بكامل أناقته، مرتدياً بزة رسمية ومتأبّطاً ملفات سميكة، ظهر الوزير السابق ميشال سماحة في قاعة المحكمة العسكرية أمس. بدا متحمساً للإدلاء بإفادته أخيراً، بعد أربعة تأجيلات لجلسات محاكمته التي بدأت في حزيران 2013، بسبب تعذر تبليغ رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا اللواء علي مملوك، إلى أن قررت المحكمة فصل الخصومة بين ملفه وملف الأخير والسير بكل دعوى على حدة.
من هو ميشال سماحة؟ سأل رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم. «تدرجت سياسياً في حزب الكتائب ثم رئيس اتحاد طلاب الجامعة اليسوعية، وعملت لدى الأونيسكو ووكالة الصحافة الفرنسية. كنت ضد العمل المسلح والخطف والإرهاب والصراع العسكري، ومنتظماً في ملف الحوارات حتى اليوم ووزيراً ونائباً...». لماذا أنت هنا؟ استدرك إبراهيم. تغيرت ملامح سماحة وسرت رجفة في يديه حتى وقعت الأوراق أرضاً. «بعد 985 يوماً في السجن الانفرادي ازدادت قناعتي بأنني وقعت ضحية فخ مخابراتي من خلال كفوري». والسبب «استهدافي قبل استهداف سوريا بسبب دوري، بعد أن انزعجت سفارات مني، وأصدر الرئيس جورج بوش عام 2007 قراراً بمنعي من دخول أميركا لأن نشاطي مع المقاومة وسوريا يشكل خطراً على مصالحها». حينها، «تعاونت أجهزة استخبارات على الدخول إلى اتصالاتي وزرع عميل ومستدرِج ومحرض لإيقاعي في الفخ». كفوري بدأ يتردد عليه منذ عام 1992 وكانت لديه صلات بأجهزة استخبارات. استعرض وقائع اجتماعه بكفوري في منزله بناءً على طلب الأخير في 21 تموز 2012. حينها قال له:» بدنا نساعد أصحابنا (يقصد السوريين) وإذا فيي أعمل قرشين».

محاموه متفائلون بقرب بالحكم اربع سنوات واحتساب مدة التوقيف

والمساعدة، برأي كفوري، كانت بتنفيذ عمليات تفجير عند الحدود الشمالية. أقرّ سماحة بموافقته على العرض بعد إلحاح كفوري. ظن أنه «يواجه الخطر المحدق بالحدود مع سوريا لكيلا يتكرر مشهد الحدود مع إسرائيل، خصوصاً أنني على تماس مع دوائر صياغة القرار في الغرب وأعرف كيف يفكرون». قاده تفكيره إلى الاقتناع بأن تنفيذ عمليات تفجير على المعابر غير الشرعية يضبط نقل المسلحين والسلاح إلى سوريا. أما بالنسبة إلى تفجير ولائم الإفطارات الرمضانية التي كان يحضر فيها رجال دين والنائب خالد الضاهر فـ «سايرته ولست مقتنعاً بأنه قادر على تنفيذها». كفوري «وضع الخطة وتولى متابعة التفاصيل. فأنا لست أمنياً». لكن سماحة تولى الاتصال بمملوك وبمساعده الضابط عدنان اللذين وفّرا كمية من المتفجرات ومبلغ 170 ألف دولار طلبها كفوري، وضعت في صندوق سيارة سماحة في دمشق وقادها إلى منزله في الأشرفية حيث حضر كفوري ونقلها إلى سيارته، على أن تستخدم لتنفيذ المخطط. في الطريق إلى بيروت، رافقه اللواء جميل السيد، مؤكداً أنه لم يكن على علم بشيء.
كيف قبلت بكل هذا؟ سأله إبراهيم. «يعني صارت» قال متنهداً. «أنا غلطت واستدرجت ووقعت في الفخ، إنما جاء من كلف ليفخخني. سايرت كفوري بعرضه ولم أكن مقتنعاً بأنه قادر على أن ينفذ الخطة». ارتكب «غلطة كبيرة. إنما بنتيجتها تبين أنها استدراج بدليل التسجيلات بالصوت والصورة التي وثق بها كفوري جلساته معي وتسجيلات المكالمات على هاتفي»، ملمّح إلى فرع المعلومات. وأكد أنه لم يتحدث مع الرئيس بشار الأسد في الأمر، واقتصر العلم به على الأربعة: سماحة وكفوري ومملوك وعدنان.
واستأذن سماحة هيئة المحكمة ليوجه الاعتذار إلى مفتي طرابلس مالك الشعار والضاهر، والسيد «لأن نزلنا سوا بالسيارة إلى هنا». استسمح الجميع مما «أدليت به بشهاداتي السابقة أمام قاضي التحقيق. كنت مشوشاً جداً من الطريقة الهوليودية التي أوقفت بها».
لكن ماذا عن كفوري؟. مصادر مواكبة للقضية أكدت لـ «الأخبار» أنه موجود في لبنان منذ فترة طويلة بعد أن غادره لمدة قصيرة إثر توقيف سماحة. برغم وجوده، لن يستدعى للإدلاء بشهادته. فهو لا يزال يحظى بحماية من النيابة العامة التمييزية بصفته مخبراً ممنوع الكشف عن هويته. أما وقد كشفت منذ اللحظة الأولى، فلم يعد مخبراً بل أصبح شاهداً عليه أن يدلي بإفادته لأنه لا يوجد في لبنان قانون حماية للشهود. وكلاء الدفاع عن سماحة كانوا قد طلبوا من المحكمة الإستماع لشهادته قبل أن يلغوا المذكرة في نهاية جلسة أمس. وكيله المحامي صخر الهاشم اوضح لـ «الأخبار» أن سبب التراجع عن الإستماع لشهادة كفوري «توقعنا برفض النيابة للطلب ما سيؤدي إلى تطويل أمد المحاكمة». يتوقع الهاشم أن ترفع المحكمة الجلسة المقبلة إلى المرافعة وإصدار الحكم. ما اعترف به سماحة يحيله للمحاكمة بتهمة نقل المتفجرات، مرجحاً الهاشم أن يحكم فيها بالسجن لحوالي أربع سنوات مع احتساب مدة التوقيف».