بدا أمس أن الميدان السوري بات أقرب من أي وقت مضى إلى دخول مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين «الفصائل الجهادية». مرحلة يُتوقع أن تأخذ شكل «الحرب الأهلية الجهادية» بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») من جهة، و«جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» من جهة أخرى. بوادر هذه المرحلة بدأت مع نشر كلمة مُسجلة للمتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني، حملت عنوان «ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين»، حرص فيها على كسب ود «المجاهدين»، فتوجه بكلمته «إلى من يبغي الجهاد في سبيل الله.. إلى من تلبست عليه الأمور فبات حائراً تائهاً يخشى الفتنة يبغي الرشاد، إلى من تراوده نفسه بالتوقف أو التراجع أو الحياد». وعلى الرغم من الطابع الهادئ للكلمة ظاهرياً، فقد انطوت على تهديدات واضحة ومباشرة، وجّهها إلى كل من «يعادي الدولة». فوصف «النصرة» بأنها «جبهة الغدر والخيانة» مسمياً إياها بـ«جبهة الجولاني»، كذلك وصف «الجبهة الإسلامية» بـ«جبهة الضرار.. جبهة آل سلول (المقصود بهم آل سعود)». واستدلّ العدناني على صدق تنظيمه بمعاداة الولايات المتحدة والغرب له، إذ «لا يوجد كيان على وجه الأرض اتفقت أمم الكفر على حربه وسعت لذلك مثل الدولة»، وفق تعبيره.
ولعب العدناني على هذا الوتر في توجيه دعوة مبطنة إلى «الجهاديين» للانخراط في صفوف «داعش» بوصفه «صاحب الحق»، فقال: «بالله عليك يا طالب الحق (...) أترضى ان تكون في حزب سليم إبليس وحزب الجربا وميليشيا جمال معروف، وأحفاد الرئيس، وعصابات عاصفة الشمال وعفش وحياني وجزرة ومن خلفهم آل سلول وأميركا والغرب الكافر». كذلك توجّه العدناني إلى «المهاجرين» الذين يشكل اجتذابهم مكسباً لمن يقاتلون في صفوفه، بالقول: «يا أيها المهاجر الذي ما زلت في صفوف الفصائل، قف وتلفت حولك وانظر كم بقي معك من المهاجرين». وأتبع ذلك بدعوة «الأنصار»، وهو الاسم الذي يُطلق على «الجهاديين السوريين»، بالانضمام إلى «المهاجرين»، فقال: «يا أيها الأنصار لوذوا بالمهاجرين فإنهم لكل ساحة جهاد صمام أمان». وكرّر العدناني في الوقت نفسه تأكيد «مظلومية الدولة»، مشدداً على أن «الدولة لم تبدأ أحداً بالقتال»، وأن «كل الاتهامات الموجهة ضدها اتهامات باطلة». مضمناً خطابه تهديد من «لا يتقون غضبة الحليم فيتجرأون علينا ويبدأون قتالنا». وبدا التهديد أشد وضوحاً لدى حديث العدناني عن «كذب الادعاءات التي تقول إن الدولة ترفض التحاكم لشرع الله»، إذ عدد أمثلة عن «خضوع الدولة للمحاكم المشتركة»، مبيناً أن «المحاكم» التي تدعو إليها «النصرة» مرفوضة من قبل «داعش»، إذ «لربما كان أول حكم لتلك المحاكم خروج الدولة من الشام وتسليمها للخونة واللصوص والغادرين»، وهو أمرٌ «دونه كسر الجمامجم وضرب الرقاب وبقر البطون» وفق تعبيره. العدناني هاجم أيضاً «مبادرة الأمة» التي أعلنها الشيخ السعودي عبد الله المحيسني (الذي أصيب أخيراً بشظية في رأسه بعد أن انضم إلى مقاتلي الجبهة الإسلامية في المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب).
وفي الوقت الذي تجاهل فيه المتحدث تهديدات زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، فقد حرص على الرد على كلام أبو عبد الله الشامي «شرعي النصرة»، وأحد أعضاء «مجلس شورى النصرة»، واصفاً إياه بـ«الكذّاب»، وداعياً إياه إلى «المُباهلة». كذلك كان لافتاً تكذيب العدناني كلّ من قال إن «الدولة قبلت رفع الأمر إلى الظواهري»، في إشارة إلى الخلاف الشهير بين «داعش» و«النصرة».
وفي تعليق على كلمة العدناني، قال مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» إن «الكلمة دليل عجزٍ عن المواجهة. وقد امتلأت بالزور والبهتان، وبمحاولات استدرار شفقة المجاهدين». وأضاف المصدر المحسوب على «جبهة النصرة» أن «الدعوة إلى المباهلة محاولة للهرب من المواجهة، والرد لن يكون إلا في ساحات الجهاد». فيما امتنعت مصادر «الجبهة الإسلامية» عن التعليق على الكلمة.
وبالمقابل، لفت مصدر شيشاني من الموالين لـ«داعش» إلى أن «أبرز ما جاء في كلمة شيخنا العدناني أنه هاجم جبهة الجولاني، لا جبهة النصرة. فنحن أبناء النصرة الحقيقيون، والنّصرة هي التي أرسلها أميرنا أبو بكر إلى الشام، ثم اندمجت في الدولة الإسلامية، وقد آن الأوان لوضع الأمور في نصابها». وفي السياق نفسه، احتفى أنصار «داعش» بكلمة العدناني عبر موقع «تويتر» الذي بات أبرز منابر «الجهاديين». ولخّص «أبو معاذ الشرعي» (وهو أحد شرعيي داعش كلمة العدناني بالقول إن «هيئة الأركان والمجالس العسكرية والائتلاف والمجلس الوطني... إنّما يقاتلوننا استجابةً لأميركا وضرباً للمشروع الإسلامي». فيما سخر موالو «النصرة» وعدد من «مشايخها وشرعييها» من الكلمة، وكان على رأسهم سلطان بن عيسى العطوي، وأبو حسن الكويتي.



من هو العدناني؟

يُرجح أن اسمه الحقيقي هو طه صبحي فلاحة، من قرية «بنش» في ريف إدلب، ومن مواليد عام 1977. برز اسمه بوصفه المتحدث الرسمي باسم «داعش»، قبل أن يُعيّن «أميراً» للتنظيم في «الإقليم الشامي». وتؤكد مصادر جهادية لـ«الأخبار» أن «الشيخ العدناني كان من أوائل المهاجرين إلى العراق مع بدء الحملة الصليبية، وممن عاصر الحقب الثلاث (التوحيد والجهاد، القاعدة، الدولة)، وهو عضو في مجلس شورى المجاهدين». اعتقل العدناني في أيار 2005، في محافظة الأنبار العراقية من قِبل قوات التحالف الدولي في العراق، حيث كان حينها يستخدم اسماً مزوراً هو «ياسر خلف حسين نزال الراوي». أُفرج عنه في عام 2010.
ووفقاً لتصريحات صادرة عن مسؤول في الاستخبارات العراقية في كانون الأول 2012، يستخدم العدناني حاليّاً ألقاباً عدة، بينها «أبو محمد العدناني، طه البنشي، جابر طه فلاح، أبو الخطاب، وأبو صادق الراوي».