شاعت خلال الأسبوعين الماضيين معلومات منسوبة إلى أجهزة استخبارات ودوائر دبلوماسية غربية تفيد بأن الغطاء الدولي الضامن للاستقرار انكشف عن لبنان. ونقلت وسائل إعلام غربية وعربية معلومات مستقاة من الاستخبارات الاوروبية تؤكد «أن الوضع الأمني في لبنان سينفجر خلال الشهرين المقبلين».
غير أن التدقيق في هذه المعلومات لدى دوائر دولية بيّن وقائع لا تدحض أجواء التشاؤم هذه، ولكنه أماط اللثام عن أسبابها. وفي المقابل قدمت معلومات مستجدة مشجعة تفيد بأن لبنان «اجتاز خلال الأسابيع العشرة الماضية امتحاناً خطراً على مستوى استقراره، وذلك بفضل تدخلات دولية غير مسبوقة جرت في الكواليس، وبلغت في حيويتها مرحلة إعلان حال الطوارئ الدولية لضمان أمرين: استقرار لبنان وتقديم دعم دولي استثنائي للجيش اللبناني ودوره في حفظ الامن ولجم انهيار الاستقرار.


أسباب تقدير حصول الانفجار

وفي الوقائع المتصلة بهذه المعلومات عن الكيفية التي تفاعلت فيها قضية الاستقرار في لبنان في المحافل الدولية خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، كشفت المعلومات أن مصدر موجة التشاؤم على الأمن في لبنان هو تقدير أمني تبنّته نهاية شهر آذار الماضي مديرية الحماية والأمن في مجلس الأمن الدولي. وهو يرى أن «الاستقرار في لبنان خرج عن السيطرة، وأن حجم الاحتقان داخله المتأتي من عوامل داخلية وخارجية، بات ينذر بانفجار كبير فيه في أي لحظة».
واكتسب هذا التقدير جديته دولياً من جراء اتخاذ مديرية الحماية والامن إجراءات عملية استناداً الى معطياته، أبرزها الطلب من رئاسة مجلس الأمن عدم إرسال بعثاتها ذات الطابع اللوجستي الى لبنان، إلا بعد نيلها تأشيرة موافقة منها. وعنى هذا الإجراء أن مجلس الامن وضع لبنان تحت «الملاحظة الأمنية»، ما يدخله ضمن التصنيف الأحمر، أي إنه بلد خطر.


من جديد: الاغتيالات

وبحسب المصادر عينها، فإن مديرية الحماية والأمن بنت تقديرها الذي اعتمدته رئاسة مجلس الامن رسمياً بناءً على عدة معطيات استخبارية وسياسية، أبرزها وجود إمكانية كبيرة لانتقال الصراع في سوريا الى لبنان، ووجود نشاط ملحوظ ومتصاعد داخل الساحة السنية في لبنان لمجموعات سلفية خطرة، مع بروز ميل إلى استخدام لبنان ساحة عمل ضد أهداف حددتها فعلاً، وليس الاكتفاء باستخدامه كمنصة انطلاق لدعم المعارضة السورية. والمعلومة الأبرز ضمن النقطة الأخيرة هي وجود تحضير لدى هذه الجماعات لاغتيال شخصيات لبنانية ذات تأثير كبير على الواقع السياسي والامني اللبناني، وفي مقدمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقائد الجيش العماد جان قهوجي، مع ضباط آخرين. والهدف من اغتيال هؤلاء توجيه ضربة تسهم في تفكيك الجيش اللبناني، وهو أمر بات هدفاً مركزياً لهذه الجماعات الساعية إلى شل قدرة الجيش على مواجهة مشروعها الخاص ببناء حيثيات ديموغرافية صافية أمنياً لها في أكثر من منطقة لبنانية. وتكشف هذه المصادر أن المراجع اللبنانية المستهدفة بالاغتيال أبلغت حديثاً وجوب الحذر. وتؤكد مصادر أمنية أن هذه المعلومات هي حديثة ومن مصدر موثوق، ولا صلة لها بالمعطيات والتقديرات التي أبلغتها أجهزة أوروبية قبل أشهر إلى السلطات اللبنانية.
وثمة استنتاج يفيد بأن هذه المجموعات التكفيرية توقعت هجوم الجيش السوري على القصير وريفها، ولذلك أخذت تتحسب من أنها قد تضطر إلى «الهجرة» من ريف حمص الى شمال لبنان كخطوة لاستيعاب «صدمة» إنهاء وجودها في تلك المنطقة، ما يوجب عليها إعداد مكان إقامتها الجديد أمنياً وعسكرياً.
وتؤكد المصادر أن لبنان فعلياً مرّ خلال شهري نيسان وحزيران الحالي بقطوع مهم هدّد استقراره، وأن أحداث صيدا الأخيرة لو لم يُتعامل معها بالحسم المطلوب والمؤيد دولياً، لكان لبنان دخل عملياً تطبيقات خطة الجماعات التكفيرية، وانفجر استقراره على نحو لن يكون بالإمكان تهدئته.


أوباما يرفع مستوى المتابعة

وتبيّن هذه المصادر أن كلاً من القيادة الوسطى في الجيش الأميركي والبنتاغون، إضافة الى دوائر متخصصة في الاتحاد الاوروبي، تعاملت مع تقدير مديرية الحماية والأمن في مجلس الامن بجدية بالغة، وأنشأوا «سياسات طوارئ عملية» لتلافي انهيار الاستقرار في لبنان. ونصحت القيادة الوسطى في الجيش الأميركي بانتقال واشنطن من سياسة تقديم الدعم الذي تراه مناسباً للجيش اللبناني الى مرحلة تقديم الدعم العاجل الى هذا الجيش. وعبّر مساعد وزير الدفاع الأميركي ديريك شوليه، في محادثة خاصة، عن هذا التطور عندما ركز على الإشارة التي تحملها الزيارة الأخيرة (حدثت منتصف هذا الشهر) لوفد هيئة أركان الجيش اللبناني الى الولايات المتحدة لجهة أن المحادثات خلالها ستؤدي الى «تحديد السبل الأفضل» لدعم الجيش.
وكشف شوليه عن اتصالات أجراها البيت الابيض عبر مسؤولين أميركيين (مساعد وزير الخارجية لاري سيلفرمان) لوقف جولة العنف الأخيرة في طرابلس وتشجيع القوى الامنية على بسط سيطرتها هناك.

أشتون تتابع ملف دعم الجيش

أما في الاتحاد الاوروبي فتم على نحو استثنائي، خلال الاسابيع الاخيرة، إيكال مهمة المتابعة الجارية لملف «الحرص على الاستقرار في لبنان» الى المسؤول الثاني فيه بعد مسؤولة الامن والسياسة الخارجية كاترين أشتون، وهو الفرنسي بيار فيمون، الأمين العام التنفيذي لجهاز العمل الخارجي الاوروبي. وكشف فيمون لدبلوماسيين التقوه أخيراً أن «لبنان يحظى هذه الايام باهتمام خاص في أوساط الاتحاد الاوروبي، وهناك حالة استنفار في الدوائر الاوروبية لتحديد السبل الآيلة الى مساعدته في الامور التي تمس استقراره». وأكد فيمون أن «الأمر العاجل الذي يهتم به الاتحاد الاوروبي راهناً هو تجسيد قرار دولي بدعم الجيش اللبناني، وذلك عبر توفير معونات له تمكنه من القيام بمسؤولياته لفرض الاستقرار، إضافة إلى تطوير عمل الأجهزة الامنية وتحديثها» .
وبحسب معلومات مؤكدة وصلت إلى بيروت من الأمانة العامة للاتحاد الاوروبي، فإن «ملف ترجمة الدعم الأوروبي للجيش اللبناني وضع في عهدة أشتون المباشرة». وأضافت «إن تواصلها بشأنه يتم مباشرة بينها وبين رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي»، وان زيارة أشتون للبنان، قبل أيام، تأتي في جزء كبير منها «لدعم دور الجيش اللبناني في لجم انهيار الاستقرار»، وأيضاً لبحث ملف النازحين وتأثيره في هذا المجال.