نظرة سريعة على ميادين الصراع ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية ومنظماتها الإرهابية، كافية، لكي نلاحظ أن الكتل الاجتماعية الجماهيرية التي تخوض هذه الصراعات، هي كتل تنتمي إلى الفضاء الشيعي.
صحيح أنه حيث توجد كتل مسيحية، فإنها تصطفّ في خندق التشيّع السياسي، كما أننا لا نستطيع أن نغمض العين عن أوساط وشخصيات سنية، تقف، أيضاً، في هذا الخندق، لكننا نستطيع القول، بكثير من الدقة، أن الحركات العربية التي تهيمن على خط الصراع التحرري اليوم، وتزوّده بالطاقات البشرية المتدفقة، هي حركات تستند إلى العصبية الشيعية: حزب الله المتحوِّل قوة إقليمية مشرقية، والحشد الشعبي العراقي الذي يتبلور سياسياً، ويعيد تأسيس الحركة الوطنية العراقية، والمعارضة البحرينية التي يمكننا القول إنها الحركة الديموقراطية ــــ الشعبية، الوحيدة في العالم العربي، وأخيراً، لا آخراً، حركة «أنصار الله «اليمنية، القوة البازغة التي ستعيد بناء الخريطة السياسية للجزيرة العربية، ابتداء من استقلال اليمن، وصولاً إلى تحرير محافظاته المغتَصبة (نجران وجيزان وعسير)، وتثوير مناطق شرق السعودية، في حراك تاريخي لن يتوقف قبل انهيار المملكة الوهابية، مركز الرجعية العربية، والأم الأولى جميع الحركات التكفيرية الإرهابية.
أهي مصادفة، أم أنها، كما أسميناها، المرحلة الشيعية من النهضة العربية؟ وهي تستند إلى قانون سسيو ثقافي سياسي (خلدونيّ)، اكتشفنا مفاعيله في تحكّم العصبيات الاجتماعية ــــ الدينية بمراحل النهضة العربية الحديثة التي هيمنت عليها، أولاً، العصبية المسيحية، ثم العصبية السنية، ثم، الآن، العصبية الشيعية. وإذا كان لتشكّل كل من هذه العصبيات، أساس اقتصادي اجتماعي، فإن ممارستها لدورها التاريخي مرتبط بتكوّنها الثقافي؛ العصبية المسيحية هيمنت من خلال الأفكار الحديثة (القومية العلمانية، اليسارية)، والعصبية السنية هيمنت من خلال ربط القومية بالإسلام المعتدل، أما العصبية الشيعية، فهي تطرح نفسها كهيمنة شيعية. وهذا هو النقص الأساسي الذي يعتور تقدمها، ويسمح للإمبريالية والرجعية العربية بالتحريض المذهبي الصريح ضدها. صحيح أن الحركات الشيعية تلتزم بالعنصر الأساسي من قانون الحراك القومي، أي تصديها للإمبريالية والصهيونية والرجعية التكفيرية، إلا أنها لم تكتشف، بعد، الخطاب الأيديولوجي الملائم لهيمنتها؛ صحيح أنها أوجدت إطاراً سياسياً للتفاهم التاريخي مع المسيحيين، إلا أن مشكلتها الحقيقية تظل في افتقارها إلى خطاب ملائم لاستيعاب السنّة. ولعل مردّ ذلك إلى أنها لم تتنبه، بعد، إلى العنصر الأهم في قانون الحراك القومي، أعني القومية. هنا، تبرز كل التباسات العلاقة مع إيران.
التشيع الإيراني هو، في التحليل الأخير، أيديولوجيا لنهوض الدولة القومية؛ فلا يوجد تعارض جوهري بين القومي والديني في إيران، (كذلك الحال، ويا للمفارقة، بالنسبة للإسلام التركي). في المقابل، فإن للتناقض بين القومي والإسلاميّ عند العرب، تاريخاً قديماً مستمرّاً؛ فقد تأسست الدولة الأموية على عصبية عربية لا ــــ اسلامية، بينما تأسست الثورة العباسية ضدها، على اجتماع العصبيات الإسلامية غير العربية. وكان الخطاب الإسلامي، في منحاه السني المتعصب، هو الذي مكّن اتراكاً وأكراداً وقوقازيين، مماليك وعثمانيين، من التسيّد على العرب قروناً، ضاع خلالها البعد القومي العربي، وتجمدت اللغة وانحط الفكر وتراجعت الفعالية الثقافية الحضارية عند العرب، حتى استولدت الكتلة المسيحية السورية، في مواجهة العثمانيين، العروبة العلمانية؛ فتأسس، بذلك، سياق لا يمكن لأي عصبية عربية القفز عنه، لكن بقيت المشكلة القائمة في الانفصال بين القومي والإسلاميّ، مشكلة سعت الناصرية لحلها من خلال التصالح بين القومية ونسخة معتدلة من الاسلام السني، تفسخت مع انهيار النظام الناصري في عهد السادات، ووطدت لمرحلة ثقيلة سوداء من الإسلام الوهابي المرتبط بالإمبريالية، والحليف الموضوعي للصهيونية.
كيف يمكن للحركات الشيعية العربية الصاعدة أن تحل تلك المشكلة؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يواجهها، والذي يفرض نفسه عليها مع كل تقدّم تحرزه؛ إنها تحتاج، اليوم، كضرورة تاريخية، إلى خطاب قومي جامع، لا يلحظ فقط التمييز بين التشيع الإيراني والتشيّع العربي، بل يتوصّل إلى أطروحة قومية متكاملة. الانفصال عن إيران، لا يعني، اطلاقاً، الكف عن التحالف الوثيق مع هذه القوة الإقليمية الكبرى، وإنما الكف عن الالتباس بين التبعية من منطلق مذهبي، والتحالف على أساس قومي.
الصعود الشيعي العربي شرعيٌ، من الناحية التاريخية، كلياً، ولا يستوجب تقديم أي اعتذار (وهذا ما سنقاربه في المقال اللاحق)، غير أنه ملزوز الآن إلى استكمال عناصره الأيديولوجية اللازمة، ومنها، خصوصاً، الأطروحة القومية واستبصار النموذج الدولتي العلماني الخاص ببلادنا؛ سوريا، بغض النظر الشوائب، هي النموذج الممكن.
10 تعليق
التعليقات
-
تعليق على كتابات المفكر العربي ناهض حتر كنت أتوق من هذه ألقمة ورؤسائها قبل ملوكها أن يقفوا لحظة صمت وتأمل وإستغفاروندم على ما فعلتم بهذه ألأمة ومصير شعوبها . ومن أألصحفيين وألمثقفين ّّّّألعرب ّّ لتقفوا وتقولوا لهؤلاء ألملوك وألرؤساء ....كفانا تفرقة فالشعب أليمني هم من شعوبنا ، وألمعركة ألأساسية هي فلسطين وليس أليمن أو سوريا أو ألعراق فألسودان ورئيسه باعوا جنوب ألسودان وأصبح هناك دولة ثانية تابعةلإسرائيل فسوريا تأمرتوا عليها تحت راية ألحرية وألديمقراطية حتى ولو كانت مفقودة بألأصل في معظم ألدول ألعربية، فدمرتوا وشردتوا شعبها....وووووووو وألعراق، ألكل يعرف ماذا حصل بها هي ألأخرى. ليبيا تأمر عليهاألعرب ولتدميرها ولكن ألمستفيد هم ألغرب تونس ليس فيها نفط لهذا ألسبب توقفت ألحرب بين شعبها وبقيت أيدي ألإرهاب تعبث بشعب تونس لترضخ ألدولة إلى مطالب ألتبعية ألخليجية وعلى رأسها ألسعودية مصر ثورتين أو ثلاثة وألقادم سيكون ألأسوء عندما تريد ألسعودية ألتدخل إذا ما وافقت مصر على أجندة ألغرب، وإلاّ فداعش وألنصرة وألقاعدة موجودون لتأدية ما تطلبه ألسعودية وألإمارات ألمحتلّة لست أدري كيف يقف خادم ألحرمين ألشريفين أمام ألله وهو يصللي في مكة ألمقرمة عندما تقف أمام ألله إذا كنت تعبده، تأمل كل هؤلأء ألأطفال وألنساء وألشيوخ وهذا ألشعب ألفقير ألا تخجل من ألإسكبار أمام شعبٍ ضعيف وفقير أين وضعت دينك إذا كان عندك دين يا بلا حمة وإنسانية إن ألله عليكم ومن معكم وأزركم بشهيد
-
تعليق على كتابات المفكر العربي ناهض حترانا من متابعيكم في القراءة بصورة يومية احب الاشادة بمنهجكم وطريقة مقاربتكم للقضايا والتزامكم بمجموعة مفاهيم وقيم ثابتة رغم كثافة موجات الالتواء في العالم العربي هذه الأيام ونشاركم معظم أفكاركم وآرائكم ومنذ مقالتكم عام 2011 الربيع العربي الاميركي التقينا على هذه المقاربة حيث أنصحكم بقراءة مشروع صدر تحت عنوان دعم الأمن والديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير وهو نسخة ابارك أوباما التي تختلف عن نسخة جورد بوش 2004 - وبالمناسبة هذه النسخة الجديدة التي صدرت عام 2010 لم يترجمها أي صحافي عربي الى اليوم وفيها دراسات مشروع لإصلاح العالم العربي وردت فيه عبارة أن بعض الدول ستتعرض لعنف همجي يصعب السيطرة عليه، ما يجري في العالم العربي اختبارات ومشاريع أميركية نحن العرب نقدم فيها المواد الأولية والايدي العاملة لأ أكثر ولا أقل وسيصل المشروع الى السعودية حيث ورد نص حول مشروع لأصلاحها ولم ينشر تفاصيله ، وجاءت أحداث اليمن لتؤكد معطيات هذا المشروع.
-
لن يكتب لكم النجاحمن هم الشيعة في المنطقة وهل لديهم حقا القدرة البشرية للاستيلاء على مقاليد الأمور وبدء النهضة العرية بنكهة شيعية؟ ها هم في اليمن باي باي انتهى دورهم ونقطة على السطر، وفي العراق عندما يحين الوقت سيتم لجم تلك المليشيات الطائفية واعادتها الى قواعدها مخذولة. أي نهضة سياسية ستكون على أيدي طائفيين أيها اليسار المتنوّر؟؟؟؟ أحلام العصافير...
-
شو رايك استاذ ناهضواصلة القصة من سني شيعي ل روسي امركاني مكل واحد بدو حصته كمان يعني من شو بيشكي الاتحاد السوفييتي الشيعي ومن شو بتشكي الولايات المتحدة الامريكية السنية مكلو عند العرب صابون بسنتهم وشيعتهم ومسيحييهم ما حدا فاضي يعمل شي غير انو يشتغل بالتاني , ليك ملا شغلة .... وفقر وشحار وتعثير وجهل وقتل وجوع وموت شو يعني ولايمتا ولوين . ايييه الله كريم
-
الفكر القومي سابق للفكرالفكر القومي سابق للفكر الديني لان التفكير القبلي سابقللفكر القومي
-
لا مفر من العراقبـِسْـــــــمِ أللهِ الرَّحمـَــــنِ الرَّحـِــــيمِ مقال جميل ويحتاج الى اجابة حقيقة جذرية تجيب على اعطاء بعد قومي اسلامي انساني عالمي للمرحلة الشيعية , اذ على الحركة الشيعية التبلور ليكون دورها كدور العراق اذ كان جسرا بين العرب والفرس والترك تحت اطار اسلامي حاضن للتشيع العالمي المنفتح على بيروت المسيحية والازهر السني وكما يؤمن الشيعة بان الكوفة العاصمة العالمية للثائرين والمستضعفين ببساطة انظر للعراق سترى اي افق ينتظر المرحلة الشيعية ولا مفر لا يران من القيادة العربية للتشيع فيكفي ان ترى منارة امير المؤمنين وشهيد كربلاء ليعرفوا ان معركتهم خاسرة ولا مفر للعرب من الهيمنة الثقافية للعراق على العرب خاصة بمثقفيه الشيعة ولا مفر لتركيا عراق ابو حنيفة النعمان والكيلاني والجغرافية العراقية ان ارادوا الخليج ولا مفر للخليج من ابوة العراق ولا مفر للعالم من ان العراق اصل الحضارة فالكوفة امامهم وسومر خلفهم .
-
النهضة العربية، العلمانية الديموقراطية!!!مقال ممتاز، كالعادة، شكرآ!
-
ﻻ يسعني إﻻ أن أعبر عن شعوريﻻ يسعني إﻻ أن أعبر عن شعوري بعد قراءة هذا المقال و الذي سبقه و كذلك معظم مقالاتك. فمنذ غياب الراحل العظيم، جوزيف سماحه، موءسس هذا المنبر اﻻعلامي الراقي و الملتزم، لم أعرف قلما، يروي الغليل كما يفعل قلمك يا أستاذ ناهض. في هذا الليل الطويل الذي ما زلنا منذ زمن بعيد نتلمس الخروج منه،تقوم أفكاركك و تحليلاتك بهذا الدور الذي لولاه لما كان أضيق العيش. ولكن أرجو أن تسمح لي بالإضافة التالية. فلكي يستقيم النموذج العلماني "الدوﻻتي" أﻻ ينبغي علينا العمل بموازاته على مصالحة الإسلام مع نفسه؟ فأين نحن من الحوارات و المناظرات التي يستحقها ما قدمه مفكري الإسلام بالأمس القريب من أمثال الجابري و أركون.... أو ما تستحقه من اهتمام قراءة المفكر الإسلامي التونسي يوسف الصديق للقرآن. وما دمت تتحدث عن إبن خلدون، فما السبب في غياب دور المركز: القاهرة و دمشق و بغداد و بيروت، لحساب الأطراف: بالأمس تونس و اليوم صنعاء و عدن والبحرين؟ ألم يكن اﻻمر كذلك في الماضي مع بلاد فارس واﻷندلس و في الحاضر مع مفكري شمال أفريقيا الواردة أسمائهم أعلاه. بينما لقي نصر حامد أبوزيد ما لقيه. متى و أين و بمن سيبدأ ذاك الحوار الذي دعوت إليه في مقالك السابق، في 14/03/2015. و أين هو الحوار في مشرقنا مع أو حول أعمال هؤلاء وغيرهم؟ وأين أخطأوا و أين أصابوا ؟ والسلام
-
أي نهضة عربية!أقدّر جداً حماس الكاتب القومي، لكني حقيقة لا أرى في صعود حركات المقاومة مشروعا نهضويا عربيا. الصعود الشيعي هو أقرب ما يكون، كما عبّر قاسم سليماني وعلي يونسي، إلى نهضة إيرانية، لا ينكر "حزب الله" أن جزء عضوي منها. من يعرف الثقافة الشعبية في فضاء "حزب الله" يدرك أن العروبة محل تحقير، أقله في الوسط الجماهيري الملتزم، ومن أجل ذلك تُساق صور نمطية عن العرب كأهل غدر وذل وتخلف، وهي صور مطابقة لما هو شائع عن العرب في إيران. هذا بالطبع لا ينتقص من دور المقاومة، لكنه يفسر الهواجس التي يطرحها الكاتب حول الإطار القومي للصعود الشيعي.