... واهربوا!

حسنا. هل انبسطتم امس؟ كانت سهرة تاريخية اليس كذلك؟. الهب الرصاص ليل بيروت. فرحة لعلعت في منتصف الليل ناشرة اسهمها النارية في سواده الصيفي الحار. نسائم باردة هبت من الشبابيك المفتوحة... ابتسمت للصوت وللنسمة الباردة، وقلبت المحطة التي كنت اتابعها لاعرف من الذي سجل الهدف المنتظر. كانت ايقونة الاهداف على شاشة تلفزيون لبنان تشير بوضوح الى العلم الالماني. حسنا.. خسرت اميركا اللاتينية الكأس علي ارضها. «انها سابقة» يقول المعلق. كان المونديال حافلا بالسوابق. من خسارة مالك اللقب الاسباني امام هولندا خمسة/واحد..الى خسارة البرازيل سبعة/واحد..الخ..

خرجت الى شرفتي لاتفرج على اسهم نارية مزقت عتمته الصيفية المنارة ببدر مكتمل. الدراجات النارية المتجولة احتفاءا بالنصر الالماني، والأتية بمعظمها من الضاحية والطريق الجديدة وعين الرمانة، ما كانت لتعفي حارتنا من زماميرها لولا حواجز الجيش التي جعلت من حينّا بالقرب من المستشفى العسكري منطقة امنية تقبع خلف سواتر ترابية وباطونية وبلاستيكية.
كان الجو بهيجا.. نوعا من فرحة "بلا مخ" بالنسبة الى بلاد تعيش ما نعيشه. يعني: بلد بلا رئيس وبلا موازنة وبلا نقابات، بلا سياسيين، بلا شعب اصلا بعد ان تحول الشعب اللبناني الى جمهور يتفرج على اهتراء بلاده المنخورة بالفساد من كل الانواع، بلد سلمته طبقته السياسية منذ زمن طويل لانتداب مستمر منذ "الاستقلال" ولانتداب آخر جديد دولي متمثل بالمحكمة الدولية التي انشئت لاتمام ما بدأه اغتيال الحريري: استيلاد اعمق انقسام في المنطقة وتثبيته..
يقول السفير الفرنسي الذي لا يتدخل بشؤوننا ابدا، ردا على سؤال صحافي"عن إمكانية تبدّل حدود سايكس ـ بيكو بسبب الصراع الذي يخض المنطقة، ان ما يستطيع هو « أنّ فرنسا متمسكة بحدود لبنان، ونحن سنحيي ذكرى 14 تموز (العيد الوطني الفرنسي) في قصر الصنوبر من المكان الذي أعلن فيه الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، وفرنسا متشبثة بحدود الدول كما هي مرسومة على الخريطة المعلقة على أحد جدران القصر (اي قصر الصنوبر)". اي انه متمسك بالحدود التي رسمها اسلافه المستعمرين حين قسموا تركة الرجل المريض ممزقين النسيج الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي المتماسك والتاريخي للمنطقة، بحجة اقتطاع وطن للمسيحيين (إقرأ للموارنة). وهم، اي الموارنة، متمسكون مثله بحدود بلد يتوهمون انه لهم وان انتخاب الرئيس الماروني شأن "في غاية الاهمية".
السفير الفرنسي لا يتدخل، ولا السفير السعودي، ولا البريطاني ولا الاميركي ولا القطري ولا الايراني ولا السوري ولا الالماني. نحن مستقلون لدرجة مخيفة. مستقلون لدرجة ان كل حارة اصبح لها حدودها، وكل موظف في الدولة هو دولة بحد ذاتها، مستقلون لدرجة ان صحافيينا تحاكمهم محكمة دولية بمباركة من وزير العدل الذي وصل الوزارة مباشرة من محور "باب التبانة/ بعل محسن" اما وزير الاعلام؟ فهو يقوم بدوره: موظف عند سلطة الوصاية.
المشهد متعب .. اعترف بذلك. من لبنان الي سوريا الي العراق الى فلسطين الى الأردن الي اليمن غير السعيد الى مصر "الجديدة"، التي رسبت في امتحان معبر رفح. متعبٌ مشهد منطقتنا المنقسمة والمنهوبة تحت اعيننا دون ان نستطيع فعل شيء. كثيرة هي الجبهات: في الداخل والخارج، في الثقافة في اللغة، في السياسة في القانون في بناء المؤسسات في محاربة الفساد في حماية ما تبقى من مكتسبات للمواطن اللبناني.. ونحن تعبون. اعترف. انا نفسي تعبت. افهم لم لا يتابع الناس العدوان على غزة. افهم انهم ملّوا من الغضب العاجز. من "رؤيتنا" نُقتل ونقول انتصرنا. حسنا. لن يطاوعني قلبي على لوم الناس المنفجرين فرحا للانتصار الالماني. الناس بحاجة الى بعض الفرح ولو المستعار من قارة بعيدة، بحاجة لانتصار لا ينقسمون حوله بين 8و 14. انتصار صاف وواضح كلعبة كرة القدم. كهدف في مرمى الخصم.
يحب اللبنانيون الالمان ولا يحبون الفلسطينيين. الالمان ينتصرون دائما اما الفلسطينيين؟ فقصتهم طويلة. يحب اللبنانيون الالمان ولا يحبون السوريين. السوريون قصتهم طويلة ايضا.. اطول من "نفس الضيافة" القصير عندنا. يحب اللبنانيون الفرنسيين ويقيمون لهم قداسا سنويا على نية فرنسا. هم يحبون الايطاليين ايضا والسعوديين والهولنديين ومؤخرا بدأوا يحبون الروس! يحب اللبنانيون الآخرين ولا يحبون.. اللبنانيين. اصلا هذا الحب هو الوجه الآخر لاحتقار الذات الجماعية، هو التمهيد لقرار الهجرة الى جنسيات أخرى اسهل واحلى.
امس، في الوقت الذي كان فيه الالمان والارجنتينيون يتنافسون على كأس العالم، كانت مباراة اخرى تجري في سماء غزة: اما النتيجة فكانت: ١٧٣ شهيدا لغزة و١٣٠٠ جريح، مقابل.. قتيلة لاسرائيل (بالسكتة القليية من الخوف من صوت الصواريخ كما ورد في الوكالة) وبضعة مستوطنين جرحى.
حسنا ارفعوا اعلام الدول الاستعمارية التي تنهبكم وتتحكم بكم وتعمل اجهزتها ليل نهار لاستمرار حالكم على ما هو عليه. ارفعوا اعلام الدول المنتصرة.. عليكم, واهربوا سحابة ساعتين الى وهم الانتصار معهم.
ها قد انتهى المونديال. الى اين ستهربون الآن؟ والسؤال الأهمّ: الى متى؟

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

احمد احمد - 7/15/2014 12:37:24 PM

كلما زاد الرصاص والبالونات عند كل هدف يحققه لا عب كلما ازداد دليل تخلف الامة وافراد الشعب العاديين فالمسئولين رواتبهم وقنوات النهب جارية لا تنقطع ولكن افراد المجتمع ومن يطلقون الرصاص ابتهاجا " ابتهاجا بماذا ؟؟ " هم الذين يزدادون فقرا , هؤلاء لو كان لهم عمل يقومون به في اليوم التالي لما قاموا بما قاموا به , مجتمع تم تفقيره لكي يجبروه على الانظمام الى منظمات ارهابية او يدور في الشوارع بحثا عن ضحية او لكي يموت , اليس افضل من لحياة في ذل الجوع والعوز والذل والبطالة اليس كذالك . الطاقم السياسي الحالي جميعا هم من ساهموا بالوضع الذي وصلنا اليه .

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

محمد عطواني محمد عطواني - 7/15/2014 8:38:59 AM

موسم الهجرة الى الشمال لم ينتهي بل تسارع نتيجة وسائل الاتصالات السريعة والمواصلات السهلة مع عدم وجود محطة استقبال، او حتى وقوف طويل، في هذه الارض التي فقدت هويتها. لجوءنا كان ولم يزل الى بيوت "أناس" هاجرو وأقنعونا بحلاوة الهجرة والرحيل ...... فلنتفق على انشاء المحطة الأولى حتى ولو لم يكن المقر الاول فلسطين. يا ريت في بيت أي بيت ...... يا ريت.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مغتربه مغتربه - 7/14/2014 10:17:52 PM

عاده تفرحين قلبنا بنقدك الاجتماعي والسياسي الذي يحمل سخريه مع هضامه لا حدود لها. مقال اليوم حزين جداً ومعك حق عزيزتي ضحي. طبعا شاهدت الماتش أمس مع العلم انني لأ افهم الكثير من قواعد هذه الرياضه ولا غيرها. نعم كنت اريد ان يربح الألمان لارتباطي بهم وبمجتمعهم وثقافتهم ولمحبتي لشعبهم الراقي. لكنني اعترف انني لم أتمتع بالمشاهدة ككل مره لان عيني كانت أيضاً تتابع اخبار غزه علي الانترنت وقلبي يحترق علي هذا الشعب وبالأخص علي الأطفال الأبرياء. لا تلومي اللبناني اذا نفس عن خوفه و قلقه اليومي بفرحه بسيطه تنتهي بانتهاء المباراة . أنا الومهم عندما اقرأ انه منذ ايام سقط جرحي في عده مناطق من لبنان بسبب فوز هذا الفريق علي ذلك. يا سخافه هذه العقول . ليتهم يتحمسون وينزلون الي الشارع بشكل سلمي كشعب واحد موحد ضد الفساد الذي يأكل بلدهم حتي تصبح هذه الارض التي اسمها لبنان وطنا بدلا ان تكون عفنا. مع محبتي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

Taghleb Saleh Taghleb Saleh - 7/14/2014 8:55:06 PM

انتظرت نتيجة المباراة لأختلس لحظة فرح من زمن داعش ، تبدد الأمل مع النتيجة ،فلم يبق للفقراء من لعبتهم سوى الحسرة . جوابا على سؤالك الأول ..يا سيدتي من حقنا الهروب إلى الحياة، فالموت الذي يحاصرنا لم يترك لنا سوى الأمل بيتا آمنا نرسم فرحنا على جدرانه دون أن نهاب سطوة البغدادي و الحجازي أو من وراءهما إلى متى ؟ فإلى أن يتبدد الحاجز الرملي و تنقشع تضاريس الوطن كما قال المبدع حسن عبد الله. بالمناسبة ضحى ،في مدينة الملح التي أقيم فيها منذ ما قبل السوءة السورية الكبرى ،هنا و بين إخواني المفترضين في الوطن ،أستطيع إشهار حبي لكل شيء ......عدا بلدي كما أرجو له أن يكون ،لهذا ، أعمل ، أقرأ الشعر ،أسمع الموسيقا ،أتابع الرياضة، فبالحياة وحدها أقهر الموت.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/15/2014 7:51:49 PM

بالعكس. انا اعذر الناس ..كل ما اقوله انهم لا يفغلون شيئا للخروج من حالة العجز المريعة التي يغرقون فيها. نحن بحاجة ماسة الى اي انتصار ..اي فرحة. لكن عيني لا يمكن الا ان ترى هذا الفصام. مودتي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم