«أزمة الديون اليونانية» ليست في الحقيقة أزمة تمويل، بل هي نتاج رغبة الكثير من القادة الأوروبيين بالتخلص من حكومة أليكسيس تسيبراس المتنافرة مع النموذج السياسي ــ الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، الذي يعمّق اللامساواة ويطلق سلطة رأس المال المتفلتة من الضوابط الاجتماعية. هذا ما يقوله جوزيف ستيغلتز، نائب رئيس البنك الدولي سابقاً، وكبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، وذلك في مقال بعنوان «هجوم أوروبا على الديمقراطية اليونانية»، نشره موقع Project Syndicate منذ أيام.
جنت اليونان الثمار المرّة لبرنامج القروض الذي فرضته «ترويكا» الدائنين (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) عليها منذ 5 سنوات، فأدت السياسات التي أملتها الشروط الملازمة إلى تقلص الناتج المحلي للبلاد بنحو 25%، وتجاوز نسبة بطالة الشباب 60%، في سيناريو يقول ستيغلتز إنه متعمّد وكارثي على نحو عز نظيره، وخاصة أن «الترويكا» لا تكتفي بالتنصل من مسؤوليتها عما آلت إليه حال اليونان، بل لا تزال تطالب اليونان برفع الفائض الأولي في ميزانيتها إلى 3.5% من الناتج عام 2018، ما يعني تعظيم حصة خدمة الدين من الموازنة، على حساب سائر أوجه الإنفاق العام، الاجتماعي والاستثماري خاصة. وبحسب ستيغلتز، دان الكثير من الاقتصاديين حول العالم إملاءات الدائنين بوصفها «عقابية»، قائلاً إن من شأن تطبيقها أن يؤدي على نحو حتمي إلى ركود أعمق من ذاك الذي تعانيه اليونان الآن. ويشير ستيغلتز إلى حقيقة في غاية الأهمية، هي أن النزر اليسير فقط من أموال «مساعدات» المؤسسات الدائنة الثلاث ذهب إلى خزائن اليونان، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي دُفعت للمقرضين من القطاع الخاص، ولا سيما المصارف الألمانية والفرنسية؛ ما يعني أن اليونان «دفعت ثمناً باهظاً لتعويم النظام المصرفي في هذين البلدين».
وفي تفسيره لرفض القادة الأوروبيين القاطع تمديد برنامج القروض لأيام معدودة، حتى موعد استفاء المواطنين اليونانيين حول قبولهم أو رفضهم لشروط الدائنين، يقول ستيغلتز إن «الاهتمام بالمشروعية الشعبية لا يتناسب وسياسات منطقة اليورو، التي لم تكن يوماً مشروعاً ديمقراطياً حقاً». ويذكّر ستيغلتز بأن معظم الحكومات الأوروبية لم تستأنس برأي شعوبها عندما قررت التخلي عن سيادتها النقدية لمصلحة البنك المركزي الأوروبي، وبأن السويديين رفضوا ذلك عندما استفتتهم حكومتهم، وذلك لأنهم «فهموا أن البطالة سترتفع إذا ما باتت السياسة النقدية يحدّدها مصرف مركزي هدفه الوحيد لجم التضخم... وأن الاقتصاد سوف يرزح تحت وطأة النموذج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، الذي فرضته علاقات القوة المختلة لغير مصلحة العاملين بأجر».
تصويت اليونانيين بـ«نعم» لشروط الدائنين سيؤدي إلى «ركود بلا نهاية»، وإلى بيع أصول البلاد وهجرة شبابها، يقول ستيغلتز، مشيراً إلى أن التصويت بـ«لا»، وإن كان ينطوي على مخاطر كبيرة، سيعني استعادة اليونان قرارها، ووضع حد لـ«عذابها»، ويمنحها الأمل بمستقبل أفضل.

(الأخبار)