الجثّة لا تزال تقتل

نمت ليل الخميس في بيتي، ولما استفقت وجدت نفسي في .. مربع أمني! حواجز هويات وتدقيق بالسيارات " تحت البيت" الذي لا يبعد إلا أمتاراً قليلة عن المستشفى العسكري، ومثلها عن ثكنة الطرابلسي المجاورة. من نافذتي أنظر الى سطح الثكنة المجاورة، لأجد للمرة الاولى منذ انتقالي إلى الحارة، جنوداً مدججين، بكامل عتادهم الحربي يراقبون المكان.
في الشارع تحت المنزل، تغيير لاتجاهات السير وقطع طرق أمام السيارات وتفتيش متأنٍ. الشارع ساكنٌ على غير عادته. أسمع صوت عصافير الشجرة الضخمة في مرآب السيارات المواجه لغرفة نومي. كآن الحي عاد الى ذاكرته القروية ليرتاح قليلاً من ضجة مدينيته.

ما الموضوع؟ في الحقيقة لم أكن أعلم بأني، أنا الساكنة في حمى المستشفى العسكري، قد حظيت بجيرة مجرمٍ خطير، لا تتوقف خطورته عند شخصه، بل تتعداه إلى المجموعات الإرهابية العابرة للحدود، التي تعمل تحت إمرته. والتي لا شك ستحاول بكافة الطرق تخليصه آو قتله، لتذهب أسراره وأسرارهم معه إلى القبر. لكني، والحمد لله، علمت أن هذه الإجراءات الاستثنائية التي كان الجيش يتخذها، هي بسبب نقل الإرهابي السعودي ماجد الماجد إلى المستشفى... بقربي!
أما «الفضل» في هذه المعلومة، فقد كانت لقناة «ال بي سي» التي سربت الخبر. ومنذ تسريب الخبر، هجّ سكان الحارة إلى ملاجئ قريبة: أم جورج فضلت الانتقال إلى الضيعة «هاليومين»، كذلك فعل آل يزبك الذين لجأوا إلى منزل ابنتهم القريب في الحازمية. أما أنا، فلم يكن لدي «أوبشن» من هذا النوع. لذا، قبعت في منزلي المطل على مرأبين: واحد تحت الصالون مباشرة، كان قد تحول إلى مرأب عسكري بسبب عدد الآليات المتمركزة فيه. والثاني مقابل غرفة النوم، لجهة المستشفى العسكري، أي إنه يفصل بيني وبين حبيبي ونور عيني ماجد الماجد مجرد أمتار!
أقف خلف زجاج غرفة نومي، محاولة النظر إلى المستشفى وأفكر: ما الذي خطر ببال «ال بي سي» لكي تفشي معلومة مثل هذه، تعرض حياة الجميع للخطر: مدنيين مجاورين للمستشفى، وعسكريين سواء بسواء؟
كيف لم يخطر ببال المحرر أو مدير الأخبار أنه بفعلته هذه التي لا تفيد إلا المجرمين، قد يسبب قتل الأبرياء؟ ألم نكن في حالة انتظار لرد فعل جماعته والأجهزة المتضررة من توقيفه على سوبر الاعتقال هذا؟ انتحاري أم سيارة مفخخة؟ كيف يفعل صحفي هذا؟ ما هي الإفادة العامة من إذاعة هذه المعلومة؟ لا شيء! أليس هناك من حدود أمنية ووطنية في حالات كهذه؟ وما معنى السبق الصحفي إن كان يعرّض حياة أبرياء للخطر ولا يفيد جمهور المشاهدين بأي شيء؟! ثم جاء خبر وفاة الماجد بسبب مضاعفات مرض الفشل الكلوي الذي كان يعاني منه، وهي وفاة أكدها الجيش اللبناني، فهل انتهى الموضوع؟
بالطبع لا؛ فالتحركات التي خضّت منطقة قصقص المجاورة ليلاً، بعد إعلان وفاته، هي الإثبات على أن الجثة لا تزال تستطيع القتل! أسأل الجندي القابع في دبابته ليلاً، حين عدت إلى منزلي وأنا أشير برأسي جهة المستشفى: "ّمتى تخلصونا منه؟" فيجيب بابتسامة تعبة "وحياتك بدّنا نخلص منّو أكتر منِّك".
الاعتقال والوفاة السريعة شوّشا الجميع: أهي شائعة لاستدراك تسريبة «ال بي سي»؟ أم أنها حقيقة اضطر الجيش إلى إعلانها لاستدراك تداعيات... تسريبة «ال بي سي»؟ في الحالتين، لا مفر من القول ان القناة بخفتها المهنية غير المعتادة هذه، قد عرّضت حياتنا جميعنا للخطر، ولا تزال، حتى إخراج الجثة من حيّنا. لا أعلم إن كان من سمح بإذاعة الخبر يعرف منطقة المستشفى العسكري. فهي منطقة سكنية بامتياز، والمستشفى تقع قبالته بنايات عدة لمدنيين، ولأطباء المستشفى، وبضعة متاجر وأفران فتحت هنا على حسّ أهالي عناصر الجيش الذين يأتون من كل حدب وصوب من أجل الاستشفاء.
ما هي الفائدة؟ فكرت وفكرت.. لا شيء!. خطأ مهني آخر، يقل شاناً عن فعلة «ال بي سي»، لكنه يندرج في السياق ذاته. الخبر أذاعته «قناة الجديد»، حيث قالت مراسلتها إن الماجد لم يجب إلا عن سؤال واحد في التحقيق الأولي، هو أن السيارة التي فجرت في السفارة الإيرانية كانت قد خرجت من مخيم «عين الحلوة»!
المخيم مرة أخرى. ثم عادت القناة وأغفلت الإشارة إلى هذه الخبرية في نشرتها الرئيسية، وحتى في تقرير المراسلة نفسها مساءً. ما الذي حصل؟ هل تأكدت القناة من خطأ المعلومة؟ ولمَ لم تتأكد قبل إذاعتها؟ حسناً... لمَ لم تعتذر عنها أو تنفها في أخبارها اللاحقة؟ أم يكون الجيش قد منعها من إعادة بث الخبر؟ إن كان هذا قد حصل، فهي تدين للمشاهد على الأقل بتفسير.. والصيغ المهنية لقول ذلك كثيرة جداً! لكن، لا تفسير ولا إشارة والكثير ممن يحزنون!
أخطاء الزملاء بسبب الخفّة تصبح أحياناً لا تحتمل... وبعض الجثث لا تتوقف أذيتها عند موتها، وتستمر، بسبب أخطاء كهذه، بالأذيّة. هكذا، لا تعود غلطة الشاطر بألف غلطة... قد تصبح أحياناً، والعياذ بالله، بألف قتيل.
مبالغة؟ حسناً. حتّى مجرّد قتيل واحد، ألن يكون ذلك كثيراً؟

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا/برلين فيصل باشا/برلين - 1/5/2014 7:59:06 PM

غريب أمر هذه القناة او تلك كيف يتعاملون مع الخبر وكأنهم لم يسمعوا بهؤلاء وأعمالهم من تفجير وذبح وقتل وسحل،لقد كانت دعوة مباشرة من ال بي سي،لأنصار الفكر التكفري،للهجوم على المشفى العسكري،ولكن الحمد الله الجثة لم تكن جثة والميت لم يعيط،لقد تلطف الله بكم والا لكانت الصواريخ قد خربت المكان،على الجيش محاسبة من سرب السر العسكري الذي كان بأمكانه ان يؤدي بحياة مئات العسكريين ومئات المدنين! ليست مزحة ان هذا الرجل مطلوب لعدة دول ومن أخطر الإرهابيون في العالم! السؤال المفتوح هل مات وما هي تدعيات موته علينا،ام ان هناك صفقة ما تمت !

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم