في يوم 17 تشرين ثاني 2011، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام البرلمان الأوسترالي: «منطقة الباسيفيك (المحيط الهادئ) – آسيا هي مجال اهتمامنا الرئيسي». بين تسلّم منصبه في البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني 2009 وذلك اليوم في أوستراليا كان من الواضح أنّ الرئيس الأميركي له استراتيجية خروج من الشرق الأوسط عبر سحب القوات العسكرية التي غزت أفغانستان والعراق عامي 2001 و2003، وله استراتيجية انزياح نحو الشرق الأقصى. وذلك بعدما حصل تركيز أميركي على المسرح الأوروبي في فترة الحرب الباردة (1947-1989) ضد السوفيات، ثم جرى تركيز أميركي على الشرق الأوسط منذ حرب 1991 بالخليج، وعقب 11 سبتمبر عبر ما جرى من الغزوين الأميركيين لأفغانستان والعراق.
في عام 2014 كان لآسيا الشرقية والجنوبية وأوقيانوسيا 34% من حجم الاقتصاد العالمي، والصين وحدها تمثل 17% من الحجم الكلي الاقتصادي العالمي محسوباً عبر الناتج المحلي الاجمالي. تدل تلك الأرقام على أن الاقتصاد العالمي قد بدأ ينزاح مركز ثقله عن منطقة المحيط الأطلسي، بعدما أصبحت لندن عاصمة للاقتصاد العالمي إثر معركة «الأرمادا» ضد الاسبان عام 1588، ثم أصبحت نيويورك عاصمة اقتصادية عالمية عقب الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 - 1932، وهو ما ترجم سياسياً لما أصبحت واشنطن عاصمة سياسية للعالم الغربي بدلاً من لندن منذ عام 1945، ثم قطباً واحداً للعالم بعد الانتصار على موسكو في الحرب الباردة عام 1989.
ما جرى في اليمن
وفي ادلب بعد التقارب
السعودي ـ التركي لم
يكن برضى أميركي

لا يريد أوباما أن يكون في وضعية لندن التي وقفت مطمئنة - راضية، وهي محكومة بتجربتها المريرة مع الفرنسيين في حرب السنوات السبع 1756 - 1763، وفي الحروب زمن نابليون 1799 - 1815، إلى العملاق الألماني الناشىء عبر وحدة 1871 بعد الانتصار البروسي على فرنسا في معركة «سيدان» قبل أن يضطر هذا العملاق الألماني الانكليز إلى خوض حربين عالميتين لسحقه، وهو ما كان عملياً سبباً عبر الانهاك في أفول شمس لندن وفي صعود القوة الأميركية والسوفياتية حيث كانت واشنطن وموسكو من هزما هتلر من الناحية الفعلية.
من الواضح أن بكين هي هاجس البيت الأبيض في عهد أوباما، كما كانت موسكو منذ عهد ترومان (1945-1953) إلى عهد ريغان (1981-1989). النمو الاقتصادي السريع جعل الصين تنتقل من 7% من حجم الاقتصاد العالمي عام 1980 إلى 15% عام2000 وإلى17% عام 2014. ومن المقدر أن يكون النمو الصيني في فترة 2010 -2020 بمعدل 10,2%، فيما لن تتجاوز الولايات المتحدة معدل 7,5% في الفترة نفسها. صحيح أنّ الولايات المتحدة لها وحدها ربع حجم الاقتصاد العالمي عام 2014 والاتحاد الأوروبي له الخُمس، إلا أن المساهمة في النمو العالمي بفترة 2010 - 2020 ستكون للصين بنسبة 31% وللولايات المتحدة 22% والاتحاد الأوروبي 10% وللهند 5%.
خلال عهد أوباما جرى انشاء قاعدة للمارينز في ميناء داروين، شمال أوستراليا عام 2011، وتجديد قاعدة «خليج سوبيك» الأميركية في الفيليبين 2012، وفتحت فييتنام القاعدة البحرية في خليج «كام ران» أمام السفن الأميركية للصيانة عام 2012، ونُشر نظام للدفاع الصاروخي الأميركي في كوريا الجنوبية (منذ 15 آذار 2015)، وجرى توقيع أميركي ــ ياباني يوم 27 نيسان 2015 على نظام للدفاع الثنائي، هو عملياً عبر عمليات «التعاون الدفاعي» الموجودة ضمنه سينقل طوكيو من وضعية «الدولة اللاحربية» (كما كان الوضع منذ استسلام اليابان في يوم 14 آب 1945) إلى وضعية جديدة. فتح أوباما الأبواب أمام حكام ميانمار العسكريين لفك عزلتهم ولابعادهم عن بكين. تقارب البيت الأبيض مع نيودلهي، برغم وضعية الهند في عضوية مجموعة دول البريكس (التي تجمعها مع روسيا والصين والبرازيل وجنوب افريقيا منذ 2009)، يقود إلى استثمار أميركي ناجح على العداء الصيني – الهندي الذي لم يحل منذ حرب 1962 ويجعل «البريكس» في وضعية مزعزعة. من الواضح من قمة تشرين الثاني 2014 لمشروع الشراكة الاقتصادية عبر الباسيفيك TPP (الولايات المتحدة - كندا - المكسيك - بيرو - تشيلي - اليابان - فييتنام - تايلاند - سنغافورة - بروناي - أوستراليا - نيوزيلاندا)، مضافةً له اتفاقية الشراكة التجارية الأميركية مع كوريا الجنوبية التي أقرها الكونغرس في خريف عام 2011، أنّ باراك أوباما يترجم كلامه في البرلمان الأوسترالي إلى «الاقتصاد»، كما أن تزنير الباسيفيك بالقواعد العسكرية يترجم إلى الصعيد العسكري، في وقت أصبح فيه مركز القيادة الخاصة بمنطقة الباسيفيك في هاواي من أكبر مراكز القيادات العسكرية الأميركية بالقياس لتلك الخاصة بالشرق الأوسط، مثلاً.
إذا قارنا ما جرى من جانب الولايات المتحدة في آذار ونيسان 2015 مع كوريا الجنوبية واليابان على الصعيد العسكري مع ما جرى بكامب دافيد يوم 15 أيار2015 من قبل أوباما مع دول مجلس التعاون الخليجي الباحثة عن تطمينات عبر معاهدات دفاعية أو ضمانات عسكرية، مثل «مبدأ أيزنهاور» عام 1957، فإنه عندئذ يمكن تلمس مدى أولوية الشرق الأقصى على الشرق الأوسط في استراتجية الرئيس الأميركي. لم يحقق أوباما للخليجيين، الخائفين من تداعيات اتفاق واشنطن النووي مع طهران، ما طلبوه، فيما كان لاهثاً لسنوات عدة خلق طوكيو وسيول من أجل تلك الاتفاقيات العسكرية التي عقدت في آذار ونيسان الماضيين. «اتفاق 5+1» مع طهران يوم 2 نيسان 2015 هو خطوة من استراتجية الخروج الأميركية من الشرق الأوسط لكي يجري «احتواء طهران» أميركياً لضمان شرق أوسط «هادىء ومضبوط» بعد الخروج الأميركي، لا تخرج فيه ايران عن الخطوط الخضر والحمر والصفر الأميركية وتبعد فيه عن روسيا والصين مقابل اعتراف أميركي بنفوذ طهران الاقليمي هنا وهناك. هناك مؤشرات عديدة على أن ما جرى في اليمن ما بعد 26 آذار 2015، وفي ادلب 24 آذار 2015 بعد التقارب السعودي - التركي البادىء مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، لم يكن برضى أميركي، وأنه كان موجهاً لتحصين مواقع اقليمية ولتحسينها أمام ما كان يجري في ذلك الأسبوع بمدينة لوزان السويسرية.
* كاتب سوري