لا تشبه «فرعية» نقابة المحامين في طرابلس، التي انطلق العدّ التنازلي لها الأسبوع الماضي إثر إقفال باب الترشيح، مثيلاتها من الانتخابات السابقة. فقد جرت العادة في هذا الحدث الذي تشهده النقابة الأعرق في طرابلس والشمال (تأسست عام 1921) كل سنتين، لاختيار عضوين، مسلم ومسيحي، بديلاً من آخرين انتهت فترة ولايتهما (هما حالياً النقيب السابق أنطوان عيروت وعضو مجلس النقابة فهد المقدم)، أن يكون السقف السياسي فيها منخفضاً، وكذلك التدخلات، لكونها محطة تمهيدية تسبق انتخاب نقيب جديد للنقابة في العام التالي.
من هذه الناحية لا تختلف هذه الانتخابات عن سابقاتها، لكن ما يلفت النظر هذا العام أن مقاربة القوى السياسية لها بعد إعادة تموضعها، منذ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وتأليف الرئيس نجيب ميقاتي حكومته، تقوم على اقتراب أكثر من واقع النقابة، ومحاولة البعض عدّها تمهيدية، تساعده في شكل أو آخر، على ترتيب أوراقه الداخلية قبل اقتراب مواعيد استحقاقات أخرى أكثر أهمية، على رأسها انتخاب نقيب جديد العام المقبل، أو غيره من الاستحقاقات النقابية، قبل أن يلتفت الجميع إلى الاستحقاق النيابي عام 2013.
ويتمثل التعاطي الجديد في ابتعاد معظم القوى السياسية عن الدعم المباشر لمرشحين يحملون طابعاً حزبياً، وفتحها الباب أمام مرشحين يمثلون تقاطعاً بين قوى وتيارات سياسية عدة، ما يعطي الكتلة المستقلة داخل النقابة، وهي الأكبر بين نظيراتها، وزناً ودوراً مهمّين، وهذا ما يشكّل فرصة ستعمل النقابة على اغتنامها لتأكيد ثقلها، في ظلّ انشغال أغلب القوى بتنظيم أمورها الداخلية، ما سيجعل الطابع النقابي يغلب هذه المرة على ما عداه.
أول معالم الوضع الجديد هو دعم تيار المستقبل مرشَحين غير حزبيين، هما توفيق بصبوص وأسعد موراني، في خطوة يُنتظر إعلانها رسمياً في غضون أيام، ضارباً عرض الحائط بمواقف حلفائه في الشمال، بتجاوزه دعم النائب بطرس حرب للمرشح سعدي قلاوون، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري للمرشح إيلي ضاهر. وعدم توقف المستقبل عند رغبة حرب بدعم قلاوون، ابن الأقلية السّنية في قضاء البترون، يعود إلى أن التيّار الأزرق لم يسبق أن سمح لأي من حلفائه في 14 آذار بتسمية أحد المرشحين السّنة في أي انتخابات، نيابية كانت أو نقابية، وهو ليس في وارد كسر هذه القاعدة. أمّا عدم نزول التيار عند رغبة مكاري بدعم مرشحه ضاهر، فيعدّ نكسة لنائب الكورة، وهو أمر فُسّر في أوساط المستقبل بأنه عائد إلى «انزعاج نتيجة تلكؤ مكاري وغيره من نواب التيار في الوقوف إلى جانب الشيخ سعد في أزمته المالية».
في غضون ذلك، تتمهّل القوى السياسية الأخرى في اتخاذ موقف نهائي من الاستحقاق، وتحديداً الرئيسين ميقاتي وعمر كرامي والوزير محمد الصفدي والجماعة الإسلامية وغيرهم، لأنه «لا يزال هناك متسعٌ من الوقت»، وفق مقربين من ميقاتي الذي تقول مصادر متابعة انه «يتجه إلى ترك الخيار لقاعدته النقابية، ما سيدفع قسماً من مؤيديه إلى العزوف عن المشاركة».
في هذه الأثناء يقوم المرشحون السبعة لمركز العضوية بجولات على المحامين الـ1087 الذين يحق لهم الاقتراع، وعلى القوى الناخبة داخل النقابة وعلى القوى السياسية من أجل جس نبضها.
في الجانب المسلم، ينطلق بصبوص من دعم تيار المستقبل ونقباء سابقين ومستقلين، بينما يستند عبد القادر التريكي (حزب الاتحاد) إلى تأييد قوى 8 آذار ، فضلاً عن نقباء سابقين ومستقلين، فيما يخوض قلاوون وأحمد الكرمة الاستحقاق على أمل تحقيق نتيجة إيجابية. أما مسيحياً، فمع التوقعات بانسحاب ضاهر، يبقى التنافس مقتصراً على المرشحين موراني، الذي حظي بدعم التيار، ومنير داود الذي يخوض تجربته الانتخابية الأولى، ما سيجعل التنافس بينهما أكثر احتداماً مما هو على الجانب الآخر، في انتخابات يبدو واضحاً أن المستقلين سيكونون فيها «بيضة القبّان».