وأخيراً، لاحظ من لم يلاحظ من قبل أن هناك في لبنان نزعات وحركات تكفيريّة ظلاميّة. لم يلاحظوا ذلك من قبل لأن راعي تلك الحركات هو نفسه راعي من يظهر بلبوس المدنيّة والتنوير. يضطرّ الفريق الثاني إلى تغطية الفريق الأوّل لأسباب الملاءمة السياسية. وعندما ينتفي الإنكار، يزعم الفريق التنويري الموالي لآل سعود أن كل التكفيريّين والظلاميّين هم من صنع حزب الله والنظامين السوري والإيراني، وعليه يكون مفجّر السفارة الإيرانيّة ومفجّر الضاحية هو نفسه مُفجّر المساجد في طرابلس. لا حاجة للتحقيقات عند ذلك الفريق: «داعش» و«فتح الإسلام» هما صنيعة أعداء آل سعود، لأن النظام السعودي لا يفرّخ إلا يساريّين وتنويريّين لأن العقيدة الحاكمة بعيدة عن التزمّت والانغلاق الديني. هذه هي السرديّة السائدة في الإعلام العربي على هزل منطلقاتها.
كان مشهد وقوف الأب إبراهيم السرّوج (بعد إحراق مكتبته) إلى جانب الشيخ سالم الرافعي مُقزّزاً، وخصوصاً أنّ الرافعي لم يتورّع عن الحديث باسم «الإسلام» _ كل الإسلام. الأب التقدّمي ذو الوجه السموح يقف إلى جانب ذي الوجه المُكفهرّ دائماً. بدا السرّوج وكأنه يتودّد للرافعي، الذي تجنّب لمس الأب الواقف مبتسماً إلى جانبه. لعلّ اللمس هذا يدخل في خانة ما يعتبره دنساً ونجاسة. لا يجوز الحكم على المظاهر، لكن سيماء الكراهية والبغضاء تظهر على وجه سالم الرافعي، وفي خطابه (المعتدل وفق تصنيف 14 آذار). هو واحد من الشيوخ الذين رعوا وأطلقوا وحضنوا الفتنة والتكفير في طرابلس على مرّ الأعوام الماضية. لكن مهما تطرّف رجل الدين في لبنان، يتجنّب الإعلام توجيه النقد له. هذا جانب من جوانب الإصلاح الضروري في لبنان. إنزال رجال الدين _ كل رجال الدين، في كل الطوائف وفي كل المعسكرات السياسيّة _ من عليائهم ضرورة سياسيّة وأخلاقيّة. لا يزال المجتمع والدولة في لبنان يتأثّران بالإرث العثماني الذي كان يعتبر رجال الدين ممثّلين أخلاقيّين وشبه سياسيّين للطوائف. هذا الإرث يفسّر جلوس أعضاء المجالس الطائفيّة المليّة مرّة في الشهر _ وقد بدأ المطارنة الموارنة هذا التقليد البشع _ لإطلاق بيان عرمرمي يتناول مجمل التطوّرات العالميّة، وصولاً إلى تفاصيل الحياة السياسيّة اللبنانيّة بما فيها قوانين الانتخابات الفضلى. رجال الدين لا يجب أن يتميّزوا في القانون في لبنان: هم لا أفضليّة في المواطنة لهم، وخصوصاً أن بعضهم (مثل الأب اغناطيوس مبارك الصهيوني، أو الأباتي بولس نعمان والأباتي شربل قسّيس أو الشيخ الشيعي المُتهم بالتخابر مع العدوّ الإسرائيلي، حسن مشيمش، وغيرهم كثر) نالوا بجدارة مواقع أدنى من مواقع المواطنة القانونيّة. كما أن رجل الدين في لبنان ينال حظوة ماليّة من دافعي الضرائب، وهذا إهانة للمواطن المتنوّر. كل التعبير الحرّ، السياسي والفنّي على حدّ سواء، الجدي أو الهزلي الساخر، يجب أن يُباح ضد رجال الدين كي لا يستفيدوا من حظوة تتعارض مع وعود المساواة الدستوريّة.
ولماذا احتاج الأب إبراهيم السرّوج المُنفتح والمستنير الى أن يقف إلى جانب شيخ ذي فكر ظلامي رجعي وذلك كي يبقى على قيد الحياة، وكي يبقى مقيماً في مدينته؟ ما هي الحماية التي يستطيع الشيخ الرافعي أن يوفّرها ولا تستطيع الدولة المتهافتة أن توفّرها، وخصوصاً أن قوّاتها الأمنيّة والعسكريّة تحتاج الى أن تنتشر أكثر من مرّة في الأسبوع، ولا يزال فوجها المُجوقل يفرض حصاراً (ظالماً وفق إعلام الحريريّة) على بلدة عرسال، التي تفتح أذرعها لجيوش وعصابات من المعارضة السوريّة؟ كان وقوف الأب السرّوج ضروريّاً من أجل أن يحظى برعاية من «الأكثريّة الطائفيّة» التي قرّرت بصرامة أن العلويّين ممنوعون من طرابلس وأن محالهم ومنازلهم مباحة للسرقة والاستيلاء. أفتى شيخ أو أكثر في المدينة بذلك، وهذا كل ما يقتضي من أجل أن يرتكب الأوغاد جرائمهم الطائفيّة _ كما في أيّام الحرب. ولم يتحرّك «المجتمع المدني»، الذي تألّم لما حلّ بمكتبة الأب السرّوج، ولما حلّ بالعلويّين في طرابلس. لكن هذا زمن يدعو فيه سمير جعجع _ حليف القوى التكفيريّة _ الإعلام للكفّ عن تغطية الجرائم في معلولا.
تريد أن ترى نموذجاً لرجل لا علاقة له بالكتب والمعرفة، عد إلى تصريح أشرف ريفي الذي علّق فيه على الاعتداء على المكتبة. كعادته، الرجل الذي يرعى بفخر «الشباب» (أي أوغاد السلفيّة في طرابلس) في باب التبّانة، رأى في العمل أمراً «مشبوهاً» وكعادته حمّله بطريقة غير مباشرة إلى حزب الله _ من غيره؟ لكن ريفي أضاف أو أوحى بطريقة عابرة بأن أمر الحرق والإتلاف لا يستأهل الضجة لأنه يمكن «إعادة» بناء المكتبة. هذا رأي لرجل لا علاقة له بالكتب وبجمعها حتماً. المكتبات تحتوي على كتب مفقودة وعلى مخطوطات، وهناك ما لا يمكن إعادة بنائه أبداً. إن إتلاف الكتب هو مثل إتلاف الآثار: هناك ما لا تعوّضه أموال آل سعود أو الحريري. دمّر الكتائبيّون في أوّل الحرب الأهليّة المكتبة الضخمة للشيخ عبد الله العلايلي (والتي أذكرها مكدّسة مرصوصة من سنوات الطفولة) والتي احتوت على مواد للقاموس الموسوعي الذي كان يعمل لعقود عليه _ كانت المواد مكتوبة على بطاقات ومكدّسة في علب بسكويت غندور. نثرت ميليشيات الكتائب مكتبة العالم الموسوعي على الطرقات لأن مسلماً لم يتورّع عن السكن في حي بيضون في الأشرفيّة، معقل الحزب الفاشي الذي عمل في سنوات الحرب على تحقيق صفاء طائفي يفخر به الصهاينة.
يظنّ أشرف ريفي أن المال كفيل ببناء مكتبة، وهو لا يعلم أن المال النفطي لم يشترِ بعد مكتبة محترمة في كل بلدان وإمارات النفط لأن الشراء (في الكتب وفي المقتنيات الفنيّة والتراثيّة) يحتاج إلى مال وخبرة واختصاص (هذا من دون الانتقاص من مهارة واختصاص أمراء آل سعود في بناء مكتبات زاخرة بمنتجات الـ«بورنو»، وخصوصاً في مدرسة الأمراء في الرياض). إن بناء المكتبة يحتاج إلى هوس وعمل دؤوب: تحمل مكتبتي على رفوفها، وهي تنقّلت بين بيروت وعدد من المدن والبلدات الأميركيّة، كتباً اقتنيتها في سن التاسعة والعاشرة. إن العلاقة بين صاحب الكتب ومكتبته (كتب في ذلك والتر بنجامين) علاقة خاصّة لا يفهمها إلا مَن تعاطى في ذلك الشأن.
قال الشاعر الألماني (المُحبّب عند كارل ماركس) هنريك هينه (الذي لم تكرّمه الدولة الصهيونيّة لأنه اعتنق المسيحيّة) في القرن التاسع عشر: «عندما يحرقون الكتب، فإنهم في النهاية سيحرقون البشر» (ومن المفارقة أن نبوءة هينه تحقّقت في 1933 عندما أشرف وزير الدعاية النازيّة، يوزف غوبلز، على حرق كتب تضمّنت في ما تضمّنت كتب هينه نفسه). والذين أحرقوا مكتبة الأب السرّوج هم أنفسهم الذين أحرقوا دكاكين ومخازن ومنازل العلويّين، لكن حملات الاضطهاد الطائفي ضد العلويّين لم تحظ بالتغطية لأن العلوي في لبنان (مثل اليهود في ألمانيا النازيّة) أرخص من الكتاب بكثير. وحارقو الكتب في طرابلس هم سيكونون حارقي البشر في طرابلس. الذين اختلقوا تشنيعة تحبير الأب لمقالة مهينة للرسول سيختلقون تشنيعات أخرى لتسويغ قتل الناس. ألم يبدأ الشيخ أحمد الأسير مسيرته السياسيّة بقصّة صنع الشيعة لألعاب تطلق إهانات ضد عائشة بنت أبي بكر؟
وتهمة حرق الكتب ألصقت بالعرب، حتى إن حرق مكتبة الإسكندريّة قديماً نُسب لقرون طويلة (ظلماً) إلى الغزاة العرب، وابن العبري في تاريخه نقل الفرية مبتهجاً بها. أما التأريخ الرصين اليوم فهو يجزم أو يرجّح بقوّة أن المكتبة كانت قد أحرقت قبل وصول العرب إليها مع الفتوحات الإسلاميّة. لكن الأديان، كل الأديان، تحمل بصورة أو بأخرى بذوراً لفكر حرق الكتب لأن في العقيدة إيماناً مطلقاً بحقيقة واحدة مطلقة وبخطورة الأفكار المعادية مهما كانت. (مثلما كانت الكنيسة المارونيّة في لبنان تأمر بحرق كتب التبشير البروتستانتي). إن في تاريخ الكنيسة قروناً طويلة من حرق الكتب لدفن المعتقدات المغايرة، كما أن التاريخ الإسلامي يحمل هو أيضاً فكر حرق الكتب (مع أن التأريخ الغربي للموضوع يحمل أكاذيب وأباطيل في الموضوع، إذ إن كتاب «حرق الكتب» للمؤلف هاييغ بسمجيان يزعم أن النظام الإسلامي في إيران رعى عمليّات حرق كتب، لكن الزميل حميد دبشي في جامعة كولومبيا نفى (جواباً عن سؤالي له) أن يكون ذلك قد حدث، ويقول إن أحداثاً متفرّقة حدثت في بعض الجامعات، مثل جامعة شيراز، بعد الثورة، لكن لم يكن هناك حركة سياسيّة منظّمة من قبل النظام لحرق الكتب. أما النظام الوهابي، قبل إنشاء مملكة آل سعود، فهو تبنّى عقليّة حرق وإتلاف الكتب والمخطوطات والآثار وكل ما يُعدّ في حسابه من «رجس الشيطان الرجيم».
وتجميع المصاحف في عهد عثمان أدّى إلى حرق المصاحف الستة التي تتعارض مع «مصحف عثمان» («أمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به»). لكن ابن خلدون يروي في المقدّمة (في باب العلوم العقليّة وأصنافها) أن «المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس، وأصابوا من كتبهم وصحائف علومهم مما يأخذه الحصر. ولما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقّاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله. فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا». وهناك الكثير في التراث العربي _ الإسلامي عن حرق كتب الزنادقة مثل ابن المقفّع وحرق كتب الصوفيين الذين لم يصلنا من مؤلّفاتهم إلا النزر القليل وذلك على ما ورد من استشهادات منها (مثل كتابات ابن الراوندي) في كتب معارضيه. وحرق كتب ابن رشد في عهد ملوك الطوائف بات معروفاً في السنوات الأخيرة بعد ظهور اهتمام مفاجئ بكتابات ابن رشد، لكن هناك الكثير من المبالغات في هذا الصدد على أيدي المستشرقين وأيدي ناقليهم ومروّجيهم عند العرب (خصوصاً في الاستشراق اللبناني). فبالرغم من تكفير ابن سينا، وصلنا الكثير من كتاباته وإن لم يصلنا غيرها. لكن نكبة حرق المكتبات لم تكن أدهى من الحرق الذي تعرّضت له مكتبة بني عمّار في مدينة طرابلس على أيدي الغزاة الصليبيّين الذين ظنّوا أن مقتنياتها (وكانت هائلة بمقياس ذلك الزمن وهذا الزمن) كانت نسخاً من القرآن فقط.
وهناك من مفكّري العرب والمسلمين من أحرق كتبه بنفسه مثل أبو حيّان التوحيدي الذي صبّ جام غضبه على كتبه لأنه لم ينل من التقدير ما أراده في حياته. وهناك مثال داود بن نصير الطائي الذي بنى لنفسه مكتبة نفيسة، لكنه بعدما تعبّد أتلف مكتبته (هناك من قال إنه أغرقها في نهر الفرات، وهناك من قال إنه دفنها في التراب). أما سفيان الثوري فقد خاف على كتبه فطمرها في التراب خوفاً عليها من جبروت الخليفة المهدي. وقد أفتى ابن الجوزي بجواز دفن الكتب فقال: «إن من دفن كتبه لسبب مشروع كأن يكون فيها أشياء مدخولة لم يستطع تمييزها ولم يشأ نشرها فلا بأس به». ولم يكن الغرب المسيحي بعيداً أبداً عن الحرق في تاريخه الطويل حتى عصرنا الحديث. لكن حرق الكتب بلغ أوجه في العهد النازي. في 10 أيّار من العام 1933 بادر طلاب فاشيّون ونازيّون برفقة قوّات نازية في جامعة ههبولدت في ألمانيا إلى نقل كتب من مكتبة الجامعة ومكاتب أخرى قريبة إلى ساحة فرانز يوزف بلاز قرب الجامعة لحرقها بالكامل، وسط هتافات وصيحات تأييد وإشراف من غوبلز نفسه. استمرّت عمليّة الحرق لساعات طويلة. وكانت كتابات كارل ماركس وتوماس مان ومارسيل بروست وإميل زولا وسيغموند فرويد وأندريه جيد وماكسيم غوركي من بين الكتب المحروقة. وعبّر غوبلز عن سعادته البالغة للحرق وقال «إن حقبة الثقافويّة اليهوديّة المتطرّفة قد انتهت للتوّ». أما في أميركا، فقد أمر قاض أميركي في عام 1956 بحرق أو إتلاف كتب ويليهام رايخ (ذي النزعات اليساريّة الفوضويّة) بحضور ووجود عملاء للحكومة الفدراليّة.
إن عادة حرق الكتب أو إتلافها تعود إلى ثقافة (دينيّة وعلمانيّة) تهدف إلى نزف الفكر المضاد وطمسه بين البشر. وهذا الهدف هو مُشترك بين الحكومات التي تسمّيها الدول الغربيّة شموليّة (وهذه التسمية باتت أضحوكة بعد تسرّب وثائق إدوار سنودن الذي كشف أن الطموح التجسّسي والاستخباراتي والتسلّطي الشمولي للحكومة الأميركيّة عالمي النطاق وليس محصوراً في حدود معيّنة) وبين الحكومات الغربيّة. كان امتلاك الكتب الشيوعيّة في أميركا من المحرّمات السياسيّة، وخصوصاً إذا كان المرء يعمل في الحكومة الأميركيّة. فقط الكتب عن الشيوعيّة التي ألّفها جي إدغار هوفر (الذي كان أقرب إلى الفاشيّة منه إلى الفكر الديموقراطي) من أجل دحضها كانت لا تشكّل خطراً على عقول الناشئة.
وعادة إتلاف الكتب وحرقها لم تغب بعد عن ثقافتنا السائدة. أحياناً الخوف والرهبة يؤدّيان بالمرء إلى إتلاف كتبه هو. أنا اغتنت مكتبتي عام 1982 قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان لأن عدداً كبيراً من الشيوعيّين اللبنانيّين والفلسطينيّين كان في بيروت والجنوب يبحث عمّن يأخذ منه كتبه أو من يحرقها له قبل وصول قوّات الاحتلال إلى العاصمة (وكانت قوات الغزو الإسرائيلي تسأل أصحاب المنازل في الجنوب المحتل عن سبب وجود كتيّبات شيوعيّة على الرفوف، وكانت تقوم باستجواب سكّان المنزل بسبب ذلك). كانت مستودعات النفايات في كورنيش المزرعة في تلك السنة مليئة بالكتب الحزبيّة القيّمة وبالمنشورات والكراريس (بعضها وجد طريقه إلى مكتبتي من دون النفايات). ولقد صاحب إعلان الجهاد ضد كتاب «الآيات الشيطانيّة» عمليّات حرق للكتاب في عدد من المدن الإسلاميّة. كما أن الأسقف المعتوه في فلوريدا يجذب لنفسه الأضواء عند كل إعلان منه عن مبادرة لحرق القرآن. إن الحرب على الكتب هي حرب على ما تتضمّنه الكتب، لكن حرق المخطوطات في زمانه كان أفعل من حرق الكتب لأن محتوياتها سهلة التداول في العصر التكنولوجي الحديث.
لن تعود كل كتب الأب السرّوج إليه. والرجل العروبي الذي _ خلافاً لأوغاد السلفيّة والتعصّب الديني في المدينة _ كنّ كل العداء للعدوّ الإسرائيلي وإرهابه _ بات يحتاج الى أن يستجير بدعاة السلفيّة للبقاء على قيد الحياة. تغيّرت المدينة التي أعلنت الثورة والعصيان عام 1969، وتغيّر طابعها. أصرّ الحكم السعودي على تحويلها إلى عاصمة وهابيّة وإن كان التحويل يتنافى مع تاريخ المدينة الحديث. فقد الأب السرّوج ثروة عمره، ولن يفهم ذلك من يقيس الثروات بالدولار فقط. لكن عزاء الأب السرّوج أن كتبه شكّلت على أعدائها خطراً فاق خطر السلاح الثقيل في المدينة. فليرمهم بكتبه ومخطوطاته. هم يدرون ما يفعلون.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)
17 تعليق
التعليقات
-
مرحبا دكتور انا اسمي زيادمرحبا دكتور انا اسمي زياد صابر, طالب هندسة زراعية, و احد متتبعيك. احببت ان اسألك عن فيلم زايتجايست وعن رأيك به وبصانعه وبالافكار التي يطرحها اذا كان هذا ممكناً. وشكراً لك.
-
تستحق الكتب البكاء، ولكنعندما يصبح زهق الأرواح بالنار والبارود والتفجير والتجويع جزءاً من روتين الحياة اليومي، يصبح التباكي على حرق الكتب (التي ما عاد أحد يقرأها أصلاً)... يصبح التباكي عليها باهتاً ويشبه دموع التماسيح إلى حد كبير. لس مع هذا ولا ذاك... فالفريقين تورطا حتى الأذن في تدمير سوريا... حقاً نحن لا نستحق أن نعيش على هذه الأرض العابقة بالتاريخ والحضارة، فعندما يُحترم الإنسان يُحترم الكتاب!
-
الفرق بين داعش والنصرةبالنسبة لي , لم الاحظ الفرق بين هاتين الفرقتين , حيث التكفير والقتل واحد . ربما اختلفوا على فتوى حول كيفية ذبح الاسير او الجريح , حيث داعش تصر على الذبح من دون التسمية ( بسم الله ........) بينما النصرة لا توافقها . اما الاشياء الاخرى التي اختلفوا عيها هي السيطرة على غنائم , واموال حيث ان جميع من اتى من اقاصي المعمورة من العاطلين عن العمل , مدمنين , لا مكان لهم في مجتماعتهم .
-
لقد قلت ان طرابلس اصبحت لقد قلت ان طرابلس اصبحت قندهار ثانية او اكثر حيث اصبح ان هناك مبشرون بصورايخ الحق ( حتى الحق جعلوا له صاروخ ), غدا سيخرج احدهم ويقول ان نبئ بكذ وكذا . الله يستر
-
بكى الليلبكى الليل وأوجعت النار الحجارة في طرابلس، فتوجع النهار وتألم على كل مخطوط قد أكلته ألسنة النيران! هامت الأرواح، في سماء المدينة تلعنكم واحد تلو الآخر، فردا فردا، ممن خطط ومول ونفذ وغطى حرق أعمال العلماء والكتاب والشعراء والمؤرخين! فهم قد عاشوا وكتبوا ولكنهم لم يرو أحقر واجهل منكم، تحرقون تاريخ وعلوم وحياة! الشيطان هو انتم فهو يكره العلم والعقل. الا تبت يداكم أيها الجهلاء. يا بابا علمني القرآة؟ شو بدك بهل شغلة ما عادت بتطعمي خبز! هالق ماشي بس حرق الدواليب والمكتبات،والتجارة بالدين! تعلمي تفتحي خط ع السعودية. وبعطيك قداحة! وتخيل معي انك صرت عايش ببلد دون طائفية، طفو فيها الكهرباء ،والمي، والدستور، والحكومة ومجلس النواب والكتب وما بقى فيها إلا نور واحد بس نور الشمس يلي ما بتغيب، نور بندر التكفيري،وين بدنا نصير. الاموات لا تحتاج لماء،ولا لكهرباء،ولكن هي تآخذ معها كتبها،ليوم الحساب الموعود. اليوم فتشت بسوق الأحد عن واتسأب مستعمل،ع أساس بيكون فيه كلشي جاهز مكتوب، بعد ما احترقت المكتبة احترق معها ذاكرتنا وتاريخنا،صرنا سواح بين البندريون الجدد،لانوا خوفي إذا قالنا نحن طرابلسيون منعرف نقرأ ونكتب والفضل يعود لاهلنا وللمدارس الارتوذكسية يأموا يحرقوننا ع أساس كفار! لأنو في هذه الأيام أصبحت القراءة كفر!
-
البندريون الجدد والورقع أساس بلد من ورق، جمهورية ورق، رئيسها من ورق، أمنها من ورق،رئيس حكومتها من ورق،نوابها مددوا ع الورق والرصاص الرأس قد اخترق قبل حيط الورق، لم يعد هناك أطفال تبني طائرة من ورق، ودول المحاور حولوا دماءنا الى لعبة ورق، قضاء من ورق، ومحكمة دولية عدالتها من ورق،لا تريد منا الا الورق، غازنا في البحر قد تركناه في المياه للغرق،فمن العيب ان نقول ان هناك حكومة تصريف اعمال لا يمكنها إنقاذه من الغرق،ومن تحت الطاولة ننقذ محكمة الورق من الغرق! في ليلة ظلماء دهماء،دخل جيش ابوجهل السعودي، ازقة المدينة القديمة فأشعل كل الورق الذي لم يعلن الطاعة والولاء لأمير البلاد الذي هو من ورق، وفي اليوم التالي حضر المنافقون وحرقوا الورق الذي ما احترق والله واكبر بدها الله واكبر اعلى منها. الله هو المعرفة، والمعرفة تأتي عبر الورق وليس عبر من حرق او من كان عقله مخترق. كانت أكداس فوق أكداس من ورق ولكنها لم تكن ورق كانت سكائب من ذهب ومن يرمي بالذهب لا يكون الا من جماعة ابي جهل واخوه ابي لهب. كنز من الكنوز كانت مكتبة سروج بالامس مات العقل وحرقت أيادي التتار المدينة واستباحت الانسان والإنسانية،لهذا لا بد لي من سلخ خلايا عقلي لأنه نهل من مكتبة السائح لا بل سوف أطلق سراحه ليتجول مثل السائح على أرصفة العالم،لكي لا تطاله ايدي البندريون الجدد.
-
اطفآت مدينتي سراجهااطفآت مدينتي سراجها وربما الوحيد، وأقفلت أبوابها،ونام الكبار،ا لا بعض الصغار انتظروا وصول التتار والبربار،ففتحوا لهم نافذة الصغار، دخلوا إلى أسواقها القديمة وحولوا تاريخها إلى نار ودخان وشحباري، واصبح كل متعلم يحمل كتاب إلى متحزب بحزب الكفاري. انهم صغارى بندر زعيم الكفاري ،يا تعتري ويا شحاري صرخت مدينتي وين بدي روح بحجاري،فكل حجر يحكي تاريخ ؟ أنني طرابلس مسافرة عبر التاريخ لثلاثة ألف من العام فأين القي بالغبار،لم تتركوا لي الخيار؟. سوف القيه في جهنم معكم والغبار!
-
اين نحن من الكتبمدينة يعود تاريخها إلى ما قبل ٣ الآلاف عام، والإسلام يعود تاريخه إلى ١٥٠٠عام، والمسيحية ٢٠٠٠عام، فأين نحن من الحفاظ على التراث والتاريخ! فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، فبدل ان يتم تحويل مكتبة السائح إلى متحف ويبيع الكتب من غير المخطوطات لكي يمول نفسه، يتحفنا الرعاع بحرق المبنى وما فيه من كنوز تؤرخ تاريخ المدينة. فالبشرية تحافظ على وجودها بالحفاظ على تاريخها من اجل معرفة الهوية والمنشأ لتحديد الانتماء وتنمية الأجيال على الثقافة الخ. ففي برلين مثلا يوجد متاحف لا تعد ولا تحصى،أحدها يحتوي على سبعون مليون صورة تؤرخ لحقبة بروسيا فقد،ومتحف اخر يحتوي على آثار تؤرخ تاريخ شعوب منطقنا من بعلبك الخ إلى جانب مخطوطات من القرأن الكريم (اوراق البردى) لا يملكها مجموع المليارات المسلمة من طنجا الى جاكرتا،فاذا الغير استحوذ على تاريخنا والتاريخ الإسلامي وما قبله،على أقله فالنحافظ على ما تبقى من آثار او أمهات الكتب،اين نحن من البشر! في مدينة اوروبية واحدة يوجد (42.170 ) مخطوط من الشرق في مكتبة واحدة فقد و 15000 مخطوط اسلامي ومنها ما هو من طرابلس وايات من القرأن الكريم. فكل الحضارة والتقدم الأوربي قائم على مخطوطاتنا التي لم نقرأها،وعدونا ماذا يعمل: في الحرب العالمية الثانية هرب بضعة من اليهود إلى شانغهاي من بطش النازية، والآن تشتري مدينة برلين بعض من الكتب الدينية التلمودية التي كان يستعملها هؤلاء المهاجرين ،فقد لانها مكتوبة بالعبرية ولا تحوي اي قيمة تاريخية ذات اهميه،ولا يتعدى عمرها٧٠عاماً. ونحن نحرق ما ترك لنا من الغزوات والتجار،يا ليتنا نفك حروفها قبل ان نقوم بحرقها!
-
عودة الشيخوتقول رواية إن النازيين أحرقوا كتاب "عودة الشيخ إلى صباه"
-
لقد نسي الدكتور اسعد الاشارةلقد نسي الدكتور اسعد الاشارة الى اهم المكتبات التي احرقت كدار الحكمة على ايدي صلاح الدين, وما هؤلاء المشائخ الا امتداد لفكر هذا المجرم, وسائر مكتبات الفاطميين ومكتبة بغداد بالاضافة الى العديد من مكتبات جبل عامل
-
عام ١٩٨٦ وبعد اشكال مسلح بينعام ١٩٨٦ وبعد اشكال مسلح بين الشيوعيين وحزب الله ، أقدم حرب الله على احراق مكتبة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي. ليه ما ذكرت الحادثة؟ أو أن حزب الله رب التنوير ماذا عن احراق مؤلفي الكتب؟ بيستاهلو؟
-
كاتب عربيكاتب عربي تفتخر به العروبة . مقالة جميلة كعادتك . شكراً لك . صدق الخالق عندما قال : " خير جالس في الأنام كتاب " ولكن أمة إقرأ لا تقرأ
-
سائح على دروب المعرفة - 3وأخيرا لا بد أن أشير الى أمر ذي دلالة، وفيه برهان على ان هذا الكاهن المسيحي الأرثوذكسي لم يكن متعصبا او متزمتا. ففي عام 1986 كانت دار التنوير للنشر تفتش عن مترجم لكتاب "حياة يسوع" للفيلسوف الألماني هيغل. ويبدو انهم وجدوا صعوبة في ايجاد من يقوم بالمهمة، وعلم بذلك الأب سروج، فسألني اذا كنت أرغب في القيام بذلك، فأجبته بالايجاب. وبالفعل قمت بهذا العمل باسم مستعار هو جرجي يعقوب، اذ حرصت، مع الأسف، ولأسباب "لبنانية محضة" ان يظهر بوضوح ان المترجم مسيحي لكي لا تحصل ردة فعل غير مستحبة، خصوصا في ايام الحرب، اذ من غير المقبول بحسب الفكر الطائفي ان يقوم شخص ينتمي الى طائفة معينة بترجمة كتاب لطائفة أخرى، خصوصا اذا كان الكتاب لا يتبنى أفكار المؤسسة الدينية لتلك الطائفة. فكتاب الفيلسوف الألماني يعرض ملخصا لحياة يسوع، هو خلاصة ما ورد في الأناجيل الأربعة التي أقرتها الكنيسة المسيحية، ولكنه يسرد السيرة ويقدم التعاليم بـ "الطريقة الهيغلية"، وبعد ان يحذف منها كل المعجزات، كشفاء المرضى واقامة الموتى وما الى ذلك. وقيام الأب سروج بالمساعدة على ترجمة هذا الكتاب تدل على سماحته وتقديمه حق التعبير عن الرأي على أي شيء آخر. أخيرا نشير الى أن بعض ما قيل وما حصل بعد الحريق المجرم قد يكون أسوأ من الحريق نفسه، وخصوصا ما قاله البعض عن محاكمة أو عدم محاكمة الفاعلين. أما قول اللواء أشرف ريفي ان طرابلس ستعيد بناء المكتبة فلا ندري فعلا الفائدة منه. فالبناء حجري وأثري وقديم جدا، وقد تكون جدرانه قد لحقها بعض آثار الدخان الأسود، ولكن من يعيد بناء الكتب التي صارت رمادا منثورا؟؟
-
سائح على دروب المعرفة - 2ومكتبة السائح فريدة في نوعها بالفعل، ليس فقط لاحتوائها على مجموعة كبيرة من "الكنوز" التي لا توجد في سواها، بل أساسا لعلاقة صاحبها بها. الأب سروج قارىء نهم، يلتهم الكتب التهاما. وعندما أنشأ المكتبة كانت متواضعة جدا، وعبارة عن غرفة صغيرة عند مدخل ما يعرف بالأسواق القديمة، وكانت مكتبة تجارية أساسا، معظم مدخولها من بيع الكتب المدرسية والقرطاسية بين أيلول وتشرين الأول. ولكن المكتبة الخاصة بقيت في منزل الأب سروج حتى بداية السبعينات حين خلا عقار أثري قديم يبعد عدة أمتار عن المكتبة الأم، وهو عبارة عن بهو كبير واسع مبني بطريقة "العقد" المعروفة في لبنان والمنطقة. منذ تلك المرحلة جمعت المكتبة بين التجارة والهواية، وبين العام والخاص. فمنزل الأب سروج ضاق بمحتوياته، فجمعت مكتبة السائح بين الكتب المدرسية والكتب الثقافية على اختلافها، بما فيها المجموعة الخاصة التي لا تقدر بثمن. بعد ذلك دخل الأب سروج معترك النشر، فأصدر عددا من الكتب معظمها ذو طابع ديني أرثوذكسي، ولمؤلفين معروفين في الدوائر الأرثوذكسية كالأستاذ فيليب عبد الحق والشماس اسبيرو جبور. في مقال الأستاذ غسان سعود (الأخبار – السبت 4-1-2014) صورة واضحة لفكر الأب سروج السياسي والديني والاجتماعي، حيث وصفه بأنه "مسيحي ماركسي فتحاوي". أضف الى ذلك أنه مؤمن بحرية التعبير الى أبعد الحدود، ويمكنني التأكيد بأنه شيوعي المعرفة حتى العظم، فهو لا يحجب كتابا عن مريد، مهما كان الكتاب نادرا وأيا كان ثمنه أو الوقت الذي بذله الأب في التفتيش عنه حتى العثور عليه. انه يعتبر نفسه مؤتمنا على الكتب التي لديه وليس مالكا لها، ويتمنى لو يستطيع كل البشر قراءتها واكتساب المعرفة منها.
-
سائح على دروب المعرفة - 1قبل صدور عدد السبت الفائت من "الأخبار"، وفيما كنت أتصفح بعض المواقع على الانترنت، ظهر أمامي هذا العنوان: "إحراق مكتبة أثرية في طرابلس". عرفت للحال ان الضحية هي مكتبة الأب ابراهيم سروج، فهي المكتبة الأثرية الوحيدة والأكثر شهرة في طرابلس والشمال، وربما في كل لبنان. وتأكد لي ذلك عندما ضغطت على الرابط وقرأت التفاصيل، فعرفت - بلغة هذه الأيام - ان طرابلس ما قبل احراق مكتبة السائح غير طرابلس ما بعد احراقها. صحيح ان طرابلس تغيرت كثيرا، ولم تعد طرابلس التي نعرفها، وصحيح أن أحداثا وحروبا ومعارك حصلت فيها، ولكن كنا دائما واثقين انها ستعود... ستعود الينا والى ابنائها الحقيقيين، اذ لا بد ان ينتصر الخير على الشر مهما طال الزمن. ولكن بعد احراق مكتبة الأب سروج نقول ان طرابلس باتت تحتاج الى 1400 سنة لتعود طرابلس ما قبل 1975. طرابلس الوطنية والعروبة. طرابلس مقهى الأندلس حيث كان يجتمع اليساري واليميني والوطني والقومي والمؤمن والملحد فيتناقشون ويتجادلون ويخرجون أصدقاء كما دخلوا. فعملية الحرق لم تحصل فجأة بل سبقتها ملابسات امتدت على الأقل مدة 48 ساعة، بما فيها اطلاق النار على معاون الأب سروج في ادارة المكتبة. لا شك لدينا في ان مخلصين حاولوا انقاذ المكتبة من الفناء. ولكن الفشل في انقاذها يدل على ان الشر بات أقوى من الخير في المدينة التي عرفت دائما بأنها "الفيحاء". أطلق الأب ابراهيم على مكتبته اسم "السائح" تيمنا بكتاب ديني روسي مجهول المؤلف يعود الى منتصف القرن التاسع عشر، اسمه "سائح روسي على دروب الرب"، ويتألف من سبع قصص قصيرة، محورها الدين والإيمان وبعض مشاكل روسيا في ذلك الزمن.