أطلقت الفنانة اللبنانية تانيا صالح (الصورة) جديدها منتصف الشهر الماضي بعنوان «شويّة صوَر». على الصعيد المحلي، وحتى العربي، إنّه من أفضل الإنتاجات الغنائية هذه السنة، أقلّه لناحية الجدّية في العمل والرؤية غير الاستهلاكية. بمعنى أنّه إنتاج محتَرم ومتقن بصرف النظر عن الاعتبارات الجمالية. تانيا صالح فنانة متعدّدة المواهب، تعمل بقناعات خاصّة وإصرار لافت، ما يمنحها صفة مستقلّة. هذا ما يمكن استنتاجه من تعامل وسائل الإعلام الفنية العربية مع أغانيها، إذ لا تحظى بحقها الطبيعي في البث.
وإذا عُرض لها كليب لأغنية مصوّرة (وهذا نادر)، يلاحِظ المشاهد أنّ «شيئاً ما» غريباً يمرّ على الشاشة، لا علاقة له ببرمجة المحطة. منذ التسعينيات، بدأت تانيا صالح تجربة غنائية خاصة، أرادت من خلالها التعبير عن موقف أو رؤية أو فكرة، نتيجة مراقبتها لمجتمعها وبيئتها. صدر ألبومها الأوّل في فترة فورة التجارب الشبابية البديلة، وبرغم ذلك استطاع أن يظهر وينتشر. عملت بعد ذلك ببطء على ألبوم «وِحدة»، فكان عبارة عن محطة ثانية على سكة البحث الموسيقية والشعرية ذاتها.
في الموسيقى: روك، شرقي، لاتيني… وفي النصوص: سخرية سوداء، نقد للمجتمع، لفتة صوب السياسة (من دون اتخاذ طرف محدّد)، كلمة في التربية، حصة محفوظة للحبّ والهموم العاطفية…
اليوم اختلف الأمر. في الموسيقى: بوسا نوفا («هي لا تحبّك»)، شرقي أو حتى اللونان معاً أحياناً («شوية صوَر» وهي من الأفضل لناحية النص و«يوم بيتوه»)، بدوي («رضا مش راضي»)، أوروبي شرقي (موسيقى «من سُكات»)… وبعض التطعيمات الكلاسيكية الغربية في الأغاني ذات الطابع الرومانسي. أما المواضيع، فكادت تنحصر بالمرأة والحب.
في الأغنية اللبنانية، اعتُمِدت تاريخياً «اللغة البيضاء» لكسر حدّة العامية وتوحيد الألفاظ التي تختلف بين منطقة وأخرى. خرج البعض عن هذه القاعدة فبدا نافراً (نتيجةَ فقدان الكلمة لـ«موسيقيتّها»)، وهكذا فعلت تانيا صالح، غير أنّها استطاعت أن تكون سَلِسَة، وبعض جديدها يخضع لهذه الآلية.
في «شوية صوَر» عشر محطات، تسع منها غنائية وواحدة موسيقية، إضافة إلى نسخة آلاتية من إحدى الأغنيات. الكلمات كلها بقلم صاحبة الألبوم، باستثناء قصيدة للراحل محمود درويش، وأخرى لعصام الحاج علي، شريك صالح في ألبومها الأوّل وهنا أيضاً.
أما الألحان، فهي لتانيا وعصام، باستثناء أغنية الختام «طريق الحب» وهي أشبه بنشيد كلاسيكي هادئ من ألحان الراحل بوغوص جلاليان.
سجّلت تانيا ألبومها بين بيروت (التي تخصّها بأغنية «شبابيك بيروت» وهي من الأفضل في هذه الباقة) وأوسلو، وتعاونت مع موسيقيين من لبنان أو مقيمين فيه، وآخرين من النرويج (بينهم من شارك في الإعداد والتوزيع). هكذا، تُلاحَظ على نحو لافت نقطة قوّة أساسية هي الأداء الجيّد والخالي من الاستعراض. يأتي بعد هذا العنصر الإيجابي في العمل: النصوص. فأكثر ما تجيده تانيا صالح في صناعة الأغنية هو اختيار مواضيع فريدة أحياناً، وإيجاد المفردات الصالحة لإيصال المعنى. بينما الألحان عندها (والمقصود تلك تحمل توقيعها) تنقسم بين عادي لا أقلّ، وموَفَّق لا أكثر. هكذا هي الحال سابقاً كما في «شويّة صوَر».
أما بالنسبة إلى الإعداد أو التوزيع، فالواقع أنّنا أمام تجربة أمتَن ممّا سبق، لكن، بصراحة، كنّا نتوقّع نتيجة أفضل. ليس ألبوم تانيا صالح أجمَل ما صدر أخيراً، لكنّنا نعطيه الأولوية في خياراتنا لهدايا العيد الموسيقية، لكونه الأفضل في الجديد محلياً.