ماذا لو قرر أحدهم قطع أنفاسك، وعدم السماح لك بالتنفس إلا بقدر المبلغ الذي يمكنك أن تدفعه؟ فلو جرى ابتكار طريقة ما لاحتكار الهواء والتحكم في مصدره وتوزيعه لما كان هذا المشهد بعيداً جداً عن لبنان. فأمر مشابه يحصل اليوم في المياه، في مشروع يجري التسويق له على أنه «ذهب» أزرق، علماً أنه حقٌّ لا بديل عنه.
وبرغم أن أصحاب مشروع «بلوغولد» يحاولون قدر الإمكان الابتعاد عن استخدام كلمة «خصخصة» في سياق حملات الترويج له، إلا أن «هذا ما يريدون الوصول إليه: خصخصة مصدر المياه وتوزيعها وتسعيرتها، وهذا واضح في كتيبهم»، وفق ما تؤكد رئيسة قسم العلوم البيئية في جامعة البلمند الدكتورة رانية المصري.
ليست المصري وحيدة في انتقادها لهذا المشروع بين المتخصصين في مجالي البيئة والسياسات المائية، فقد بدأت نواة من الخبراء بالتكوّن لتأسيس حركة مضادة له. تجتمع هذه النواة أسبوعياً، تفكّر وتخطط، وتنتظر الوقت المناسب لكي تظهر ذاتها إلى العلن «لكونها مؤلفة من جهات متنوعة وتتبادل وجهات النظر بطريقة ديمقراطية، ولا تتحرك وفقاً لمصالح مادية»، وفق ما يؤكد أحد أعضائها لـ«الأخبار».
يريدون خصخصة
مصدر المياه
وتوزيعها وتسعيرتها
وبحسب هؤلاء الخبراء، لا يمكن حصر المواجهة في الشقّ العلمي الصرف، الذي يحتوي بحسبهم على مغالطات كثيرة، بل يرفضون المشروع شكلاً ومضموناً، مشيرين إلى أن اعتماد شعار «الشراكة مع القطاع الخاص» هو كذبة كبيرة، كالتي أنتجت سوليدير وسوكلين وغيرهما. أما المصري، فتذهب أبعد من ذلك، اذ ترى أن الـ«بلوغولد» يشبه التعدي على الشواطئ العامة، فتماماً كما تحوّل الشاطئ من حق لكل لبناني إلى ملك خاص بطريقة مخالفة للقانون، يسعى البعض إلى السيطرة على مصدر المياه في لبنان، فتتحول بذلك من حق إلى امتياز. وتشرح أنه من خلال هذا المشروع «ستجري السيطرة على مصدر المياه»، مشددة على استحالة خصخصة ما لا يمكن استبداله.
ينطلق مشروع «الذهب الأزرق» من مبدأ غنى لبنان بالثروة المائية، إلا أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تحذر من أزمة قريبة في المياه اللبنانية، آخذة في عين الاعتبار الزيادة السكانية فقط. ويبقى السؤال: لماذا القطاعات التي تديرها الدولة تنتهي غالبا في يد الشركات الخاصة؟ فإما أن الدولة عاجزة، وإما أنّ هناك أشخاصا ضمن الدولة يريدون لمؤسساتها أن تكون ضعيفة بهدف بيعها والسيطرة عليها. وهنا توضح المصري أنه «إذا كانت الدولة ضعيفة، فتقويتها لا تكون عبر الخصخصة، وإذا كان هناك من يريد إضعافها للسيطرة على مواردها، فإنه يجب الوقوف بوجهه».
إلا أن الحملات الداعمة لهذا المشروع لا تركز فقط على هذا النوع من الشراكة، بل تتحدث أيضاً عن الشراكة مع المجتمع المدني. وهنا يتساءل رئيس جمعية «غرين لاين» علي درويش، عن أي مجتمع مدني يتكلمون؟ مشيراً إلى أن «بعض ما يُسمّى المجتمع المدني بات فاسداً ومدجناً لأنه ينتظر التمويل من جهات نافذة للاستمرار في عمله». درويش، الذي اجتمع صدفة منذ بضعة أشهر مع أحد القيمين على الـ«بلوغولد»، يوضح أن نياتهم ظاهرة منذ البداية، ويقول: «أقصى ما يريدونه هو بيع مياه لبنان إلى الجيران. فبعد سؤالهم عن استخدامها في الزراعة على نحو جيد أولاً، كان الجواب: بما أن القطاع الزراعي غير مجدٍ، فلماذا لا نستفيد من مياهنا؟».
ويشير درويش إلى أنه ليس ضد فكرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص «لكن في التشغيل، لا في السيطرة على المصدر»، وإذ يتجنب الخوض في المواضيع التقنية لكون المسألة تتعلق بـ«الحق في المياه» قبل أي شيء آخر، إلا أنه يؤكد إمكان تدمير المشروع تقنيا بطريقة سهلة جداً. ويشدد على رفضه الكامل له «لكونه يندرج في إطار استكمال السيطرة على الموارد»، منتقداً طريقة تعاطي «أصحاب الاحتكار المالي، الذين يسمون أنفسهم هيئات اقتصادية، في هذا الملف».