صنعاء| لم تكن حياة توكل كرمان يوماً تقليدية. الناشطة والصحافية اليمنية التي فازت أمس بـ«جائزة نوبل للسلام» (مع رئيسة ليبيريا الين جونسون سيرليف والناشطة ليما جبووي) لم يتجاوز عمرها بعد الثانية والثلاثين، ورغم ذلك نجحت في التحوّل إلى أيقونة للمرأة المناضلة في بلادها (راجع مقالات أخرى في الصفحة 20). هكذا سعت إلى نيل النساء اليمنيات مكانة أفضل في الحياة العامة، كما رفعت راية حرية التعبير عالياً، رافضةً فرض القيود على إصدار الصحف وإنشاء القنوات التلفزيونية الخاصة.
إلا أنّ كرمان، عكس كثيرين، لم تكتف بالتنظير في القضايا الحقوقية والسياسية والصحافية، بل عملت مباشرة على الأرض، فأسست منظمة «صحافيات بلا قيود»، وتعرّضت للضرب والاعتداء الجسدي والنفسي أثناء مشاركاتها الكثيرة في مسيرات الاحتجاج التي كانت تنظّمها مع شباب الثورة اليمنية. كذلك اختطفت هذه «المشاغبة» عندما كانت عائدة إلى منزلها برفقة زوجها بعد أيام قليلة من اندلاع الشرارة الأولى للاحتجاجات الشعبية. يومها اختطفها عناصر أمنيون تابعون لنظام علي عبد الله صالح واحتجزوها في السجن المركزي لمدة ثلاثين ساعة قبل أن يفرج عنها بعد ضغط دولي وشعبي غير مسبوق. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل قال الرئيس علي عبد الله صالح في اتصال هاتفي مع شقيقها الأكبر «إن السلطة غير مسؤولة عن أي أذى قد تتعرّض له توكل في المرحلة المقبلة»، في تهديد مبطن بالقتل. وهو ما صرّحت به الصحافية اليمنية لوسائل الإعلام دون أي رد رسمي من النظام.
تقول توكل التي تربّت في كنف أحد أكبر الأحزاب الدينية في اليمن وهو «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، إنها كانت تعلم أن طريقها لن تكون سهلة أبداً، إذ إنها تواجه نظاماً عسكرياً وأمنياً هو نظام صالح. وأعلنت أنها تتوقع دائماً أسوأ الاحتمالات. لكنها أكدت أن كل التهديد والترهيب لم يثنِها عن السير في الطريق التي رسمتها لنفسها.
وكانت الشابة اليمنية تكرر في كل تصريحاتها عبارتها المفضلة «من أجل أن ينال الإنسان حقه المشروع عليه أن يطالب به». وانطلاقاً من هذا الشعار رفعت صوتها عالياً، احتجاجاً على القمع والظلم الذي يتعرض له شعبها. هكذا أسّست «ساحة الحرية» أمام المقر الرئيسي لمجلس الوزراء اليمني. ودأبت على إقامة وقفات احتجاجية كل يوم ثلاثاء تضامناً مع كل يمني تعرّض للظلم. لكن بعد ثلاث سنوات على هذه الساحة، ولدت ساحة أخرى... إنها ساحة التغيير التي يعتصم فيها الشباب اليمني منذ أكثر من سبعة أشهر مطالبين بإسقاط نظام صالح.
«الأخبار» اتصلت بتوكل كرمان ما إن أعلن خبر فوزها، فقالت إنها تهدي هذه الجائزة إلى «تلك المجموعة الرائعة الفذة التي كانت معي منذ العام 2007... ومنذ تلك الفترة ونحن نمارس حقنا في الدفاع عن حرية التعبير واحتجاجاً على القمع والسجن من دون أي سند قانوني». وقالت إنها لم تكن تتوقع إطلاقاً أن تفوز بهذه الجائزة «لم أكن أعلم في الأساس أنني مرشحة، لكن مع ذلك لا أخفي فرحتي وسعادتي الكبيرة بفوزي بها». وأكدت أن «نوبل للسلام» هي تأكيد على أن النضال السلمي هو أفضل الطرق «من أجل الحصول على حقوقنا من قبضة الأنظمة الديكتاتورية». ورأت أن جائزتها هي بمثابة «تقدير وتكريم لشهداء ثورة الشباب اليمنية وجرحاها، وهي اعتراف دولي بعدالة هذه الثورة وبضرورة انتصارها». وتضيف بثقة وبفرحة لا تخفيها «الجائزة تأكيد على قدرة تحركنا على إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي يعوق منذ ثلاثة وثلاثين عاماً بناء يمن حديث».
ورغم حرص توكل على إهداء فوزها إلى شهداء الثورة وجرحاها إضافة إلى «شباب الربيع العربي»، لم تنس شكر الأشخاص القريبين منها «لا يمكنني أن أنسى والدي، وزوجي، وأسرتي، فلولاهم لما نجحت في مسيرتي».