شرع مهنيون فلسطينيون مقيمون في الضفة الغربية، ترتيب أوراقهم للحصول على ترخيص للعمل والإقامة في الأردن؛ هؤلاء متزوجون من نساء يحملن الجنسية الأردنية. وقد أتاح قرار أصدرته الحكومة الأردنية، فجأة، الأسبوع الماضي، لأزواج وأبناء المواطنات الأردنيات (حوالي ربع مليون نسمة بالحد الأدنى) التمتع بكافة الحقوق المدنية، بما في ذلك الإقامة الدائمة، والحصول على حق العمل والتراخيص المهنية (أطباء الخ) والتعليم المجاني في المدارس الحكومية والتأمينات الاجتماعية والصحية، وحق التملك العقاري وتأسيس الشركات الخ، وذلك بالإضافة إلى الحصول، من دون تعقيدات قانونية أو أمنية، على جوازات سفر أردنية لمدة كاملة (خمس سنوات).
الشيء الوحيد الناقص هو الرقم الوطني الذي يتيح المشاركة في الانتخابات النيابية وتسنّم المناصب العامة. ولكن مَن يعبأ بذلك؟
في ظروف أخرى، كان يمكننا أن نحتفل، مع الحركة النسائية، بهذا الانتصار؛ ولكن في الظروف السياسية الراهنة في الأردن، لا تعدو هذه الخطوة سوى جزء من التطبيق العملي لمشروع كيري الخاص بتصفية القضية الفلسطينية.
من الواضح أن المفاوضات الإسرائيلية ــــ الفلسطينية، لا تلحظ حق العودة، وتقترح صيغاً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يقيمون أو منحهم فرص الهجرة القانونية إلى استراليا وكندا، بالإضافة إلى الخيار غير الواقعي لأسباب اقتصادية ولوجستية (وربما أمنية إذا أصرت إسرائيل على أن تكون طرفا على الحدود الفلسطينية ــــ الأردنية، والاحتفاظ بالحق في قبول أو رفض أي عائد فلسطيني إلى أراضي الدولة الفلسطينية). هذا كله يبدو كنقاش طوباوي هدفه مشاغلة الرأي العام الفلسطيني؛ في الواقع، تتجه الإجراءات الواقعية على الأرض إلى بناء السياقات التي تسمح وتروّج لتهجير المزيد من مواطني الضفة الغربية، خارجها.
طالب العديد من الأردنيين ــــ ومنهم كاتب هذه السطور ــــ طويلاً، لحل مشكلات الحقوق المدنية الخاصة بأسر أربابها غير أردنيين، وتقطعت بها السبل في الأردن، من وجهة نظر إنسانية؛ لكن القرار الصادر في إطار مشروع كيري، كان مفاجئاً من حيث أنه تجاوز المطالبات السابقة، ووسّع الإطار بحيث يشمل الأسر غير المقيمة في الأردن فعلاً، ومنحها حقوقاً تلامس المواطنة الكاملة.
تغدو المناقشات حول حق العودة في ظل تصاعد التهجير من الضفة الغربية إلى الأردن، مثيرة للسخرية؛ التهجير مستمر؛ لدينا الآن أكثر من خمسين ألف فلسطينية مجنسات بالجنسية الأردنية، سيهاجرن مع أسرهن إلى الأردن، بينما لا توجد قيود على نشوء آليات زواج الهجرة. ومن المتوقع أن تتكثف في المرحلة المقبلة.
أنشأت السلطة الفلسطينية، منذ قيامها في العام 1993، نظاماً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً قائماً على توظيف ما يربو على مائتي ألف فلسطيني يتم تسديد رواتبهم من خلال مساعدات مالية مشروطة سياسياً؛ ذلك النظام القائم على الامتيازات الفئوية والفساد والقمع والقبول الواقعي بالاستيطان الصهيوني، حوّل الضفة الغربية إلى بيئة طاردة للسكان. وإذا ما أضفنا الصعوبات المريرة التي يخلقها الاحتلال وحصاراته وحواجزه وتقطيعه لأوصال الضفة الغربية، نستطيع أن نفهم لماذا هاجر ما يزيد على مليون و70 ألف فلسطيني (الإحصاء الرسمي لسنة 2011) من أراضي الضفة باتجاه الأردن، منذ العام 1988. وهؤلاء المهاجرون الطوعيون ليسوا لاجئين ولا نازحين، وإنما يتمتعون بحق الإقامة القانونية في الأراضي الفلسطينية، لكنهم، في الواقع، مهجرون اقتصاديون بالمعنى الحرفي للكلمة، يضاف إليهم حوالي ثلاثمائة ألف غزّي محرومين من الحقوق لأن غزة لم تكن جزءاً من المملكة الأردنية، أصلا.
وإذا كان لا يوجد رقم رسمي لعدد اللاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا إلى الأردن من سوريا منذ العام 2011، فإن التقديرات المتواضعة تشير إلى حوالي مئة ألف، أغلبيتهم اندمجت فعلا في صفوف فلسطينيي الأردن؛ لقد كان قرار قبول لاجئين من سوريا من دون أوراق ثبوتية جزءاً من الخطة. ولقد لحظ كيري، صراحة، أن الأردن ليس فقط محل توطين للفلسطينيين ــــ الأردنيين (43 بالمئة من اجمالي المواطنين الأردنيين) وإنما هو مطروح، أيضا، كـ «جهة توطين»، مثله مثل استراليا وكندا.
من دون أن يرفّ له جفن، صرح رئيس الوزراء الأردني، عبدالله النسور، الأحد الماضي، بأن اللاجئين الفلسطينيين المجنسين بالجنسية الأردنية (منذ 1948 إلى 1988) هم «أردنيون إلى الأبد». وهو يرفض، بالتالي، أن تقوم السلطة الفلسطينية بتمثيلهم في مفاوضات التعويضات التي تريدها عمان لمصلحة الخزينة، لا لمصلحة الأفراد، لكن الأهم أنها تريد شطب الحق الشخصي في قرار العودة، المنصوص عليه في الشرعية الدولية، إلى قرار جماعي «سيادي»! تتخذه الحكومة الأردنية!
موضوع التفاوض الآن، لا يتعلق باللاجئين والنازحين السابقين، وإنما بتوطين المزيد من المهجرين من الأراضي المحتلة، ما يجعل المهمة رقم واحد الآن، ليس البحث في العودة، ولكن وقف نزيف الهجرة من فلسطين.