يزداد عدد اللاجئين السوريين بوتيرة مقلقة، إذ يقدّر عددهم في لبنان اليوم بمليون لاجئ، مقارنةً بمئتي ألف لاجئ تقريباً منذ عام. وينتشر هؤلاء في المناطق اللبنانية كافة. وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 420.044 لاجئاً مسجّلون اليوم من بين مليون لاجئ، إذ يُسجّل 90.000 لاجئ شهرياً، ويحاول 4.000 الاتصال بالمفوضية يومياً.
ويفتقر اللاجئون إلى إمكانية الوصول إلى الصحة أو التعليم، حيث بات عددٌ كبير من النازحين السوريين بلا مأوى وبحاجة إلى المساعدة للحصول على الملجأ والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وإن 75% من اللاجئين هم من النساء والأطفال. أضف إلى ذلك بروز ثغرة كبيرة في الاستجابة في المدن، حيث بدأت التجمّعات غير المنتظمة تتشكل في غياب خدمات الصرف الصحي أو الوصول إلى مياه الشفة. في العام الماضي، لم يلتحق سوى 30.000 لاجئ من بين 150.000 لاجئ بالمدارس، فوصفت اليونيسف الأطفال هؤلاء بـ«الجيل الضائع».
في موازاة ذلك، تراجعت الأجور للمهارات المتدنية، إذ أدّى ازدياد عدد اللاجئين السوريين إلى ازدياد اليد العاملة من الذين لا يتمتعون بأي مهارات أو يتمتعون بمهارات متدنية. وسببت هذه الظاهرة تدني الأجور، فأدّت إلى تفاقم البطالة في صفوف اللبنانيين الأقل حظوة الذين لا يتمتعون بالمهارات.
من ناحية أخرى، يعوق الفساد تحويل الأموال، ويشكل الافتقار إلى الأموال أحد أسباب عدم استجابة الحكومة اللبنانية للأزمة. فلم يتلقّ لبنان سوى 78 مليون دولار أميركي من مبلغ 1.6 مليار د.أ. تعهّدت الدول المانحة تقديمه في مؤتمر الكويت. ويشير البعض إلى أنّ الأسباب وراء ذلك سياسية بامتياز، إذ حُوّلت هذه الأموال إلى الأردن بفعل موقعه الجغرافي قرب دول الخليج. ويزعم آخرون أن استشراء الفساد في لبنان (الذي حلّ في المرتبة 127 على مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية) ثنى الجهات الدولية المانحة عن تحويل المال.
كذلك، يظهر عاملا التوتر السياسي والتهديدات الأمنية، إذ ينتشر مناخ التوتر بين اللاجئين الذين ينتمون إلى فصائل سورية مختلفة بعضها معارض للنظام والبعض الآخر داعم له. وكون معظم اللاجئين من السنّة، يؤثر على التركيبة السكانية اللبنانية، ما يشكل تحدّياً جديداً لنظام تشارك السلطة الطائفي ويفاقم التوتر السياسي الداخلي. وأخيراً، تقوّض التهديدات الأمنية على المناطق الحدودية أيضاً الاستقرار الداخلي.
إلى ذلك، تظهر الدراسات أن الحروب الأهلية غالباً ما تدوم لفترةٍ طويلة. ولكون الحكومة لم تتفق على بناء مخيمات للاجئين وإذ للعديد من اللبنانيين روابط وثيقة بسوريا، يعيش معظم اللاجئين في مجتمعات مضيفة، ما يشير إلى أن بعض اللاجئين قد يستقرّون في لبنان ويبقون حتى بعد نهاية الصراع. لذلك من المهم أن تعالج الحكومة أزمة اللاجئين، لا كمشكلة على المدى القصير، لكن كأزمةٍ على المدى المتوسط.
التوصيات الأساسية
يجب ألا تقتصر جهود التنسيق الرسمية على الجهات الدولية المانحة، بل أن تشمل أيضاً البلديات والاتحادات البلدية والمنظمات غير الحكومية، وذلك نظراً إلى ضعف المؤسسات الحكومية لمعالجة هذا التحدي، على الحكومة أن تضع خطة شاملة وتنفّذها بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في شؤون اللاجئين والتدخل الإنساني.
- إنشاء وحدة إدارة أزمات تتمتع بالقدرات الفنية على مستوى الاتحادات البلدية، إذ قد تؤدي اتحادات البلديات دور الوسيط بين الحكومة والبلديات والجمعيات المحلية والمنظمات الدولية لتطبيق خطة الحكومة. وبإمكان الاتحادات أن تستجيب بسرعةٍ أكبر للتحديات المحلية وتتفادى الإجراءات البيروقراطية التي تعوق عمل الحكومة والمنظمات الدولية. ففي المحصلة، هذه الاتحادات هي الجهات التي تتمتع بالمعرفة الفضلى للواقع على الأرض.
- مواءمة المساعدة الإنسانية مع جهود التنمية على النطاق الضيق وفق الظروف المحلية. ويجب أن يتولى فريق فني متعدد الاختصاصات ضمن وحدة إدارة الأزمات مهمة وضع الاستراتيجيات المحلية المفصّلة وفق حاجات كل منطقة وظروفها. وبناءً على قدرة المجتمعات المحلية على التكيّف، يجب تقديم المساعدة للعائلات اللبنانية التي تستضيف اللاجئين السوريين.
- إنشاء صندوق تنموي يستخدم العائدات التي تجمعها وزارة الاتصالات للبلديات والاتحادات البلدية. وعلى الحكومة أن توزّع الأموال التي جُمعت، لكن لم توزّع على البلديات والاتحادات البلدية لمعالجة الافتقار إلى الأموال. ويُقدّر أن الصندوق البلدي المستقل يحوي 1.8 مليار د.أ. فلا بدّ من أن تحفّز أزمة اللاجئين السوريين التنمية في المناطق الأكثر فقراً. ويجب أن تشارك وحدة إدارة الأزمات خبرتها في وضع خطط المشاريع التنموية تماشياً مع رؤية الحكومة.
- تيسير الفرص التعليمية للاجئين، فعلى السلطات اللبنانية أن تيسّر الوصول إلى المدارس لكلّ اللاجئين، بناءً على مثال جيد اعتمد في مدارس صيدا، حيث فُتحت أقسام جديدة للاجئين السوريين، فباتوا يختلطون مع التلاميذ اللبنانيين في الأنشطة كلّها. واعتمدت الأونروا أيضاً مقاربة جيدة، ولا سيما من خلال تمديد السنة الدراسية إلى فصل الصيف لمساعدة الطلاب السوريين على الانتقال تدريجاً إلى المنهج اللبناني لمساعدتهم على الاستعداد للامتحانات الرسمية اللبنانية.
- تنظيم حملات توعية وإعلام للاجئين والمجتمعات المضيفة، فعلى الحكومة أن توفّر الدعم إلى المجتمعات المضيفة واللاجئين من خلال التوعية. وبهدف تيسير التعاون بين الاتحادات البلدية والمنظمات الدولية والجمعيات المحلية، يجب إطلاق حملة توعية عن استقبال اللاجئين وحقوقهم ووضع دليل عن خطة الحكومة الشاملة، والترويج لها من خلال حملات إعلامية على مستوى البلد.
(الأخبار)