خلال الأيام القليلة الماضية مات طفلان في حضانتين غير مرخصتين. إيليو سلوم، ابن الأربعة أشهر، وُجد ميتاً والدم يتسرّب من أنفه في حضانة clarina et zoe في عجلتون. جنى حسين ديب ماتت أيضاً في حضانة «ديما» في حيّ السلم. أطفالٌ آخرون لم نعرف بهم قد يكونون قضوا في «فوضى الحضانات». وحده الموت في هذه البلاد يحرّك الدولة، يموت الناس على أبواب المستشفيات ويقضي الأطفال داخل الحضانات. على أحدٍ ما أن يكون ضحية قبل أن تقرر الدولة ضبط الوضع في هذه «الغابة»، وفق تعبير وزير الصحة وائل أبو فاعور.
تشير أرقام الوزارة إلى وجود 304 دور حضانة مرخصة فقط، مقابل 205 دار حضانة غير مرخصة منتشرة على الأراضي اللبنانية. يوضح أبو فاعور أنّ هذا الرقم «هو ما نعلم به»، وهو مرجّح للازدياد كثيراً إذا توغّلنا في البيوت التي تتحوّل فجأة إلى دور حضانة. في حضانة clarina et zoe جميع الموظفات غير مؤهلات لتربية الأطفال، ولا وجود لممرضة. أما حضانة «بيسو» في الحمرا، حيث سقطت لعبة على رأس طفلة، فتفتقر إلى معايير السلامة والنظافة والصحة بالكامل، كذلك علب الكهرباء فيها بمتناول الأطفال، فضلاً عن مساحيق التنظيف التي يمكن الوصول إليها بسهولة.
الحملة التي بدأتها الوزارة منذ أيام دفعت المسؤولين عن 85 حضانة إلى تسوية أوضاع حضاناتهم والحصول على ترخيص، ما يعني بقاء 120 حضانة غير مرخصة بالحد الأدنى. 17 من هذه الحضانات موجودة في بيروت، 55 في جبل لبنان، 12 في الجنوب، 4 في البقاع و32 في الشمال. يعترف أبو فاعور بأنه «نتيجة تداعي فكرة الدولة، نشأت أوضاع مخالفة في الكثير من القطاعات، منها الحضانات». حتّى الحضانات لديها حمايات سياسية، إذ كشف أبو فاعور أنّ مسؤول حضانة «ديما» في حيّ السلم طلب من مراقبي وزارة الصحة أن يراجعوا أحد الأحزاب السياسية.
تراجع أبو فاعور أمس عن القرارين اللذين سبق أن أعلنهما في 5 تشرين الثاني 2014 و11 آذار 2015. ينص القرار الأول على تسوية أوضاع دور الحضانة خلال مدة ثلاثة أشهر تحت طائلة الإقفال الفوري، أمّا القرار الثاني فهو تمديد للمهلة حتى الخامس عشر من حزيران 2015، أي إلى حين انتهاء العام الدراسي كي لا يشكّل الأمر إرباكاً للأهل. يقول أبو فاعور إنه كان متجهاً منذ بداية الشهر إلى إعلان الإقفال الفوري، لكنّه تريّث بناءً على رأي عدد من الخبراء. بين القرار الثاني وقرار الأمس مات طفلان في حضانتين غير مرخصتين، وابتداءً من اليوم، تُقفل جميع الحضانات العاملة على الأراضي اللبنانية من دون ترخيص إلى حين تسوية أوضاعها. يطرح هذا الأمر تساؤلاً معتاداً يترافق مع كل قرار من هذا النوع: هل يستطيع الوزير تطبيق هذا القرار في كافة المناطق، خصوصاً بعدما أعلن بنفسه وجود حمايات سياسية لهذه الحضانات؟ وهل سيُغلق محافظ بيروت زياد شبيب، دور الحضانة غير المرخصة في المدينة، أم سيتكرر سيناريو مراكز التجميل نفسه؟