أصدرت، أمس، وزارة المال نتائج المالية العامة عن الفصل الأول من عام 2015. أظهرت الأرقام تدهوراً في الإيرادات الإجمالية مقارنة مع الأرقام المحققة في الفصل الأول من عام 2014. وتشير النتائج إلى تراجع الإيرادات بنسبة 11.5% لتبلغ 3349 مليار ليرة، فيما تراجعت النفقات بنسبة 2.9% لتبلغ 4257 مليار ليرة، أما العجز الإجمالي فقد سجّل ارتفاعاً بنسبة 26.4%.
مصدر التراجع في الإيرادات ناجم بصورة أساسية عن تراجع إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 12.1%، أو ما قيمته 102.2 مليار ليرة لتصبح 744.6 مليار ليرة. كذلك تراجعت إيرادات ضرائب الدخل والأرباح ورؤوس الأموال بنسبة 8.2% أو ما قيمته 53.8 مليار ليرة لتصبح 598.2 مليار ليرة. أيضاً تراجعت تحويلات وزارة الاتصالات بنسبة 25.1% أو ما قيمته 122 مليار ليرة لتبلغ 363.3 مليار ليرة... تمثّل البنود المذكورة حصّة أساسية وكبيرة من مجمل الإيرادات العامة؛ فإيرادات ضريبة القيمة المضافة تمثّل 23.7%، وإيرادات ضرائب الدخل والأرباح تمثّل 19%، وتحويلات وزارة الاتصالات تمثّل 12.3%. وإلى جانب ذلك، هناك بنود أخرى سجّلت نتائج سلبية أيضاً مثل تحويلات مرفأ بيروت التي تدنّت إلى الصفر مقابل 50 مليار ليرة في الفصل الأول من السنة الماضية، وتراجعت إيرادات كازينو لبنان بنسبة 12.8%، وتراجعت إيرادات الأماكن السياحية والأثرية بنسبة 10%...
وفي الواقع، تكاد تكون جميع النتائج سلبية باستثناء بعض البنود. فعلى سبيل المثال زادت إيرادات مطار بيروت الدولي بنسبة 121% لتبلغ 37.3 مليار ليرة، ورسوم السيارات بنسبة 2.8% لتبلغ 48.5 مليار ليرة، وزادت رسوم الأمن العام بنسبة 14% لتبلغ 14.3 مليار ليرة. وتبيّن أن الزيادة في إيردات ضريبة الفيول بلغت 60 مليار ليرة، أي بنسبة 25%، لتبلغ 150 مليار ليرة...
غير أن مجموع قيمة الإيردات التي زادت لا يغطّي التراجع في باقي بنود الإيرادات، بل يدفع الخبراء الاقتصاديين إلى التساؤل عن أسباب هذا التراجع في الإيرادات، فإذا كانت هذه الأسباب أسباباً تقنية متعلقة بوجود أموال إضافية من وزارة الاتصالات لم يجرِ تحويلها إلى وزارة المال، فقد تكون وطأة التراجع وتفسيراته أقلّ حدّة مما يمكن أن تكون عليه إذا كان التراجع يعزى إلى أسباب اقتصادية بحتة تتعلق بضعف مؤشرات النموّ والاستهلاك والتدفقات النقدية، لأن الأمر كلّه يصبّ في مسار الدين العام والقدرة على السيطرة عليه.
ارتفع العجز الإجمالي بنسبة 26.4% في الفصل الأول

وبحسب الخبير الاقتصادي، رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، تحتاج هذه المؤشرات إلى الكثير من المعطيات التوضيحية «ويكون التراجع مبرّراً نسبياً إذا تبيّن أن وزارة الاتصالات قرّرت أن تخفف من تحويلاتها المالية إلى وزارة المال، فيما يعزى قسم من التراجع إلى أسباب اقتصادية بحتة لأن النموّ الحقيقي، رغم كل ما نشهده حالياً، لا يزال في منحى إيجابي ويراوح بين 2% و2.5%». ويفسّر حمدان تراجع إيرادات ضريبة القيمة المضافة على أنه تراجع في الاستهلاك «لكن يجب أن نعرف ما أسباب هذا التراجع: هل هو ناجم عن ضعف القدرة الشرائية؟ هل هو ناجم عن قرار المستهلك تأجيل شراء حاجاته والاكتفاء بما هو ضروري فقط والادخار تحوّطاً للمستقبل؟ هل ارتفعت البطالة في لبنان وبدأ ينعكس ذلك على الاستهلاك؟ هل السوق مترقبة لا أكثر؟».
وفي الإطار نفسه، يرى رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، أن هذه الأرقام السلبية «غير مفاجئة، وخصوصاً لجهة نسبة تراجع الإيرادات بوتيرة أكبر من نسبة تراجع النفقات».
فضل الله يعتقد أن السنوات الماضية، وتحديداً منذ عام 2009 إلى اليوم، حملت «تقشفاً الزامياً على الحكومة اللبنانية بسبب عدم وجود موازنة، وبسبب سقوف الإنفاق المحدّدة وفق القاعدة الاثني عشرية والتشريعات الإضافية التي تتيح الإنفاق... هذا السقف كانت له مفاعيل، وبالتالي لم يعد ممكناً خفض الإنفاق أكثر (باستثناء إمكانية الخفض من خلال الإصلاحات الجذرية المطلوبة)، وهذا الأمر يفسّر تراجع النفقات بنسبة أقل بكثير من تراجع الإيرادات». أما بالنسبة إلى الإيرادات، فهي حسّاسة تجاه معدلات النموّ الاسمي، أي النموّ الحقيقي + معدلات التضخم، «وهذه النتائج يفسّرها استقرار معدلات التضخّم، فيما تميل معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى الانكماش. كذلك كانت هناك ظروف سلبية أثّرت سلباً على الإيرادات مقابل بطء في معالجتها مثل إغلاق المعابر وانقطاع التصدير البري».
هكذا يرى فضل الله أن هذه المؤشرات تجعل لبنان مرشّحاً أكثر «لتراجع الإيرادات بوتيرة أسرع، وتؤدي إلى تأثيرات سلبية على الدين العام في ظل عدم وجود نموّ كافٍ». إلا أن «ما يشغل البال أكثر هو أن «مسار الدين العام استأنف تصاعده منذ السنة الماضية، وبالتالي يجب الانتباه من العودة إلى الاعتماد بصورة كبيرة على الودائع لتمويل كلفة الدين لأن تصنيف الودائع على نوعين:
ــ النوع الأول: هي ودائع غير حسّاسة تجاه التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية ويمكن الاعتماد عليها. (غالبية هذه الودائع هي ودائع المغتربين اللبنانيين الذين لا يجدون سوى المصارف اللبنانية منفذاً لودائعهم لتحصيل إيرادات مرتفعة من الفوائد المرتفعة نسبياً، وبسبب الصعوبات والقيود التي تواجه اللبنانيين في فتح الحسابات خارج لبنان، ويضاف إلى هذه الودائع الأموال المتصلة بنمو حجم أعمال الشركات وبعض أنواع التجارة والصناعة. وبالتالي إن استمرار تدفق هذه الودائع إلى لبنان هو أمر شبه حتمي وانسحابها من لبنان ليس أمراً سهلاً).
النوع الثاني من الودائع هو عبارة عن كتلة حسّاسة تسمى الكتلة الساخنة. هذه الكتلة هي حسّاسة تجاه التطورات الاقتصادية والأمنية والسياسية. أما أسوأ التوقعات فهي أن تتوقف هذه الكتلة عن التدفق إلى لبنان، أو تبدأ تلك المودعة في لبنان، بالانسحاب من لبنان فيما نحن بحاجة إلى تمويل كلفة الدين العام، وبالتالي تضطر السلطات المعنية إلى رفع أسعار الفائدة لإغراء هذه الكتلة بالبقاء في لبنان... وبذلك عسى ألا نعود إلى هذا المسار مجدداً وإلى الدورة الرديئة التي حلّت بلبنان قبل نحو عشر سنوات».


للصورة المكبرة أنقر هنا