. هذا الوضع لم يكن ينقصه ليزداد سوءاً سوى التسريبات التي تتحدث عن تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار، وهو القرض الذي تعوّل عليه الحكومة للبدء في الخروج من أزمتها الاقتصادية.
السبب الرئيسي للتعثر، بحسب ما يقول الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي، وائل جمال، لـ«الأخبار»، يعود إلى تحفظ الصندوق على برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي قدمته الحكومة للصندوق تمهيداً لنيل موافقته على القرض. وتكمن المشكلة من وجهة نظر الصندوق في تأجيل الحكومة العمل في قرار رفع ضريبة المبيعات التي كانت قد أقرتها على 50 سلعة، في مقدمتها الغاز والكهرباء، في كانون الأول الماضي. يومها وجه مرسي الحكومة بتعليق العمل بالقرار خوفاً من ردّ الفعل الشعبي الغاضب، وخصوصاً أن هذه الضرائب، إذا ما عُمل بها، ستؤدي إلى ارتفاع إضافي في أسعار السلع الرئيسية، ما من شأنه زيادة النقمة على أداء الحزب الحاكم، حزب الحرية والعدالة، الأمر الذي ستتجلى تداعياته في صناديق الانتخابات خلال الانتخابات النيابية المقبلة.
أما اليوم، فيراهن مرسي والحكومة المصرية على إمكان الضغط على الصندوق للحصول على القرض، دون المضي قدماً في جميع الإجراءات المطلوبة من قبله، على اعتبار أن رفض الصندوق للقرض سيجعله يتحمل جزءاً من مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يتوقع أن تواجهه البلاد.
وهو ما يفسر أسباب رفض الحكومة المصرية للعرض الجديد الذي قدمه الصندوق قبل أيام والقائم على منح مصر تمويلاً عاجلاً ومؤقتاً بـ750 مليون دولار، من دون أن تكون مجبرة على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي بالكامل.
إلا أن تصريحات أحد الدبلوماسيين الغربيين لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، أمس، تظهر أن الصندوق من غير الوارد قبوله بهذه الطريقة «من الضغط»، وخصوصاً أنها تنطوي على حد وصف الدبلوماسي على «سوء فهم عميق لكيفية عمل صندوق النقد الدولي، فمن واجبات مجلس إدارة الصندوق أن يضمن سداد القرض، فيما أن البرنامج الضعيف الذي قدمته الحكومة في القاهرة لا يضمن هذا».
وفي حال تعثُّر الحصول على القرض، كما بات يرجح غالبية الخبراء، ستشهد البلاد تفاقماً في أزمتها الاقتصادية ومزيداً من الانهيار في قيمة الجنيه المصري. عند هذه النقطة يوضح جمال أن الحكومة تتحمل مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع، وخصوصاً بسبب اعتمادها لسياسيات اقتصادية خاطئة. وعلى الرغم من تأكيده أن الوضع اليوم لم يصل بعد إلى مرحلة الكارثة، أكد أنه لا حلول سحرية للأزمات الاقتصادية الراهنة، وإنما هناك حاجة إلى العمل على درجة من الجرأة والديناميكية لأن السياسات الاقتصادية السابقة أثبتت فشلها ولا بد من البحث الجدي في الخيارات الأخرى المتوافرة.
هذه الخيارات، يؤكد جمال، أن في مقدمتها هيكلة سليمة لنظام الضرائب وعدم تحميل عبئها الأكبر للفقراء، فضلاً عن فرض ضرائب على البورصة التي هي شبه معفاة من أي ضريبة، كذلك تحدث عن إمكان فرض ضراب مرتفعة على العقارات التي تعود للأغنياء، وعلى الأقل رفع الحد الأعلى للضريبة التصاعدية التي تقدَّر حالياً بـ 25 في المئة، ليساوي على الأقل ما هو مفروض في الدول الأوروبية والأميركية، حيث لا يقل عن 35 في المئة في بعض من هذه الدول. وتحدث كذلك عن مدى أهمية اتخاذ قرار بالتحكم باستيراد السلع الترفيهية التي تشكل ضغطاً على احتياطي العملة الأجنبية.
مسألة أخرى لا تقل أهمية، تحدث عنها جمال، تتمثل في الانتقال إلى اعتماد سياسات تطاول الاقتصاد الحقيقي، وبشكل خاص الزراعة. ويوضح جمال أن الزراعة على سبيل المثال حققت نمواً بلغ 3 في المئة من دون أن تكون الحكومة قد اتخذت أي إجراءات لدعم الفلاحين، مؤكداً أن هذه النسبة سترتفع أكثر في حال توفير الدعم. وهي خطوة تظهر انعكاساتها الإيجابية فوراً على الاقتصاد. فمن جهة ستؤدي إلى تحسين الإنتاج ورفع مستواه وبالتالي تخفيف الضغط على العملة الصعبة، وخصوصاً أن مصر تستورد ما بين 50 إلى 60 في المئة من احتياجاتها من القمح من الخارج وبالعملة الصعبة، فضلاً عن عدد آخر من السلع الأساسية.
من جهةٍ ثانية، سيؤدي هذا الدعم إلى تحقيق بعض من العدالة الاجتماعية، ولا سيما أن الحكومة بحاجة إلى تبني سياسيات اقتصادية محورها الشعب وليس حيتان المال والأعمال. أما عن أسباب إصرار الحكومة على الحصول على القرض من صندوق النقد الدولي دون اعتماد هذه الخيارات المتوافرة لها، فيرجعها جمال إلى سببين رئيسيين؛ الأول وجود اعتقاد لدى هذا الحكومة بأنها عبر تبني هذه السياسة الاقتصادية تغازل الاستثمار الأجنبي، لافتاً إلى أن هذا الكلام فارغ وغير حقيقي.
أما السبب الثاني، فهو أن هذا البرنامج بتطبيقه سيكفل استمرار نفس الامتيازات الاقتصادية لبعض أصحاب المصالح، سواء من رجالات النظام القديم أو من رجالات النظام الحالي، وخصوصاً أن البرنامج لن يمسّ المحتكرين، إن في مجال استيراد القمح أو أي مواد أخرى، وهو ما يؤمن بطريقة أو أخرى مصالحة رجال النظام السابق.