بينما استيقظ الفلسطينيون على جرح كبير جراء مجزرة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أخذت في رحاها 72 شهيداً ونحو 400 جريح، أبت المقاومة إلا أن تجعلهم يباتون على خبر سعيد بإعلانها أسر جندي إسرائيلي اسمه شاؤول آرون ورقمه العسكري هو 6092065. ورغم وصول عدد ضحايا الحرب الجارية حتى منتصف الليل إلى 469 شهيداً ونحو 3100 جريح، فإن المواطنين بدءاً من غزة، وصولاً إلى مدن الضفة والقدس المحتلة انتفضوا في مسيرات فرح عارمة بما حققته المقاومة، مشددين على ألّا تتنازل الفصائل عن شروطها المعلنة.
فجر أمس، منحت إسرائيل نفسها الحق في الإمعان بقتل المدنيين الفلسطينيين بعدما تلقت صفعة قوية من المقاومة بسلسلة عمليات نوعية أعلنت عنها كتائب القسام (الذراع العسكرية لحماس) في بيان متلفز للمتحدث باسمها أبو عبيدة، وقالت إنها اختتمت بقتل 14 جندياً في كمين نصب لهم شرق غزة، وهو الكمين نفسه الذي أسر فيه الجندي آرون.
ويتوقع بعد هذا الإعلان أن تتغير المعادلة السياسية، وخاصة لدى الأطراف الدولية التي ساندت إسرائيل منذ بداية العملية تحت عنوان «حقها في الدفاع عن نفسها»، ولا سيما أن تل أبيب اعترفت أمس بمقتل 18 وإصابة 400 من جنودها ومستوطنيها منذ بداية الحرب.

لا يظهر بعد أن
أسر الجندي قد يوقف الحرب الجارية

وحتى تأكيد الإسرائيليين فقدانهم الجندي، يبقى احتمال توسيع عمليتهم البرية قائماً بالتوازي مع احتمالات سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، وهو ما لمح إليه معلق الشؤون العسكرية الإسرائيلية، آلون بن ديفيد، الذي قال في ساعة متأخرة إنهم يفحصون إعلان «حماس» عن أسر الجندي، لكنهم لا يملكون جواباً نهائياً.
مع ذلك، حجب الدخان المتصاعد من الحدود رؤية بوادر وقف إطلاق النار، لكن مصادر فلسطينية أكدت لـ«الأخبار» أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة على صعيد ملف التهدئة، مشيرة إلى أن كلاً من قطر وتركيا تقودان مساعي حثيثة لإلزام الاحتلال بالقبول باشتراطات المقاومة. وقالت المصادر: «حتى ساعات متأخرة من الليل، لم ينجم عن الاجتماعات المكوكية التي يشارك فيها بان كي مون أي نتيجة، وذلك بالتوازي مع جهد كويتي ومصري كبير». وأكدت في الوقت نفسه أن ما يزيد الأمور تعقيداً إصرار الاحتلال على الورقة المصرية للتهدئة التي لم تقبلها المقاومة، وسلمت بدورها أنقرة والدوحة شروطها لوقف النار، مع أن الأخيرة قالت على لسان وزير خارجيتها إنها ليست وسيطاً بقدر ما أنها تنقل الاشتراطات إلى الأطراف المعنية.
وصرح قيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، تحفظ على ذكر اسمه، بأنه بعد مجزرة الشجاعية (أمس) «تكثفت الاتصالات الدبلوماسية لوقف الحرب». وعن المبادرات المطروحة، قال إنه توجد المبادرة القطرية ــــ التركية والمبادرة المصرية، ملمحاً إلى أن المقاومة تميل إلى «القطرية» التي تتضمن وجهة نظرها. وتابع: «القاهرة تحاول عرقلة المبادرة القطرية، لكننا نقول إن أي مبادرة لا ترفع الحصار فوراً مع وقف لإطلاق النار مرفوضة». أما عن تحركات رئيس السلطة محمود عباس فأسهب: «عباس يعلم أنه ضعيف ولا يمكنه فعل شيء، لكنه يحاول التوفيق بين المبادرتين».
في السياق، يعترف مسؤول الإعلام في حركة الجهاد، داود شهاب، بأن الفارق كبير بين شروط المقاومة ومدى استجابة الاحتلال لها، مشيراً إلى أن المسألة لا تقتصر على وقف إطلاق النار، «فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ويتعلق بمطالب للشعب وحياته». وأكد شهاب أن المقاومة المستبسلة في مواجهة الاحتلال على الحدود «لا تلتفت كثيراً إلى مباحثات التهدئة على ضوء المجازر الإسرائيلية المستمرة»، مضيفاً: «ليس المطلوب من المقاومة التوصل إلى نقطة وسط في المباحثات، بل تنتظر ما يقدم من إسناد سياسي يدعمها في تحقيق شروطها». ولفت الى وجود اتصالات مستمرة على مدار الساعة مع حركة «حماس» والجانب المصري في سبيل التوصل إلى اتفاق.
انطلاقاً من هذه النقطة، أكد مسؤول في «حماس»، في حديث مع «الأخبار»، أن شروط المقاومة لم تتغير، وهي أن تفرج إسرائيل فوراً عن كل الأسرى المعاد اعتقالهم أخيراً في الضفة، وأن تسمح إسرائيل بإقامة ميناء بحري في غزة مع فتح معبر رفح يومياً، إضافة إلى فتح جميع المعابر بين غزة والاحتلال كاملاً وأن تسمح إسرائيل بالصيد 12 ميلاً (19 كلم) من شواطئ غزة. أما عما أشيع عن رفضهم الوسيط المصري بحد ذاته، فقال المصدر: «نرفض أن يكون الوسيط والضامن للاتفاق الولايات المتحدة، لكننا نقبل الوسيط المصري إذا قبل هذه البنود».
وبالإشارة إلى تغير هذه الشروط مع التطور الجديد المتعلق بالإعلان عن أسر الجندي، قال مسؤول العلاقات الخارجية في «حماس» أسامة حمدان عبر فضائية الجزيرة أمس، إن موضوع الجندي آرون سيبحث بعد إنهاء الحرب وتوقيع اتفاق يضمن الشروط الفلسطينية.
وليست المقاومة وحدها التي تتوقع أن تبقى الحرب مستمرة، وإن رجحت مصادر ألا يجري التوغل براً أكثر من ذلك خوفاً من أسر جنود آخرين، فإسرائيل عبرت عن هذا التوقع في جملة من تصريحات قادتها طوال أمس. كما ذكر رئيس معهد الأبحاث الأمني القومي الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء عاموس يادلين الذي قال إن قوة «حماس» الصاروخية أكثر شبهاً بقوة حزب الله عام 2006، في إشارة إلى أن زمن المعركة لا يزال مستمراً.
وعزا الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله تأخر التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «التنافس على الدور الإقليمي والخلاف المتصاعد بين مصر من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى».
وأكد عطا الله لـ«الأخبار» أن هذه الدول وجدت في النزاع القائم فرصة للدخول على خط التهدئة، «لكن جراء تمسك كل طرف بموقفه، فإن أمد التهدئة ليس قريباً»، واعتبر أن المقاومة يساندها أداء تسجيل النقاط على الأرض والمتمثل في إيقاع خسائر في صفوف الاحتلال، «لكن إسرائيل لا تزال تتصرف بعنجهية القوة وتضرب المدنيين وليست مستعدة للتراجع، وخصوصاً أن قواتها غرقت في وحل العملية البرية».