الحلقة ٣٤
غينسبور الذي أتقن الجاز أداءً وتأليفاً في بداياته، والذي عشق حتى الهوس الإيقاعات الحيّة، كان من الطبيعي أن يهتم بالـ"بوسا نوفا" التي ما هي إلاّ إسقاط للجاز على السابما البرازيلية في أواخر خمسينيات القرن الماضي. أما الكلام فهو من الذروات التي بلغها سيرج في التعبير عن الأحاسيس التي تتعارك في العلاقة بين الرجل والمرأة. هو حارق قلوب النساء وذو القلب المدمَّر "بفضلهِنَّ". هو زياد الرحباني الفرنسي في اللحن والكلمة والجاز وريادة الـ"بوسّا نوفا" والبيانو والأذنين والأنف والأداء ونمط الحياة غير الصحّي والأراء الاجتماعية والعاطفية والاستفزاز الصادق والطيبة المجبولة بسخرية تضرب الذات قبل أن ترتد على الآخرين. يتخطاه زياد في التوزيع الموسيقي ويتقن مجالاً فنيّاً لم يخضه سيرج: المسرح.
كما أشرنا أعلاه، صدرت هذه الأغنية في ألبوم عام 1964، لكن الجمهور الفرنسي سمعها لأول مرّة بصوت عملاقة فرنسية أخرى تدعى جولييت غريكو (عاشقة الجاز و... مايلز دايفس، الرجل الذي كاد أن يصبح زوجها لولا القوانين العنصرية في بلاد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان... الأبيض) ضمن برنامج تلفزيوني بعنوان "Top à Cassel" وذلك في 14 آذار/مارس من العام نفسه (صدر الألبوم في 26 تشرين الأول/أكتوبر). العشرات أدوا هذه الأغنية لاحقاً (من بينهم سيدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني، التي غنّتها بنسخة إنكليزية وبمرافقة غيتار فقط)، أمّا التسجيل الذي اخترناه فهو بصوت مؤلفها، أي التسجيل الأصلي. ملاحظة أخيرة: صحيح أن لحن هذه الأغنية غاية في الجمال كما كلامها وأداء سيرج غينسبور الفريد، لكنها في الواقع كانت لتستحق تنفيذاً موسيقياً أفضل. سجلها يومها موسيقيون فرنسيون بارزون (مثل بيار ميشلو، ملك الكونترباص الفرنسي)؛ لكن ليتها حظيت بخبرة إختصاصيي الـ"بوسا" البرازيليين!
