للمرّة الأولى، يُدخل الأردن سلاح الجوّ في عمليات «حماية حدوده» الشمالية مع سوريا، إذ قصفت طائرات حربية أردنية أمس آليات كانت تحاول التسلل من سوريا إلى الأراضي الأردنية، بحسب ما أعلنت عمّان. مصادر أمنية متابعة للجبهة الجنوبية السورية ربطت بين القصف وإعلان «جبهة النصرة» قصفها معبر نصيب الحدودي بين البلدين.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يحبط فيها الجيش الأردني «عمليات تسلل» (غير منسّقة معه) على الحدود، إذ «ارتفعت وتيرة مكافحة القوات الأردنية لمحاولة المجموعات المسلحة في الجنوب السوري دخول الأراضي الأردنية في الأشهر الثلاثة الماضية»، على ما يقول مصدر عسكري سوري لـ«الأخبار». وأوضح أن «أكثر من عشرة حوادث وقعت في الأشهر الماضية، قتل خلالها الأردنيون عدداً من المسلحين العائدين إلى الأردن».
يرتبط حادث أمس بـ«الهدنة غير المعلنة» التي تحكم معبر نصيب الحدودي، منذ أعاد الجيش السوري سيطرته عليه في نيسان العام الماضي، إذ لم يتوقّف عبور الشاحنات المحملة بالبضائع وشاحنات «الترانزيت» عبر المعبر من سوريا وإليها. وبدل أن تسلك الشاحنات طريق نصيب ــ درعا ـــ دمشق، استبدل الطريق بـ«الطريق الحربي» الذي يربط نصيب بقرية ذيبين جنوب السويداء، ومنها إلى مدينة السويداء فدمشق، علماً بأن الطريق الحربي خاضع لنيران الجيش السوري والجماعات المسلحة في آن واحد.
الأردن قارب الحرب
السورية بحذر لأن
مواطنيه منقسمون
بشأن الانتفاضة

وتقول مصادر أمنية متابعة للجبهة الجنوبية السورية لـ«الأخبار» إن «في عدم إقفال المعبر مصلحة أردنية وخليجية وغربية قبل أن يكون مصلحة سورية، وبالتالي هناك اتفاق غير معلن بين الجماعات المسلحة وداعميها على أن السماح بعبور الشاحنات على الطريق والمعبر خط أحمر ممنوع تجاوزه».
وفي تطوّر جديد، و«خرق» للهدنة «غير المعلنة » في نصيب، أعلن سامي العريدي أحد «شرعيّي جبهة النصرة» في درعا، عبر صفحته على موقع «تويتر »، أن «سريّة الهاون لجبهة النصرة في درعا استهدفت جمرك نصيب بعدد من قذائف الهاون وكانت إصابات محققة ...». وسبق لـ«المنطقة الجنوبية في جبهة النصرة» أن أصدرت بياناً قبل ثلاثة أيام أعلنت فيه نيتها في بدء استهداف مواقع الجيش السوري داخل محافظة السويداء ومعبر نصيب، واضعة ذلك في إطار الرد على قصف الجيش لمناطق في محافظة درعا.
وتزامن البيان مع قصف صاروخي من «النصرة» على مدينة السويداء لم يؤدي إلى إصابات، فيما سُجّل قصف صاروخي أول من أمس على موقع جمرك نصيب، أدى إلى عدد من الجرحى.
وتقول المصادر الأمنية إن «الأردن، بقصفه أمس، يعيد تذكير المسلحين بقواعد اللعبة في الجنوب السوري، خصوصاً في ما يتعلّق بمعبر نصيب، إذ إن الآليات التي تم قصفها كانت تتنقّل في منطقة خالية من السكان، وسبق للمسلحين أن استعملوها طويلاً ولا هدف من قصفها سوى إيصال الرسالة، وفي الوقت نفسه، يحاول نفي المعطيات التي تتحدث عنها الحكومة السورية حول التورّط الأردني في مساعدة الجماعات المسلحة ومدّها بالعتاد، وتدريبها على الأراضي الأردنية».
وبحسب ما قاله مصدر عسكري أردني لوكالة «فرانس برس»، فإن «ثلاث آليات مدولبة حاولت صباح اليوم (أمس) اجتياز الحدود الشمالية بالقرب من منطقة الرويشد (شمال شرق المملكة) فتم التعامل معها وفقاً لقواعد الاشتباك». وفيما أكد بيان للقوات المسلحة الأردنية أن «طائرات من سلاح الجو الملكي الأردني قامت بتدمير عدد من الآليات حاولت اجتياز الحدود الأردنية السورية»، أعلن التلفزيون الرسمي السوري أن الآليات غير تابعة للجيش السوري».

«نيويورك تايمز»

من جهته، تمكن مراسل «نيويورك تايمز» في بيروت بن هبرد من إجراء تحقيقين استقصائيين شاملين حول آليات التدخل الأردني في سوريا، نشر الأول في 10 نيسان 2014، تحت عنوان «الأردن يساعد المتمردين بحذر»، والثاني في 12 نيسان 2014 تحت عنوان «الحرب السورية تلهم مجاهدي مدينة أردنية».
ويستنتج بن هبرد «أن الأردن قارب الحرب السورية، بحذر، لأن مواطنيه منقسمون بشأن الانتفاضة. وأحياناً ضغط المسؤولون الأردنيون على المتمردين للانسحاب من المناطق الاستراتيجية؛ ففي العام الماضي، قام المتمردون بإغلاق الطريق الرئيسي بين عمان ودمشق لأكثر من شهر، وتوقفت التجارة حتى تدخلت عمان مع قادة المتمردين لفتح الطريق، بحسب الجنرال الزعبي في قيادة العمليات العسكرية في عمان». ويعطي هبرد الإجابة عن سؤال طالما حيّر الجمهور الأردني، إذ «كيف تدخل شاحنات البضائع من سوريا إلى الأردن عن طريق معبر تديره الحكومة السورية، ولكن تحاصره قوات المتمردين الذين يعرفون أن مهاجمة المنشأة يمكن أن تؤدي إلى إغلاق الحدود الأردنية، أمامهم». وذكر أنه «عندما يريد المتمردون الذهاب إلى سوريا، تحدد الاستخبارات الأردنية أوقاتاً محددة لهم، وعندما يحتاجون إلى أسلحة، يتقدمون بطلبهم إلى «غرفة عمليات» في عمان يديرها عناصر من الأردن والسعودية والولايات المتحدة». ويلاحظ أنه «في المدن القريبة من الحدود الأردنية مع سوريا، فإن غرفة العمليات، المعروفة باسم «قيادة العمليات العسكرية»، سر مكشوف». ويستنتج هبرد أن قرارات غرفة العمليات في عمان «تعكس التوازن بين مصالح الجهات الفاعلة الرئيسية: السعودية بوصفها المموّل الأكبر للمتمردين وتسعى إلى زيادة دعمهم، والأردن يقوم بإدارة الحدود ويحث على توخي الحذر، فيما تحتفظ الولايات المتحدة بحق النقض على شحنات الأسلحة؛ ففي حين تزود غرفة العمليات المقاتلين الذخيرة وبنادق وصواريخ مضادة للدبابات، إلا أنها ترفض تقديم الصواريخ المضادة للطائرات...». وتنسّق غرفة العمليات في عمان «برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لتدريب المقاتلين المتمردين الذي أذن به الرئيس باراك أوباما في نيسان من العام الماضي».
وفي النص الثاني، ينقل هبرد عن محللين وقياديين إسلاميين «أن ما بين 800 و1200 أردني ذهبوا للقتال في سوريا، أي أكثر من ضعف عدد الذين قاتلوا في أفغانستان أو العراق. ورغم توافد المقاتلين من جميع أنحاء البلاد، فإن ثلثهم يأتون من هنا»، أي من الزرقاء، مسقط رأس أبو مصعب الزرقاوي. وخلص هبرد إلى أن «معظم المقاتلين يعبرون الحدود للانضمام إلى «جبهة النصرة» أو «داعش»، وهما مجموعتان منبثقتان من تنظيم القاعدة».

يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi