ليس جديداً أن يضع النظام البحريني خصومه في موقف الإعتذار الإضطراري. فعلها مرراً، وبروح التشفي القبلي يفعلها كثيراً، وهو يرى في هذا النوع من الإعتذار شكلاً من الإخضاع والتأديب والشعور بالإنتصار.
جاء اضطرار اعتذار المدير العام لقناة «المنار» عبدالله قصير عن تغطية الاحتجاجات في المملكة بعد تهديد البحرين عبر «إتحاد إذاعات الدول العربية» بسحب عضوية «المجموعة اللبنانية للإعلام» (قناة المنار وإذاعة النور) منه، الأمر الذي يقود إلى منع بثها على قمري «عرب سات» و«نايل سات».

مادام الأمر يتعلق بالاعتذار، والمهنية والموضوعية والتلفزيون، فمن المفيد أن نسرد شيئاً من أرشيف الاعتذار وتلفزيون البحرين.

في 2011، في سعير قانون الطوارئ، أُجبرت الشاعرة آيات القرمزي، وهي في السجن، على الاعتذار أمام كاميرا تلفزيون البحرين،، بعدما «تفننت» المخابرات البحرينية (جهاز الأمن الوطني) في إذلالها وتعذيبها، وراحت القناة الرسمية تمعن في الاستخدام المهين وغير المهني وغير الأخلاقي لهذا الاعتذار. مع ذلك، لمتنكسر آيات، ومازال الناس يرددون قصيدتها، ويرفعون صورها، ويحتفلون بها في محافل الثورة وميادينها. صارت رمزاً رغم إذلال الاعتذار. وبقدرته الباهرة، حوّل جمهور الثورة آيات إلى رمز واعتبروا اعتذارها عاراً على الملك حمد بن عيسى آل خليفة وتلفزيونه.

في سياق قانون الطوارئ البحريني 2011، حاكم تلفزيون البحرين عبر برنامجه الرياضي «حدث خاص»، الرياضيين الذين شاركوا في مسيرات احتجاجية، وحقق معهم علناً ومباشرةً بشكل مذل ومهين، ووضع صوراً تُظهر مشاركاتهم، وأحاط وجوههم بدوائر حمراء مع كتابة أسمائهم، مطلقاً عليهم تهمة «الخيانة»، وواصفاً إيّاهم بأشبع النعوت. وطلب من الرياضيين تقديم الاعتذار الذي لن يقبل منهم، كما اعتقلوا بعد أقل من 48 ساعة من انتهاء البرنامج، ونكل بهم بشتى الوسائل.

ما زال تلفزيون البحرين أداة إذلال بيد السلطة. قبل عام، خيّرت الإستخبارات البحرينية موقوفي «سجن الحوض الجاف» (أحد سجون البحرين الشهيرة) بين تقديم اعتذار أمام الكاميرا للملك يناشدونه فيه بالإفراج عنهم أو سيتم ضربهم. وفي شهادتها قالت زينب الخواجه (مازالت سجينة رأي) إن السجناء الذين رفضوا تسجيل الاعتذار تم ضربهم بشدة وتم نقلهم للمستشفى وبعض الموقوفين الذين وافقوا تحت الضغط على الاعتذار، تم إخبارهم بأنه سيتم الإفراج عنهم إذا قالوا أمام الكاميرات إنهم يطالبون مسامحة الملك.

التلفزيون نفسه في العام 1999م، أجبر الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري، وبشكل مفاجئ، على الاعتذار أمام الملك الذي كان يجلس على كرسي العرش باحثاً عن لحظة تشفي. أراد أن يجعل من الاعتذار أداة انكسار، غير أن الناس لم يمنحوا الملك ما أراد، بل تلقفوا الجمري وأجبروا كسيرته ليعبروا بها إلى حيث 14 شبط (فبراير)2011. وهو ما جعل السلطة نفسها تهدم قبره في 2011 إلى جانب ما يفوق 38 مسجداً شيعياً من دون أن تعتذر أمام أحد.

التلفزيون نفسه، حوّل إدانة تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية (تقرير بسيوني) إلى مناسبة احتفالية تسجل ضمن إنجازات الملك. وبدل الاعتذار عن الإنتهاكات التي سجلها التقرير الدولي، راحت الشاشة الرسمية تضاعفها وتعري الضحايا من كرامتهم.

في البحرين، الإعتذار عن الموقف والرأي والإحتجاج السياسي، لا يهدف إلى فتح صفحة جديدة، بل إلى إخضاع المحتج لبيت الطاعة والولاء. وهو لا يتم على قاعدة «عفا الله عما سلف»، بل على قاعدة التشفي والانتقاموالقصاص غير العادل.

نحن نعتذر عن واجب لم نقم به، أو خطأ وقعنا فيه، أو إساءة اقترفناها بحق أحدهم. لكن في البحرين المطلوب أن تعتذر عن رؤيتك السياسية التي لا تتفق مع تلفزيون البحرين وملكه. وهذا ما كان مطلوباً من «المجموعة اللبنانية للإعلام». فهل يجبر لها الشعب البحريني اعتذارها، كما جبر ضحايا تلفزيون البحرين؟

*كاتب وناشط بحريني.