الرباط | تبدو تداعيات المشهد المصري حاضرة بقوة على الحركة الإسلامية في المغرب، رغم أن المملكة الواقعة في شمال أفريقيا لم تشهد ثورة أو حراكاً أفضى إلى إسقاط النظام. لكن وصول الإسلاميين لقيادة الحكومة للمرة الأولى جعل المغرب يتصدر بدوره قائمة البلدان التي ينظر إلى تجربة إسلامييها بتوجس كبير.
لا شك بأن المشهد المصري أحدث إرباكاً كبيراً لدى إسلاميي حزب العدالة والتنمية في المغرب، الذين أصبحوا يتحسسون كراسيهم أيضاً خصوصا بعد انسحاب حزب الاستقلال، أحد أبرز مكونات الائتلاف الحكومي مع «العدالة» من الحكومة على خلفية خلافات مع الحزب الاسلامي واتهامه بمحاولة الهيمنة على القرار الحكومي.
لقد تبنى إسلاميو المغرب خطاباً مؤيداً للإخوان المسلمين في مصر بعد أن قرر الفريق عبد الفتاح السيسي، عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، من السلطة. وانخرطت قواعد حزب العدالة في حملة تضامنية ضد «الانقلاب العسكري على الشرعية والديموقراطية» في مصر. لكن اللافت هو أن أعلى هيئة في حزب العدالة والتنمية وهي الأمانة العامة، تجنبت إصدار أي بيان رسمي يدين ما وقع في مصر باستثناء تنديد خجول بأحداث محيط الحرس الجمهوري.
وهو ما يفسره المراقبون بعدم رغبة جماعة عبد الاله بنكيران بالاصطدام المباشر مع المؤسسة الملكية التي سارعت إلى تهنئة الرئيس المصري الجديد، وهو ما يعني تزكية ضمنية لمسار الأمور في مصر. نفس الموقف الذي عبّرت عنه وزارة الخارجية المغربية التي يقودها وزير إسلامي، والتي تحاشت توصيف ما حدث في مصر على أنه انقلاب عسكري. واكتفى حزب العدالة والتنمية بتصريف مواقفه من خلال فريقه البرلماني وشبيبة حزبه وحركة التوحيد والإصلاح (جناحه الدعوي) وبعض تصريحات قيادييه، فيما حرص بشكل شبه رسمي على أخذ مسافة مناسبة من تجربة الإخوان المسلمين في العالم. وهو ما تفسره التأكيدات الدائمة لقادة حزب العدالة والتنمية على أن لا علاقة لمشروع حزبهم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، حتى أن زعيم الحزب بنكيران، أسرّ للباحث في الإسلام السياسي آفي شبيغل، بأن إخوان مصر ليسوا إخوانهم، حسبما نقلت عنه «فورين بوليسي».
وجاءت تصريحات الرجل النافذ في الحزب الذراع اليمنى لرئيس الحكومة عبد الله بها، لتؤكد هذا التباعد في المسافة بين الجماعتين، إذ انتقد في لقاء داخلي تجربة الإخوان في مصر، معتبراً أنهم ارتكبوا أخطاءً عديدة، وأنهم تصرّفوا بعقلية استحواذية ومنطق طائفي.
بالنسبة لإخوان المغرب، أصبح رأس بنكيران مطلوباً مثلما كان رأس مرسي. ودليلهم على ذلك ما وقع من تصدّع في الائتلاف الحكومي ومحاولات من بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة البرلمانية إخراج نسخة مغربية لحركة «تمرد» ودعمها للخروج للاحتجاج ضد حكومة الإسلاميين.
ورغم أن إخوان بنكيران لا يقدّمون إلى غاية اللحظة مؤشرات كافية على محاولات الربط بين ما يعتبرونه انقلاباً على الديموقراطية في مصر ومحاولات مشابهة تجرى في المغرب منذ وصولهم إلى قيادة الحكومة، إلا أن جزءاً من التصريحات التي يطلقها بين الفينة والأخرى أعضاء في حزب العدالة والتنمية تصبّ في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه إسلاميو مصر.
القاموس الذي استخدمه أعضاء حزب العدالة والتنمية لم يختلف أيضاً كثيراً عما وظفه الإخوان المسلمون لضرب التيارات السياسية الأخرى؛ فبينما يتحدث بنكيران عن «التماسيح» و«العفاريت» متجنّباً تسمية مراكز قوى داخل النظام مناهضة للإسلاميين، يصف القيادي الإسلامي عبد العزيز أفتاتي في تصريحات سابقة، أن ما يحصل داخل المشهد السياسي المغربي اليوم يمثل انقلاباً من الفلول على الديموقراطية. ويتهم «الدولة العميقة» بعرقلة مساعي الحكومة التي يترأسها الإسلامي لمحاربة الفساد.
ويقول المتحدث الرسمي باسم حزب الاستقلال (يمين محافظ) عادل بنحمزة لـ«الأخبار» عن اخوان المغرب: «ما نسمع من كلامهم مشابه جداً لما كان يقوله مرسي، هذا يؤكد فقط أنهم عاجزون عن تطوير خطاب سياسي متناسب مع بنية النظام في المغرب. هم يستوردون مشروعاً آتياً من الشرق كل هدفه هو أخونة الدولة». ويضيف أن «رئيس الحكومة يتصرف كرئيس جماعة وحزب وليس كرئيس حكومة. يعامل الوزراء كموظفين لديه. يتعامل بمنطق استعلائي وكأن الشعب معه هو وحده. وهذا سلوك لا يليق بمن يتولى إدارة شؤون الدولة. وهذا حال كل حركات الإسلام السياسي في المنطقة وحزب العدالة والتنمية ليس استثناءً».
بدوره، يعتقد الناشط الحقوقي العلماني أحمد عصيد، أن هدف إسلاميي المغرب الموجودين اليوم في قيادة الحكومة لا يختلف كثيراً عن هدف جميع حركات الإسلام السياسي في المنطقة، وهو الانخراط في مخطط لأسلمة الدولة.
ويقول لـ«الأخبار»، إن «مخطط الإسلاميين في المنطقة كلها هو نفسه، نحن نتحدث عن نفس المشروع يحمله أيضاً حزب العدالة والتنمية، وهو الاتجاه إلى استعادة دور الدين في الدولة. الخطة التي دخل بها الحزب لا تختلف عن الخطة التي دخل بها الإسلاميون في تونس ومصر، حيث ركز في البداية على خطاب إصلاحي يتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي لكسب الشرعية قبل الشروع في مسلسل أسلمة هادئة».
الإسلاميون في المغرب إذن يقرّون بوجود مساع مماثلة لعرقلة تجربتهم الأولى في الحكومة كما حدث لحلفائهم الإيديولوجيين في مصر، لكنهم يصرّون على أن يفصلوا أنفسهم تماماً عن السقوط في إسقاطات النموذج المصري، وإن أبدوا تعاطفاً مع ما يجتازه إسلاميو مصر، فهم على عكس الإخوان المسلمين وبحسب ما يسرون به فإنهم اكتسبوا تجربة أكبر من أصدقائهم المصريين وباتوا أكثر نضجاً منهم لأنهم درسوا نظامهم السياسي جيداً قبل دخول اللعبة على عكس الإخوان في مصر. لكن معارضيهم يقولون إنهم لا يختلفون منهجاً وفكراً عن التنظيم الأم في مصر، في كل الأحوال يجتاز إسلاميو المغرب منعطفا حاسما في مسار أول تجربة تدبير يقودونها، فهل يعبر بنكيران آمناً؟