سلبت معارك الشمال السوري واحتلال تنظيم «داعش» لمدينة تدمر في قلب البادية، الأضواء من الجبهات ومحاور الاشتباك على امتداد الجنوب السوري، من السويداء في الشرق إلى درعا والقنيطرة غرباً. غير أن ما بعد احتلال إرهابيي «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» وفصائل أخرى تتبع لـ«غرفة العمليات الأردنية (الموك)» لمدينة بصرى الشام جنوب شرق درعا، وسقوط مدينة إدلب بيد إرهابيي «جيش الفتح» (الاسم «التسويقي» لـ«القاعدة») وتركيز الدول الداعمة للإرهابيين على إسقاط مدن محافظة إدلب، أحدث انخفاضاً نسبياً في حركة الجماعات المسلحة في الجنوب.
واحتفظ الإرهابيون بعدة نقاط اشتباك دائمة السخونة مع الجيش السوري، أبرزها في قلب مدينة درعا، ومحور شمال غرب درعا، والقطاع الشمالي من محافظة القنيطرة، في مقابل استمرار الجيش باستهداف تجمعاتهم بالقصف المدفعي والجوي الكثيف.
وبمعزلٍ عن توسّع «داعش» في البادية شرق السويداء، والانصياع الأردني للحماسة الإسرائيلية ــ الخليجية لإسقاط كامل الجنوب السوري، تشير معطيات الميدان في درعا والقنيطرة إلى أن الأيام المقبلة تحمل معارك طاحنة على جبهات الجنوب، أبرزها تحضير «النصرة» وفصائل «الموك» للهجوم على مقرّ اللواء 52 الاستراتيجي في بلدة الحراك، شرق أوتوستراد درعا ــ دمشق. وعلى لائحة أهداف مسلحي الجنوب بعد اللواء 52، الهجوم على حيي درعا المحطّة والمنشية والمربّع الأمني داخل مدينة درعا لإسقاط كامل المدينة، واللواء 68 في خان الشيح وبلدة سعسع، فضلاً عن الضغط الميداني على قرى المقرن الغربي في السويداء وبلدة حضر على سفح جبل الشيخ في مقابل الجولان السوري المحتلّ.
وليس خافياً أن توحيد الجهود السعودية ـــ القطرية ـــ التركية مع بدء العدوان السعودي ـــ الأميركي على اليمن، دفع غرفتي عمليات عمّان وتركيا، إلى تنسيق العمليات الميدانية بين الشمال والجنوب من حيث التسليح والعديد والتوقيت، على نحو لافت. وعلى ما تؤكّد لـ«الأخبار» مصادر أمنية سورية معنية بالجبهة الجنوبية، فإن «عدداً كبيراً من المسلحين الذين يخضعون لدورات تدريبية في معسكرات أردنية وسعودية على أيدي مدرّبين أميركيين، سُحبوا قبل انتهاء تدريباتهم للقتال في جبهات الشمال، وتحديداً في معركة مدينة إدلب، بالإضافة إلى نقل كمٍّ من الصواريخ الموجّهة المخصصة للجبهة الجنوبية إلى الشمال».
وتشير المصادر إلى أنه «في الأسبوعين الأخيرين، أُدخل نحو ألف مسلّح من مراكز التدريب السعودية والأردنية إلى الجنوب السوري على دفعتين، آخرها كان قبل ثلاثة أيام، حيث وصل إلى مقارّ المسلحين في شرق درعا أكثر من 500 مسلح». وتقول المصادر إنه يجري تطعيم الفصائل المختلفة بالمسلحين «بغية توزيع الخبرات الجديدة على كافة الفصائل، ومن جهة ثانية لضمان توحيد الجهود ووقف الاقتتال الداخلي خلال التحضير للهجوم على مواقع الجيش». وتؤكّد المصادر أن «الفاتورة المالية والتسليحية المخصصة لمعركة اللواء 52 قد وصلت إلى المسلحين من (الموك)»، وأن «إشارات التحضيرات تؤكّد بدء الهجوم في أقرب فرصة».
مصادر عسكرية أخرى تشير إلى أنه «منذ ثلاثة أسابيع والعمل جارٍ في القرى القريبة من مواقع الجيش في مطار الثعلة واللواء 52، على حفر الخنادق وبناء التحصينات». وأخلى المسلحون عدداً كبيراً من المدنيين إلى داخل المناطق المحتلة لاستخدام القرى في الهجوم. وتلفت المصادر إلى أن «الجماعات التي تديرها الاستخبارات الأردنية مباشرة تحت عنوان العشائر وتتخذ من بلدة الجيزة مقراً لها، تعدّ العدّة أيضاً للمشاركة في الهجوم».

بدأ الإعلام
الإسرائيلي يتحدّث عن التدخل بحجّة «حماية حضر من المجازر»


ويعدّ اللواء 52 من أقوى ألوية الجبهة الجنوبية من حيث التسليح والمساحة الجغرافية التي يمتد فوقها، إذ يربط ريفي درعا والسويداء، ويشكّل بالتعاون مع مطار الثعلة في غرب مدينة السويداء خطّ الدفاع الأول عن المدينة، وإسقاطه يعني إخضاع المدينة لرحمة الإرهابيين، ويمهّد للهجوم على مدينة إزرع التي تضمّ تجمعاً عسكرياً كبيراً للجيش، وبلدة خربة غزالة وتهديد أوتوستراد دمشق ــ درعا. ويعمل الجيش السوري في المقابل، على تحصين اللواء 52 وبسط السيطرة الكاملة على خطوط الإمداد من منطقة الأصفر في البادية إلى درعا، وتعزيز قواته في إزرع لتشكّل خط دفاع خلفي عن دمشق، امتداداً إلى مدينة الكسوة.
بيد أن المعلومات التي أمكن الأجهزة الأمنية السورية جمعها، بالإضافة إلى جهاز أمن المقاومة، كانت تشير في الأسابيع الماضية إلى نية «الموك» توجيه الإرهابيين لاحتلال كامل مدينة درعا، والسيطرة على المربع الأمني ودرعا المحطّة. وتقول مصادر سياسية سورية إن «قرار سقوط مدينة درعا خاضع للتجاذب الأردني ــ الإسرائيلي ــ الخليجي»، إذ «يتردّد الأردن بدعم إسقاط المدينة وفتح كامل الجنوب أمام الإرهابيين على طول حدوده الشمالية». وتقول المصادر الأمنية إن «قرار الهجوم على درعا أُجِّل إلى ما بعد انتهاء امتحانات شهادة الثانوية العامة في سوريا، التي بدأت أمس بسبب ضغوط من أهالي القرى»، ويضع الإرهابيون إسقاط اللواء 52 هدفاً لقطع الأوتوستراد، وبالتالي قطع خطّ الإمداد عن درعا وحصارها، قبل الهجوم عليها.
من شرق درعا إلى غربها، حيث لم تتوقّف محاولات المجموعات المسلحة لاختراق مثلّث درعا ــ ريف دمشق ــ القنيطرة، منذ التقدم الأخير للجيش السوري وحزب الله في المنطقة في شباط الماضي. ويسعى الإرهابيون بشكل مستمر إلى إحداث اختراقات في مواقع الجيش المشرفة على أوتوستراد دمشق ــ القنيطرة (أوتوستراد السلام)، وتحديداً باستهداف اللواء 68 في خان الشيح، والهجوم على المواقع المحيطة بسعسع انطلاقاً من بلدة حسنو، بغية قطع الطريق وعزل شمال القنيطرة نهائياً عن دمشق. وبحسب المعلومات، فإن الفصائل المدعومة من إسرائيل في قرى جباثا الخشب وطرنجة وأفاميا والحرية، من بينها «النصرة»، عرقلت المصالحات التي كان من المفترض أن تتم يوم أمس، ويسلم على إثرها عدد من الإرهابيين أنفسهم للجيش السوري. وبدل المصالحات، تذهب الجماعات الإرهابية للضغط على مدينتي البعث وخان أرنبة.
وفي الوقت الذي تزداد فيه اعتداءات الإرهابيين المدعومين من إسرائيل على قرية حضر، انطلاقاً من جباثا الخشب جنوباً وبلدة بيت جن ومزرعتها شمالاً، بدأ الإعلام الإسرائيلي التحدّث علناً عن نيّة إسرائيل التدّخل بحجّة «حماية حضر من مجازر قد يرتكبها عناصر القاعدة بحقّ أهاليها الدروز». وممّا لا شكّ فيه، أن تعليقات المحللين العسكريين الإسرائيليين حول حضر على الشاشات العبرية، تجري بإيعاز من الرقابة العسكرية الإسرائيلية، في تمهيد واضح لتدخل إسرائيلي مباشر في الجولان المحرّر. وفي الأيام الماضية، وردت أكثر من إشارة واضحة على لسان المحلّل العسكري للقناة الإسرائيلية الأولى أمير بن شالوم، الذي أشار إلى أنه «في المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) يفهمون أن الطائفة الدرزية في إسرائيل ستجد صعوبة في بقائها لا مبالية إذا نُفّذت مجزرة في القرى الدرزية القريبة من الحدود». كذلك لفت المحلّل العسكري للقناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن دايفيد، إلى أن «اللحظة الوحيدة التي يمكن فيها إسرائيل فعل شيء، هي في حال رؤيتنا تهديداً للسكان الدروز في حضر، وبتقديري إسرائيل قد تفكّر حينها إما في فتح الحدود أو إنشاء منطقة تغطية لهم من الجانب الشرقي للحدود».




اقتتال «جهادي» لمصلحة إسرائيل

منذ أكثر من شهرين، تندلع معارك طاحنة بين إرهابيي «جهة النصرة» و«لواء شهداء اليرموك» المتّهم بمبايعة «داعش»، في جنوب غربي درعا، على مقربة من مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتلّ ومعبر تلّ شهاب مع الحدود الأردنية. وفي الوقت الذي يُروَّج فيه للمعارك على أنها بين «النصرة» و«داعش»، تشير مصادر أمنية سورية ومصادر أمن المقاومة إلى أن قيادات الفصيلين في غرب درعا والقنيطرة على تواصل لصيق بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان). وبحسب خريطة المعارك، التي تتغيّر فيها خريطة سيطرة الفصيلين بين يوم وآخر على بلدات سحم الجولان وعين ذكر والكويا ونافعة والشجرة، فإن ما يبدو صراعاً «جهادياً»، هو في حقيقة الأمر تمهيد لفصل جنوب القنيطرة عن منطقة جيدور درعا، في محاولة إسرائيلية لعزل دفق المسلحين عن حدود الجولان المحتلّ، تمهيداً لإبعاد الفوضى المقبلة عن الحدود مباشرة. وتحظى «النصرة» وباقي الفصائل في القنيطرة بدعم إسرائيلي عسكري مباشر، فضلاً عن تقديم المساعدات الطبية ومعالجة الجرحى داخل مستشفيات الكيان، حتى أولئك الذين يتعرضون للإصابة في الاشتباكات الحالية.