رغم تصاعد الحملة الرافضة لمشاريع السدود من قبل البلديات والجمعيات الاهلية والسكان المحليين، كان لافتاً أول من أمس موافقة مجلس الوزراء على اعتبار مشروع إنشاء سد وبحيرة بسري وتخطيط طريق لتمرير خطوط الجر نحو بركة أنان، في بعض قرى وبلديات قضاءي الشوف وجزين، من المنافع العامة، ما يمهّد الطريق أمام الاستملاكات والبازار المنتظر في كل بلدة لرفع أو خفض قيمة الاستملاك وتعديل مرور الخط في العقارات تحقيقاً لمصالح الأزلام والمنتفعين.
وكان وزير البيئة محمد المشنوق قد أعلن مطلع الاسبوع أن الحكومة لا تستطيع وهي في تركيبتها وظروفها الحالية تغيير خيار حكومي متّخذ في الحكومة السابقة، وأن العمل في سدّ جنة مستمر، كذلك الأمر في سد حمانا وبسري، مؤكداً أن دراسة لتقييم الاثر البيئي حول هذه المشاريع الاستراتيجية ستصدر في أقل من أسبوعين.
وتقول الجمعيات البيئية إن دراسة الاثر البيئي لسد بسري قديمة، ويجب أن يعاد البحث فيها بالاستناد الى المرسوم الجديد، وأن يجري تلزيمها الى شركة مختصة غير تلك التي كلفت بأعمال التخطيط والتلزيم، وأن تراعي استشارة السكان في منطقة السد.
وسبق لمجلس الوزراء أن وافق بموجب قراره رقم ٣٣ تاريخ ٨ ايلول ١٩٩٩ على تكليف مجلس الانماء والاعمار بتحديث الدراسة العائدة لمشروع سد بسري والمباشرة بالاجراءات المتعلقة بتنفيذ هذا المشروع. وفي ١٢ تموز ٢٠١٢، أي بعد ١٣ عاماً على تكليف مجلس الوزراء، وافق مجلس الانماء والاعمار على تكليف الاستشاري دار الهندسة «نزيه طالب وشركاه» وشركة نوفك (مجموعة مندمجة) بمهمات استكمال الدراسات وإعداد ملفات التلزيم ومؤازرة المجلس خلال عملية تلزيم وتنفيذ الاشغال العائدة لمشروع سد بسري.
وتعود الدراسات الاولى لمشروع إنشاء سد بسري الى خمسينيات القرن الماضي، حيث سبق أن قامت النقطة الرابعة «المساعدة الأميركية» بدراسة عامة للموارد المائية في لبنان خلال السنوات 1951 إلى 1954، من جملتها استكشاف موقع لإنشاء سد على نهر بسري. وفي سنة 1975 قامت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمزيد من الاستقصاءات الجيولوجية. وفي سنة 1980 تم التوقيع على اتفاق بين المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، والاستشاريين «بي آر سي للهندسة» و»دار الهندسة نزيه طالب» لإجراء دراسة الجدوى.
وتشير الدراسات الى أن مشروع السد يقع على منسوب 395م فوق سطح البحر على مسافة 23 كلم من مصب النهر في البحر الأبيض المتوسط، ومن المفترض أن يؤمن ١٠٥ ملايين متر مكعب من المياه سنوياً لمصلحة المنطقة الممتدة من ساحل إقليم الخروب وصولاً الى مرتفعات المتن مروراً بالضاحية الجنوبية وبيروت الادارية.
في المقابل، تتصاعد الحملة البيئية المطالبة بإعادة النظر في مشروع إنشاء السدود في مختلف المناطق اللبنانية، ومن ضمنها سد بسري، نظراً إلى ضررها البيئي الذي لا يعوض، وكلفتها المرتفعة، ووجود بدائل لها أقل كلفة وأكثر فائدة، أهمها البرك الطبيعية الصغيرة والتخزين الجوفي.
وتشير الدراسات العلمية المتعلقة بالبحيرات والسدود إلى أن التلوث الناتج من الكثافة السكانية وآثار الاحتباس الحراري، يجعل من المياه المجمعة خلف السدود غير صالحة للشرب، ويستوطن فيها عدد كبير من البكتيريات والطحالب الضارة، عدا عن تبخّر جزء كبير منها.

بلدية الميدان ــ قضاء جزين
هي الوحيدة التي أصدرت قراراً برفض سدّ بسري


ويؤكد الناشط البيئي رجا نجيم أنّ المناطق الواقعة في نطاق مشروع سدّ وبحيرة بسري مُصنّفة مواقع طبيعية محميّة بموجب القرار الوزاري رقم 131 لسنة 1998 (وزارة البيئة)، ضمن تصنيف نهر الأوّلي من المنبع الى المصبّ طولاً، بما فيه حرم النهر الذي يشمل جميع الأراضي المصابة بالتخطيط. كذلك فإن هذه المنطقة محمية بموجب «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة»، حيث تمّ تصديق تصنيف نهر الأولي، وخاصة «البارك ــ المتنزه الطبيعي» المناطقي لنهر بسري، باعتباره منطقة طبيعية وطنيّة.
وينبغي للمخططات التوجيهية وأنظمة المدن والقرى التي سيجري إعدادها أو تعديلها، الالتزام بالإجراءات التخطيطية والتنظيمية التي يتخذها مجلس الوزراء انطلاقاً من «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة». وهذا ما نصّت عليه المادة الرابعة من قانون التنظيم المدني رقم ٦٩ الصادر في ٢٢ أيلول سنة ١٩٨٣، بالقول: «يتم وضع التصاميم وأنظمة المدن والقرى ضمن الخطة الشاملة لتنظيم الأراضي».
في المقابل، يتبين من نص «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة» أنها تتضمن فصلاً كاملاً عن السدود والبحيرات ورد فيه مشروع سد بسري من ضمن المشاريع الحكومية المقترحة باعتباره في «طور الدراسة المفصلة»، لتخلص الخطة الى القول إن الكلفة المرتفعة للسدود، والتي تتجاوز ملياري دولار، عدا عن كلفة شبكة التوزيع التي تكلف بضعة مليارات أخرى، تجعل من مشاريع السدود المقترحة مجرد «خطط مبدئية أكثر منها برامج ثابتة ومحددة في الزمان».
ويؤكد نجيم أن منطقة بسري تتميز بتنوّع بيئي فريد غير متوافر في أي من المناطق اللبنانية الأخرى. وبالتالي فإن كلفة إنشاء السد عالية الأثر من الناحية البيئية.
وفي حين تقدّر وزارة الزراعة أن إنشاء السد يحتاج الى إزالة ما يقارب ٧٠ ألف شجرة ، يشير نجيم الى أن هذا التقدير يمكن أن يرتفع الى ما يزيد على ٢٠٠ ألف شجرة على أقل تقدير.
كذلك يشير نجيم الى أن السد المذكور يهدد بالقضاء على الآثار الرومانية والعثمانية في مرج بسري وكنيسة ومزار «مار موسى». ولا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المنطقة الزلزالية لوقوعها مباشرة فوق فالق روم الزلزالي.
ويرفض نجيم «العرض ــ الرشوة» الذي يقدم إلى بلديات المنطقة بإنشاء محطات تكرير للصرف الصحي في مقابل موافقة البلديات على المشروع، مؤكداً أن ذلك لا يمكن أن يحسم مسألة تلوث وادي نهر بسري بمجارير إقليم الخروب وجزين ما دامت مشاريع الصرف الصحي لا تُربط ربطاً كاملاً بمحطات تكرير، علماً بأن من واجب الدولة أن تنفذ هذه المشاريع الضرورية لأبناء المنطقة بمعزل عن الموافقة أو عدم الموافقة على مشروع السد.
ويطالب مجلس الإنماء والإعمار بضرورة استملاك عقارات وأقسام من العقارات تقع في مناطق بسري، مزرعة الظهر، الحرف، خربة بسري، عاراي، بكاسين، مزرعة الشوف، دير المخلص، بحنين ، بنواني، الغباطية، باتر، عماطور، وبسابا العقارية، لزوم مشروع إنشاء السد والبحيرة وتخطيط طريق لتمرير خطوط الجر نحو بركة أنان في بعض قرى وبلديات قضاءي الشوف وجزين.
ويتبين من ملخص الملف الذي رفعه «الإنماء والإعمار» الى مجلس الوزراء أن المجلس راسل البلديات طالباً موافقتها على المشروع، حيث وافقت بلديات مزرعة الشوف وبنواتي ومزرعة الظهر على المشروع بموجب قرارات صادرة عن المجالس البلدية مع بعض الملاحظات (غالباً ما تكون ملاحظات نفعية تتعلق بضم أو حذف بعض العقارات من التخطيط بحسب مصالح انتخابية وعائلية وطائفية). كذلك صدر عن قائمقام جزين بالتكليف قرار بالموافقة على المشروع بالنسبة إلى القرى التي لا يوجد فيها بلديات، مرفقاً قراره بموافقة مخاتير بلدات وقرى بحنين وبسري والغباطية والحرف.
اما بالنسبة إلى بلديات بسابا وباتر وعاراي وبكاسين، فقد رأى مجلس الانماء والاعمار أنه صدر عنها موافقة ضمنية على المشروع، لأنها لم ترد سلباً أو إيجاباً خلال ١٥ يوماً من تاريخ تبليغها، عملاً بالبند الثامن من المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم ٥ تاريخ ٣١ آذار ١٩٧٧، في حين أبدى رئيس بلدية عماطور ومختار بلدة خربة بسري ملاحظات حول المشروع، يقول مجلس الإنماء إنه أخذ بها، علماً بأن ذلك لا يمكن اعتباره بمثابة موافقة قانونية من تلك البلدات على المشروع، لأنه يفترض بهذه الموافقة أن تكون صادرة عن المجلس البلدي.
في المقابل، فإن بلدية الميدان هي الوحيدة التي أصدرت قراراً واضحاً، وجددت التأكيد عليه أكثر من مرة، برفضها القاطع للمشروع جملة وتفصيلاً، وكرر مجلس الانماء والاعمار طلبه اتخاذ قرار بلدي غير مشروط بالموافقة، لكن البلدية تصرّ على موقفها.
وعلمت «الأخبار» أن وزير الداخلية نهاد المشنوق أرسل عن طريق المحافظ كتاباً إلى بلدية الميدان مع طلب بأن توافق على المشروع، وأجابت البلدية، أول من أمس، بالرفض، عن طريق قرار بلدي موقّع من جميع الأعضاء.
لكن رفض بلدية الميدان لم يشكل الذريعة الكافية لعدم المصادقة على مشروع مرسوم المنفعة العامة في مجلس الوزراء، وعلمت «الأخبار» أن كتلة الكتائب الوزارية قد تراجعت عن موقفها السابق بعد الموافقة على المشروع قبل أخذ موافقة جميع البلديات، ولقد صوّت الوزيران رمزي جريج وسجعان قزي على المرسوم، في حين كان وزير الاقتصاد آلان حكيم غائباً بداعي السفر.
ويسعى رئيس اتحاد بلديات جزين خليل حرفوش الى الضغط من أجل صدور قرار بالإجماع عن الاتحاد بالموافقة على المشروع. وكان من المقرر أن يعقد اجتماعاً للبلديات اليوم السبت للبحث في هذه المسألة. لكن حرفوش تراجع عن عقد الاجتماع المذكور لعلمه بأن موقف عدد كبير من الاعضاء سيكون رافضاً للمشروع، ولقد اقترح على البلديات أن يعقد اجتماع جديد مع مجلس الإنماء والإعمار للتفاوض.